يتفردُ صعيد مصر، بكثير من العادات والموروثات الشعبية، التى يعود بعضها إلى عصور الفراعنة. ويتوارث أبناء قرى الجنوب المصرى، تلك الموروثات والعادات جيلا بعد جيل، وبرغم انتشار كل صور الحداثة من تقنيات تكنولوجية، وهواتف ذكية، وسيارات فارهة، ومبانٍ شاهقة، إلا أن عادات وتقاليد مضت على بعضها آلاف السنين، لا تزال باقية، وحية، ومستمرة، ومحفورة فى الأذهان. ومن أبرز تلك الموروثات الاجتماعية، التى لاتزال باقية بقرى صعيد مصر، هى تلك العادات المرتبطة بيوم العيد، هو ارتداء ملابس العيد مبكرا من قبل النساء والأطفال والرجال الكبار، والشباب أيضا، لزيارة قبور الموتى، فملابس العيد فى الأقصر وسوهاج وقنا وأسوان، تُشترى لتُلبس فى صبيحة عيد الفطر وعيد الأضحى، وطقوس العيد تنص على ارتداء الجديد، لزيارة من رحلوا من الأهل والأحبة، وقضاء ساعات بصحبتهم وسط المقابر، التى تكتسى بألوان العيد، فالكل يرتدى الجديد، والكل يحمل كحك العيد، لتقديمه لمن يرتلون القرآن على قبور الموتى، ترحمًا عليهم. وما بين فناءٍ وآخر فى المقابر، التى عادة ما تقام فى أحضان الجبال، وقرب التلال المرتفعة، خارج القرى، ينتشر باعة الألعاب، وحلوى العيد، مثل باعة الفول السودانى، والحلاوة الطحينية والملبن والمشبك.. إلخ من أنواع الحلوى التى عادة ما تباع فى مختلف الاحتفالات الشعبية، التى تنتشر بقرى صعيد مصر. وما أن تنتهى صلاة العيد، حتى تخرج الجموع باتجاه قبور الموتى، لزيارتهم، وقضاء ساعات العيد الأولى بجوارهم، فى تقليد يشير إلى الوفاء لمن رحلوا، وبأنهم سيظلون فى الذاكرة، وأن اسعد اللحظات، مثل لحظات العيد، لا تحلو إلا بجوارهم حتى بعد رحيلهم عن الحياة. ومن العادات المرتبطة بالأموات فى مواسم الأعياد، بقرى صعيد مصر، قيام العائلات التى توفى منها أحبة ما بين العيد والعيد، بفتح دواوينها – دور المناسبات – لتلقى واجب العزاء مجددا فيمن رحلوا فيما يسمى ب«الوحشة»، أى التجمع بجوار أهل الميت فى أول عيد بعد رحيله، للتخفيف عنهم، والتعبير عن ان متوفاهم له « وحشة» مثل القول «واحشنى» وأن الجميع يشعرون بإفادته، وهى عادة لا تتم إلا فى الساعات الأولى من أول ايام العيد. ومن عادات العيد القديمة فى قرى ومدن الصعيد، هو قيام الشباب بتشكيل جماعات، تقوم بزيارة منازل القرية، لتقديم التهنئة بحلول العيد السعيد، ويسبق ليلة العيد، قيام كل أسرة بإرسال «العشاء» لكل فتاة متزوجة، وال«عَشَاء» مكون من أطعمة غير مطهية، مثل اللحوم والخضراوات وغيرها، أما الفتاة المخطوبة التى لم تتزوج بعد، فإن أهل عريسها، هم من يقومون بإرسال ال « عَشَاء لها. أما كل شاب ارتبط بخطبة عروس للزواج منها، فإن طقوس احتفاله بحلول العيد مع عروسه، تقتصر على زيارتها بمنزل أسرتها، وتناول العشاء بصحبتها فى حضور أفراد أسرتها، وتقديم العيدية لها، وهو مبلغ من المال يقدر بحسب القدرة المالية لكل شاب. وفسحة العيد تكون بخروج الصغار إلى ساحات قرب النيل، فيركبون الخيل والجمال، ويتسابقون بالحمير – جمع حمار – أما الميسورون من الشباب، فيذهبون إلى احتفالات العيد بدءًا من الصلاة فى المسجد، وحتى زيارة المقابر، وزيارة الأهل والأصدقاء، على ظهر الخيول، فى استعراض للجاه والمال وتقديم أنفسهم لمجتمعهم فى صورة الفرسان. لكن بعض القرى، مثل المطاعنة، فى جنوبالأقصر، خرجت بتقاليد جديدة فى الاحتفال بالعيد، لتغيير نمط ارتباط الأعياد بالموتى، وتنظم فى ظهيرة يوم العيد، احتفالات مبهجة، تتمثل فى سباقات «المِرمَاح» حيث يخرج الشبان والرجال ممن يملكون الخيول للتبارى فيما بينهم بالتسابق بالخيول، واستعراض مهاراتهم فى جعلها ترقص وهم فوق ظهورها على أنغام فرق المزمار البلدى. واللافت أن الاثريين، وعلماء المصريات، رصدوا قيام الفراعنة، بقضاء ثلث العام فى احتفالات ومهرجانات وأعياد وأن كحك العيد وزيارة الموتى، هى عادة فرعونية قديمة توارثها المصريون حتى اليوم،، وأن ما يسمى باعياد الموتى، كانت منتشرة ومعروفة بين قدماء المصريين، وأن أعياد الموتى، تعرف اليوم بين المصريين، بمناسبات ثلاث هى: ال«خمسة عشر» وال«أربعين» والذكرى السنوية، وهى ثلاث مناسبات تقام حتى اليوم فى مدن وقرى صعيد مصر، فى مناسبة مرور 15 يوما، و 40 يوما، وعام على وفاة كل شخص، حيث يتجمع اهله واحبته وجيرانه وابناء قريته، لإحياء مناسبة مرور 15 يوما على رحيله، ثم الاحتفال بمرور 40 يوما على رحيله، ثم إحياء مناسبة بمرورعام على رحيله، وهو احتفال حاشد يدعى فيه كبار قارئى القرآن، ويسمى ب«الحولية». وهكذا يحرص المصريون فى الجنوب، على الاحتفال بالموتى، وتذكرهم والوفاء لهم، حتى فى أول أيام العيد، الذى بات عيدًا بطعم الحزن، وعبق مقابر الموتى.