فى الآونة الأخيرة تكررت حوادث النصب والاحتيال باسم الدين من جانب البعض لاستغلال الدين الإسلامى أو المسيحى، وكان الزى الدينى هو الأداة الكبرى فى إتمام عمليات النصب تلك، ومن هنا ظهرت مطالبات بحظر ارتداء الزى الدينى خارج أماكن العبادة خاصة فى ظل تحذيرات من استغلال ها الزى فى تنفيذ أعمال إرهابية. وفى المقابل أشعلت تلك المطالبات غضب رجال الدين الإسلامى والمسيحى على السواء، الذين أكدوا استحالة تنفيذها على أرض الواقع، مؤكدين أن الزى الأزهرى الإسلامى ارتضاه الأزاهرة لهم ليعرفهم العامة، أما الزى الكهنوتى لرجال الدين المسيحى فإن القواعد والطقوس المسيحية تلزمهم وتجبرهم على ارتدائه فى أى مكان يذهبون إليه. وفى ظل رفض هذه المطالبات أكد رجال الدين ضرورة تقنين الزى الدينى وليس حظر ارتدائه فى غير أماكن العبادة ومعاقبة المخالفين أسوة بما يحدث مع الزى العسكرى والشرطى؛ لأن ذلك هو الحل الأساسى لمنع تكرار حوادث النصب والاحتيال والإرهاب. وفى سبيل تحقيق ذلك يطالب الأزهريون بتفعيل القانون رقم 51 لسنة 2014 لحماية الزى الدينى الذى حددت المادة الثالثة منه الذين يجوز لهم ارتداء الزى الأزهرى دون غيرهم ومعاقبة المخالفين لذلك. ولم يختلف موقف الكنيسة عن الأزهر كثيرا، حيث تطالب دائما الحكومة بتقنين الزى الكهنوتى منعا للمشاكل وإثارة الجدل، ورفعت قضية أمام القضاء الإدارى بالفعل وتنتظر الحكم فيها. ويقول الدكتور محمد عبدالعاطى عميد كلية الدراسات الإسلامية بجامعة الأزهر بالقليوبية، إن المطالبات بحظر ارتداء الزى الدينى «الإسلامى أو المسيحى» خارج أماكن العبادة لمواجهة مخططات الإرهابيين لتنفيذ عمليات إرهابية مرتدين زى قساوسة أو شيوخ ليس من المنطق فى شىء، وهذا كلام غير دقيق أو مقبول. وأضاف «عبدالعاطى»، أن منفذى العمليات الإرهابية الأخيرة فى كنائس طنطاوالإسكندرية والبطرسية وغيرها لم يكونوا يرتدون الزى الدينى وإنما كانوا يرتدون زيًا مدنيًا طبيعيًا، ومن ثم فارتداء الإرهابيين «بدلًا» هل يكون مدعاة لأن نحظر ارتداء البدل فى الشوارع .. هل هذا منطق؟». وأوضح عميد كلية الدراسات الإسلامية بجامعة الأزهر بالقليوبية، أن الزى الدينى غير موجود فى القانون ولكن الأزهريين ارتضوه لأنفسهم حتى يعرفهم العامة فهو زى له إجلاله واحترامه بين الناس طوال ألف عام. وحول استغلال البعض الزى الدينى فى النصب على المواطنين باسم الدين وإصدار فتاوى شاذة لا علاقة لها بالدين، أكد «عبدالعاطى» أن الشخص المستفتى يجب عليه أن يتحرى المفتى ويبحث عنه بدلا من سؤال أى شخص يقابله مرتديا الزى الدينى فالمستفتى لا يذهب إلى العمامة وإنما يذهب للعالم الموثوق فيه. وأوضح عميد كلية الدراسات الإسلامية بجامعة الأزهر فى القليوبية أن تطبيق القانون واللوائح على هؤلاء النصابين هو الحل الوحيد لهذه القضية وليس