ما إن أعلن وزير الداخلية الجزائري دحو ولد قابلية فى 30 يناير عن احتمال إعادة فتح الحدود المغلقة مع المغرب قريبا, إلا وأكد كثيرون أن الربيع العربي لم يقتصر فقط على الإطاحة بالديكتاتوريات وإنما امتد أيضا لكسر الهوة فى علاقات الدول المغاربية. وكان ولد قابلية كشف في تصريحات لموقع "كل شىء عن الجزائر" أن إعادة فتح الحدود بين الجزائر والمغرب أمر محتمل جدا بالنظر إلى الدفء الذي تشهده العلاقات الثنائية بعد الزيارة الأخيرة التي قام بها وزير الخارجية المغربي سعد الدين العثماني إلى بلاده في 23 يناير والتي اعتبرت أول زيارة بهذا المستوى منذ 2003 . وأضاف أن مسألة فتح الحدود المغلقة من جانب الجزائر منذ العام 1994 ترتبط بقرار سياسي، مشيراً إلى أن إعادة فتح الحدود لا تعني فقط وزارة الداخلية. وبالنظر إلى أن هذه هي المرة الأولى التي يتحدث فيها مسئول جزائري حول احتمال إعادة فتح الحدود التي ما فتئ المغرب يطالب بها منذ سنوات, فقد رجح كثيرون أن تتم هذه الخطوة في غضون أيام قليلة, خاصة أن تصريحات وزيري خارجية الجزائر مراد مدلسي والمغرب سعد الدين العثماني في 23 يناير أظهرت استعدادا كبيرا لدفع التعاون أكثر وأكثر بين البلدين وفتح حوار شفاف حول القضايا الشائكة وأبرزها قضية الصحراء الغربية. وكان مدلسي قال عقب اجتماعه مع العثماني:" إن تطوير العلاقات مع المغرب من الأولويات بالنسبة للجزائر والمعالجة تكون بصفة منسجمة وكاملة بما فيها مسألة الحدود المغلقة". وشدد على أن البلدين تحدوهما إرادة قوية للتعاون في كل الميادين"، معتبرا أن التحديات الحالية تفرض على البلدين مجهوداً إضافياً استثنائياً حتى يشمل تعاونهما كل القطاعات. وفيما أعرب عن أمله في أن يتم التوصل إلى حلول لكل المشاكل والقضايا لأن ذلك يعبر عن إرادة الشعبين وقائدي البلدين, ذكر مدلسي بأن المغرب يعد البلد الأول مغاربياً وإفريقياً من حيث حجم التبادل التجاري مع الجزائر والثاني عربياً بحجم يتجاوز مليار دولار سنوياً . ومن جانبه، قال العثماني إن استراتيجية بلاده في مجال التعاون مع الجزائر مبنية على التعاون في المجالات والأمور المتفق عليها, أما الأمور المختلف فيها فتتم عن طريق فتح الحوار الشفاف بينهما. ودعا في هذا الصدد إلى إزالة المعوقات التي تحول دون تطوير العلاقات بين الجزائر والمغرب، في إشارة إلى قضية الصحراء الغربية والحدود المغلقة بين البلدين . ويعود إغلاق الحدود بين البلدين إلى العام 1994، حين قررت السلطات المغربية فجأة فرض تأشيرة الدخول على الرعايا الجزائريين الراغبين في زيارة المملكة، وذلك على إثر تفجير وقع في مراكش، حيث اتهم المغرب الاستخبارات الجزائرية حينها بتدبيره, وجاء الرد من قبل الرئيس الجزائري السابق اليمين زروال بإغلاق الحدود البرية إلى أجل غير محدد. وبعد عشر سنوات من الحادث، أسقط الملك محمد السادس شرط التأشيرة عن الجزائريين، وأعلن عن رغبة بلاده في إعادة فتح الحدود, لكن الجزائر اكتفت بإسقاط التأشيرة عن المغاربة، وأبقت الحدود