خبراء: سد العجز بالإنتاج لا التحايل.. وضم الصناديق للموازنة جائز بشروط تعتبر الصناديق الخاصة أحد أهم الألغاز التى حارت الحكومات فى التعامل معها، حيث تحتوى على مليارات الجنيهات فى غياب الرقابة، وفى محاولة حكومية للسيطرة عليها سن البرلمان قانوناً جديداً يسمح للحكومة بتحصيل نسبة من أموالها لصالح الخزانة العامة للدولة، على أن يستمر العمل للسيطرة عليها من خلال اتفاق بين وزارة المالية واللجنة الاقتصادية بالبرلمان، واعتقد البعض أن القانون الجديد سيقضى على مشكلات الصناديق الخاصة التى تبين أنها بمثابة كنز على بابا لكثير من الجهات تنفق منها كيفما تشاء، لذلك حاولت حكومات ما بعد الثورة السيطرة عليها إلا أنها فشلت، وحتى القانون الجديد الذى سنه المجلس مؤخراً لم يأت بجديد إلا أنه جاء بمثابة إجراء لزيادة موارد الدولة. وافق مجلس النواب على مشروع القانون المقدم من الحكومة بتخصيص نسبة من أرصدة الصناديق والحسابات الخاصة والوحدات ذات الطابع الخاص لصالح الخزانة العامة للدولة، حيث نص القانون على أن تؤول للخزانة العامة نسبة من الأرصدة البنكية لكل صندوق أو حساب أو وحدة حتى تاريخ 15 أبريل 2017، تقدر ب 1% من المبالغ التى تتراوح بين 5 ملايين وحتى 20 مليون جنيه، أما الأرصدة التى تتراوح بين 20 مليوناً وحتى 50 مليون جنيه فتحصل عنها نسبة 5%، أما الأرصدة التى تزيد على 50 مليوناً ولا تزيد على 100 مليون جنيه فتحصل عنها نسبة 10%، والأرصدة التى تزيد على 100 مليون فتحصل عنها نسبة 15%، ويستثنى من هذا القانون حسابات المشروعات البحثية الممولة من المنح والاتفاقيات الدولية والتبرعات، وحسابات المستشفيات الجامعية والإدارات الصحية والمستشفيات وصناديق تحسين الخدمات الصحية بها، وصناديق الرعاية الصحية والاجتماعية للعاملين، ومشروعات الإسكان الاجتماعى. كما نص القانون على إلزام الهيئات التى ستحصل منها النسب على توريدها للحساب المفتوح فى البنك المركزى لدعم الخزانة العامة للدولة خلال 15 يوماً من تاريخ العمل بالقانون، وفى حالة عدم الالتزام تقوم وزارة المالية بخصم هذه النسبة من حسابات الصناديق مباشرة، كما منح القانون السلطات المختصة الحق فى استخدام الفوائض المتراكمة فى أحد الصناديق والحسابات الخاصة لتغطية العجز فى حساب آخر بما لا يؤثر على قيام الصندوق أو الحساب الأصلى. هذا القانون ظن البعض أنه وسيلة للقضاء على مشكلة الصناديق الخاصة التى كانت بمثابة كنز على بابا طوال الأعوام الماضية حيث تواردت أنباء عن احتوائها على ما يقرب من 600 مليار جنيه، إلا أن الدكتور عمرو الجارحى وزير المالية أكد أمام البرلمان أنها تحتوى على 33 ملياراً فقط، ويعمل بها 260 ألف عامل، مشيراً إلى وجود رقابة عليها قبل الإنفاق وبعده، إلا أن هذا لا يمنع وجود أبواب خلفية، وحددت وزارة المالية المبلغ المتوقع أن تحصل عليه الحكومة جراء تحصيل نسبة من هذه الصناديق بحوالى 3 مليارات جنيه سنوياً، إلا أن الدكتور مدحت الشريف وكيل اللجنة الاقتصادية بالبرلمان أكد أن هذا القانون لن يقض على مشكلة الصناديق الخاصة، إلا أنه يساعد الحكومة على زيادة مواردها عن طريق تحصيل نسبة من أموال هذه الصناديق لصالح الخزانة العامة، مشيراً إلى أن هذا الإجراء تم بناء على عملية الحصر التى قامت بها وزارة المالية بالتعاون مع اللجنة الاقتصادية بالبرلمان، والصناديق التى سيطبق عليها هذا القانون هى الشريحة الأولى وهى موجودة بالحساب الموحد بالبنك المركزى الذى تم تخصيصه لهذا الغرض، ولكن هناك حسابات أخرى ما زالت غير مراقبة، وما زالت لجنة حصر الصناديق