حظر ارتداء الزى الدينى، كما أن ذلك مسئولية الشرطة والنيابة التى تقوم بواجباتها وتتخذ ضدهم الإجراءات القانونية اللازمة. وقال الدكتور على الأزهرى، عضو هيئة التدريس بجامعة الأزهر، إنه يرفض مطالبات حظر ارتداء الزى الدينى «الإسلامى أو المسيحى» خارج أماكن العبادة، مؤكدا أن مسألة الزى ليست مسوغًا للحد من الجريمة، فَلَو طُلب منى الذهاب لاجتماع يخص عملى أحمل حقيبتى وفيها الزِّى، بالطبع هذا ضرب من الفراغ لدى البعض الذين ينادون بهذا الأمر. وأوضح «الأزهرى»، أن النصابين باسم الدين والمحتالين على الناس يجب أن تتم معاقبتهم بعقوبات رادعة وفقا للقانون ونشر صورهم فى ميادين عامة ليكونوا عبرة، كما يجب تفعيل خدمة استكشاف البيانات عن طريق الرقم القومى عن طريق الشريط الأسمر المخزن عليه المعلومات لأنهم ربما يلجأون إلى تزوير بطاقات. وفى سعيه للحد من استغلال الزى الأزهرى خلال السنوات الأخيرة استطاع الأزهر استصدار قانون 51 لسنة 2014 لحمايته، وحددت المادة الثالثة منه من يجوز له ارتداء الزى الأزهرى، حيث تنص على أن «لا يجوز لغير خريجى الأزهر، والعاملين فى المجال العلمى أو الدعوى به، وطلابه فى التعليم الجامعى وقبل الجامعى، والعاملين بوزارة الأوقاف فى مجال الدعوة، والعاملين بدار الإفتاء فى المجال العلمى والدعوى، والمصرح لهم بالخطابة من وزارة الأوقاف، ارتداء الزى الأزهرى ويصدر بتحديد مواصفات هذا الزى قرار من شيخ الأزهر بناء على عرض وزير الأوقاف». ونصت المادة الخامسة من القانون نفسه على عقوبات تتمثل فى أن «يعاقب بالحبس مدة لا تقل عن شهر ولا تزيد على سنة وبغرامة لا تقل عن عشرة آلاف جنيه، ولا تجاوز ثلاثين ألف جنيه، أو بإحدى هاتين العقوبتين، كل من ارتدى الزى الأزهرى من غير الفئات المشار إليها بالمادة (3) من هذا القانون أو قام عمداً بإهانة هذا الزى أو ازدرائه أو الاستهزاء به». وعقب الحوادث المتكررة من جانب البعض لاستغلال الزى الأزهرى فى إصدار فتاوى وآراء فقهية تساند الإرهابيين طالبت قيادات الأزهر بتفعيل القانون وتطبيق العقوبات التى ينص عليها بالنسبة للمخالفين، مشيرين إلى أن ذلك من شأنه منع استغلال هذا الزى فى الإساءة للأزهر وتضليل الناس بأفكار مغلوطة ومسمومة. وكانت الفترات الماضية وخاصة السنوات الأربع الأخيرة شهدت إساءات كبيرة للزى الأزهرى مثل عصام تليمة الإخوانى الهارب إلى تركيا الذى يتخذ منها منصة لمهاجمة مصر ومحمد الصغير عضو الجماعة الإسلامية الذى يستغل مظهره الأزهرى للهجوم على الدولة، فضلا عن استغلال مصطفى راشد الذى يدعى أنه مفتى استراليا الزى الأزهرى لإنكار ثوابت الدين الواحدة تلو الأخرى بدعاوى التجديد الدينى. وعلى الجانب الآخر قال المستشار نجيب جبرائيل مستشار الكنيسة القبطية ورئيس منظمة الاتحاد المصرى لحقوق الإنسان، إن المطالبات بحظر