مغلقة. وربطت الجزائر في السابق إعادة فتح الحدود بحزمة من الشروط السياسية والأمنية، بينها منع تهريب المخدرات إلى داخل حدودها، والتقدم في حل نزاع الصحراء الغربية، ورفع مستويات التنسيق الأمني على الحدود المشتركة في إطار "الحرب على الإرهاب", إلا أنه بعد تفجر ثورات الربيع العربي بدأ النظام الجزائري يبدي مرونة في هذا الصدد. فمعروف أن الثورات في ليبيا وتونس أطاحت بأنظمة حليفة للجزائر, وبالنظر إلى نظام الرئيس عبد العزيز بوتفليقة بدا وكأنه يعاني عزلة على إثر خسارة حليفيه العقيد الليبي الراحل معمر القذافي والرئيس التونسي المخلوع زين العابدين بن علي, فقد سارع في إبريل 2011 للإعلان عن إصلاحات سياسية, كما لم يدع رسالة العاهل المغربي الملك محمد السادس له في نوفمبر الماضي حول ضرورة تطبيع العلاقات بين البلدين تمر مثل سابقاتها، بحيث تجاوب معها بوتفليقة حينها, قائلا في تصريحات صحفية :" الوقت حان لبناء اتحاد المغرب العربي". ويبدو أن هناك أمرا آخر يدفع نظام الرئيس بوتفليقة للإسراع بتحسين العلاقات مع المغرب ألا وهو أن حركة مجتمع السلم الإسلامية التي انسحبت من التحالف الحاكم في الجزائر مؤخرا أعطت مسألة إعادة فتح الحدود مع المغرب أهمية كبيرة في برنامجها الانتخابي، ووعد رئيسها أبو جرة سلطاني بفتح الحدود في حال وصول الإسلاميين للحكم في الجزائر في الانتخابات البرلمانية المقررة في مايو المقبل, ما دفع الحكومة لخطوة استباقية لتفويت الفرصة على الإسلاميين من جهة ورفع شعبيتها من جهة أخرى. بل وهناك من رجح أيضا استجابة الجزائر أخيرا للضغوط المتواصلة عليها من قبل فرنسا وأمريكا للتقارب مع المغرب من أجل مواجهة تنظيم القاعدة في المغرب الإسلامي. وبالنسبة للمغرب, فإن مسألة غلق الحدود من جانب الجزائر تتسبب في خسارة الاقتصاد المغربي نحو 4 مليارات دولار سنوياً كانت تأتي من عوائد السياحة والتجارة، خصوصاً أن الجزائريين كانوا يفضلون الوجهة المغربية قبل التحول إلى تونس بعد غلق الحدود. وبالنظر إلى تفاقم مشكلات البطالة في المغرب وظهور حركات احتجاجية فيه على إثر ثورات الربيع العربي, فقد حاول إنهاء القطيعة مع أقرب جيرانه لضمان تدفق السياح الجزئرايين إليه مجددا. بل وهناك من اعتبر أن زيارة العثماني إلى الجزائر تدخل في إطار مسعى حزب العدالة والتنمية الإسلامي، الذي يقود الحكومة الجديدة في المغرب, لإظهار قدرته أمام الرأي العام والمؤسسة الملكية على النجاح في ملفات شائكة عجزت عن الخوض فيها الحكومات السابقة. وبصفة عامة, يجمع كثيرون أن الربيع العربي نجح في اختراق ملف العلاقات الشائكة بين الجزائر والمغرب, بل ولم يستبعد البعض أن يتم التوصل قريبا إلى حل للخلاف المزمن بينهما حول قضية الصحراء الغربية, الذي يعود بالأساس لصراع النفوذ الإقليمي بين الدولتين, حيث تدعم الجزائر مساعي جبهة البوليساريو لتقرير المصير, في مواجهة المغرب الذي يرفض هذا الأمر تماما ويصر فقط على منح الصحراء الغربية حكما ذاتيا في إطار السيادة المغربية.