الخاصة المشكلة من وزارة المالية تعمل على حصرها حتى الآن، لوضع تصور لضمها وفرض رقابة على أموالها. وأضاف: أن القانون الجديد يهدف إلى خصم جزء من أرصدة هذه الصناديق لتستفيد منه الموازنة العامة للدولة، وبعد انتهاء اللجنة من حصر الصناديق وعددها والأموال الموجودة بها ستطبق عليها لقواعد التى قمنا بوضعها فى شهر أبريل الماضى لضبط عمل هذه الصناديق ومراقبتها وكيفية إنفاق أموالها، وبناء على نتائج الدراسات والحصر سيتم تحديد الأسلوب الأمثل للتعامل مع هذه الصناديق سواء بضمها للموازنة العامة أم تركها مع مراقبة عملها بطريقة أكثر إحكاماً، وهذا كله ستحدده الدراسات التى تجريها وزارة المالية بالتعاون مع اللجنة الاقتصادية بالبرلمان. مال سايب وقد كشفت سنوات ما بعد الثورة عن كارثة «المال السايب» فى هذه الصناديق والتى يصل عددها إلى 700 صندوق، وتضاربت الأرقام حول ما تضمه هذه الصناديق، إلا أن وزارة المالية حسمت الأمر مؤخراً بأنها تضم حوالى 33 مليار جنيه ويبلغ عدد أعضائها 5 ملايين عضو، وهى عبارة عن صناديق تنشأ فى الهيئات أو النقابات أو المؤسسات العامة، وتمنح لأعضائها أو المستفيدين منها مزايا مالية أو معاشات أو مكافآت فى مناسبات معينة، ورغم أنها تخضع لرقابة وزارة المالية وهيئة الرقابة على التأمين والجهاز المركزى للمحاسبات، إلا أن الحديث كثر حولها طوال الأعوام الماضية وأصبحت مثل كنز على بابا الذى ينفق منه بغير حساب، حتى بدأت الحكومة تضع قواعد للسيطرة عليها وضمها للموازنة العامة للدولة، خاصة أن العجز المزمن للموازنة يتفاقم كل يوم، وكل الوسائل الحكومية تعجز عن مواجهته، ومن ثم وافق البرلمان على القانون الأخير الذى وضعته الحكومة، ولكن الدكتور يوسف إبراهيم أستاذ الاقتصاد بجامعة الأزهر ومدير مركز صالح كامل للاقتصاد الإسلامى بالجامعة يرى أن هذه الصناديق تعمل وفقاً للوائحها الخاصة، ومعظم الوزارات بها صناديق خاصة تنفق منها على بنود محددة، ويتم مراقبتها داخلياً، وما حدث مؤخراً هو مجرد محاولة من الحكومة لزيادة مواردها فأخذت نسبة من أموال هذه الصناديق، وهذا يدل على ضعف الدولة وعدم قدرتها على سد عجز الموازنة فبدأت تبحث عن أموال هذه الصناديق التى تخصم من العاملين فى هذه الجهات، وكان الأحرى بها أن تخضع هذه الصناديق لها بشرط أن يتم إنفاق أموالها على الأغراض التى أنشئت من أجلها ولكن من خلال الدولة نفسها، فيجب أن تكون الموازنة موحدة بحيث تصب الإيرادات فى منبع واحد، ويكون هناك رقابة على عملية الإنفاق بحيث تتم أكثر انضباطاً، وهو أمر معروف فى العالم كله بوحدة الموازنة، أما فى مصر فهناك حالة من التسيب فى كل شىء، وهو ما أفرز هذه الحال من الازدواجية فى الإنفاق، وما يحدث الآن لا يهدف إلى ضبط الإيقاع وإنما يهدف إلى سده عجز الموازنة الذى يجب سد بزيادة الإنتاج وليس بهذه الطرق. يذكر أن الصناديق الخاصة هى إحدى الوسائل المشروعة للتغلب على مشكلات ضعف التأمينات الحكومية وعدم شموليتها، لذلك ظهرت فكرة صناديق الزمالة والادخار والاستثمار والصناديق العلاجية والمعاشات التكميلية، ومنها صناديق تمنح لأعضائها مبالغ تفوق أضعاف مكافأة نهاية الخدمة التى يحصل عليها العامل من مكان عمله الفعلى، ومن ثم اعتبر الكثيرون محاولات الحكومة للسيطرة على هذه الصناديق بمثابة هجمة عليها للسيطرة على أموالها والاستفادة منها رغم أنها أموال مملوكة لأعضائها، إلا أن الحكومة التى فشلت فى السيطرة على عجز الموازنة رغم كل إجراءاتها العقابية للمواطنين لجأت مؤخراً للسيطرة على أموال المواطنين لتحقيق غايتها فى سد عجز الموازنة.