ارتداء الزى الدينى «الإسلامى أو المسيحى» خارج أماكن العبادة لمواجهة مخططات الإرهابيين لتنفيذ عمليات إرهابية مرتدين زى قساوسة أو شيوخ غير قابل للتنفيذ على أرض الواقع بأى شكل من الأشكال. وأضاف جبرائيل أنه يستحيل تجريد رجال الدين المسيحيين من الزى الكهنوتى خارج أماكن العبادة لأن ذلك يخالف الطقوس الدينية المسيحية التى تفرض على رجال الدين وتلزمهم بارتداء الزى الدينى فى كل مكان وليس فى أماكن العبادة فقط. وأوضح مستشار الكنيسة القبطية ورئيس منظمة الاتحاد المصرى لحقوق الإنسان، أن حل هذه المسألة لن يتم إلا بتقنين الزى الدينى وليس حظر ارتدائه خارج أماكن العبادة، مشيرا إلى أنه تم رفع قضية فى القضاء الإدارى لهذا الغرض وننتظر الحكم فيها. وأشار مستشار الكنيسة القبطية إلى أن الكنيسة تطالب الحكومة مرارا وتكرارا بتقنين الزى الدينى، ولكن لا تجد دائما ردا حاسما من الحكومة، موضحا أن الزى الدينى يجب أن يتم التعامل معه مثل الزى العسكرى والشرطى الذى يمنع القانون ارتداءه لغير العسكريين والشرطيين. ولفت جبرائيل، إلى أنه تم ضبط عدد كبير من الجرائم بانتحال صفة رجال دين مسيحيين فى السنوات الأخيرة كان أبرزها انتحال اسم البابا وانتحال صفة رجال دين من أجل جمع تبرعات لصالح الكنيسة، مؤكدا أن التعامل مع هؤلاء يجب أن يكون من خلال القانون وليس حظر ارتداء الزى الدين فى غير أماكن العبادة. وقال المفكر القبطى كمال زاخر، إن مطالبات حظر ارتداء الزى الدينى المسيحى خارج أماكن العبادة غير منطقية وغير قابلة للتطبيق وتصل إلى حد السذاجة. وأضاف زاخر، أن المنطق يقول إن الزى الكهنوتى متعارف عليه منذ مئات السنين والكاهن القبطى ورجل الدين المسيحى لا يجوز له السير فى الشارع أو أى مكان خارج دور العبادة دون ارتداء هذا الزى لأن ذلك يصطدم مع القوانين الكنسية. وأوضح المفكر القبطى، أن من الأولى على الحكومة تقنين الزى الدينى مثل الزى العسكرى بدلا من حظر ارتدائه فى غير أماكن العبادة، متسائلا «لماذا لا توافق الحكومة على مطلب الكنيسة بتقنين الزى الكهنوتى منعا للمشاكل وإثارة الجدل؟». وتابع: «فى هذه الحالة هنريح الدنيا ونقفل الباب على النصابين لأن الحكومة ماسكة العصاية من النص ومبرراتها فارغة»، مشيرا إلى أنه لا توجد إرادة حقيقية لحل هذه المسألة المهمة لأننا يتعامل بعضنا مع بعض للأسف بطريقة الهواة. وحول طريقة منع هؤلاء النصابين من ارتكاب جرائمهم مرة أخرى، أكد المفكر القبطى أن منع هؤلاء لن يكون بغير القانون كما يحدث مع ارتداء الزى العسكرى. وعقب الحوادث المتكررة من جانب البعض لاستغلال الزى الكهنوتى فى النصب على المواطنين، كلف البابا تواضروس الثانى بابا الإسكندرية وبطريرك الكرازة المرقسية المستشار منصف نجيب سليمان، المستشار القانونى للكنيسة وعضو المجلس الملى العام، منذ أكثر من عام بإعداد مشروع قانون لتسجيل الزى الكهنوتى رسميا تمهيدا لإقراره داخل المجمع المقدس ورفعه إلى الدولة لتقديمه لمجلس النواب ولكن لم يتم البت فى أمره حتى الآن. وقد جاء ذلك بعد كثير من المناشدات والتحذيرات من جانب الكنيسة، وصلت إلى الدرجة التى خرج فيها البابا تواضروس فى أكثر من واقعة يحذر الأقباط من النصب عليهم من أى شخص كان يشغل عملا كنسيا وصار مستبعدا منه الآن بسبب أخطائه أو عناده أو انحرافه حتى إن ارتدى زيًا أسود دون وجه حق رهبانيا أو كهنوتيا، رجلا كان أم امرأة. وكانت حوادث نصب وسرقة واحتيال وغيرها من الجرائم تم ارتكابها بالزى الكهنوتى الذى تعانى الكنيسة من فوضى ارتدائه ما دعاها مرارا وتكرارًا إلى مطالبة الدولة بتقنينه وتجريم ارتدائه دون وجه حق لوقف سلسلة الجرائم التى ترتكب تحت غطائه، ويكاد بعضها يصل إلى إشعال الفتن الطائفية فى البلاد. وتتنوع هذه الحوادث بين انتحال الصفة الكنسية بارتداء تلك الملابس وسرقة تبرعات الأقباط وعشورهم والتغرير بهم، ما بين أسقف وكاهن وراهب بغرض جمع التبرعات المختلفة من الأقباط فى ظل الأزمات الطائفية أو الأحداث التى يتعرض لها الأقباط وتصبح حديث الرأى العام. ومن أبرز تلك الحوادث تحذير الكنيسة من نصابين يجمعون التبرعات باسم الكنيسة لسيدة «قرية الكرم» التابعة لمركز أبوقرقاص بمحافظة المنيا، التى تم الاعتداء عليها قبل شهور، كما حذّر الأنبا موسى، الأسقف العام للشباب من قيام أشخاص بجمع تبرعات باسم أسقفية الشباب داخل وخارج مصر، وكذلك حذّرت الكنيسة من استغلال أزمة السيول التى ضربت أديرة وادى النطرون وجمع تبرعات باسمها. وفى أسوان حذّرت المطرانية بالمحافظة من التعامل مع شخص ينتحل صفة راهب بأكثر من دير، يدعى «أبانوب الباخومى» يجمع تبرعات مالية مدعيا أنها لدير الأنبا باخوميوس فى إدفو. وذكرت المطرانية، أن هذا الشخص الذى ينتحل عدة أسماء لآباء فى الدير لا ينتمى إلى الدير وهو ليس راهبا من الأساس والدير ليس مسئولا عنه ولا عن هذه المبالغ التى يجمعها مستغلا زيه الرهبانى والاسم الذى ينتحله. ولم تقتصر الحوادث عند سرقة التبرعات الموجهة للكنيسة التى تعتمدها فى تنمية موارد ميزانيتها بل تطور الأمر لاستغلال الملابس الكهنوتية فى الخروج على الكنيسة الأم نفسها، مثل أزمة دير وادى الريان غير المعترف به كنسيا الذى أصدرت الكنيسة بشأنه الكثير من البيانات وتبرأت من عدد من رهبانه لكنهم ظلوا على تحديهم للكنيسة والدولة ورفضوا خلع الملابس الكهنوتية لتخرج الكنيسة وتناشد الدولة فى بيان رسمى، الإسراع فى تقنين وتسجيل الزى الكهنوتى والرهبانى حتى لا ينتحل أحد هذه الصفة الكنسية. وقد تسبب ارتداء الزى الكنسى فى أضرار أخرى للكنيسة، حيث وصل الأمر بهؤلاء النصابين المطرودين من الكنيسة إلى تكوين أماكن لتجمعاتهم خارج سيطرة الكنيسة.