إذا أردنا بجد أن نرى ثمار ثورة 25 يناير الحقيقية، فهناك مبادئ ستة لابد أن نتوافق عليها مقدماً، خاصة أنه من المستحيل أن يختلف عليها اثنان مؤمنان بمصر: (1) مبدأ «المواطنة» بمعنى أن انتماءنا الوحيد هو لمصر.. مصر فوق الجماعات.. وفوق الأحزاب.. وفوق الجميع!! وبالتالى فإن المواطنة تعنى «الدولة المدنية» أى ليس «العسكرية» ولا «الدينية»!! (2) مبدأ «الحريات» بمعنى المساواة المطلقة دون تمييز على أساس الجنس أو الدين أو النوع أو اللون!! (3) مبدأ «القانون» بمعنى أن القانون هو أداة تنظيم لحياة المجتمع وتفاعلاتها.. وله سيادة مطلقة على الجميع دون تمييز أو محاباة!! لنا حقوق.. ولكن علينا واجبات فى مقابلها!! (4) مبدأ «الأمن» بمعنى أن الالتزام بالأمن والأمان والانضباط.. هو بوابة الرقى بكل جوانب الحياة فى المجتمع.. وبالتالى فإنه لا مجال لتساهل أو تهاون فى هذا الشأن!! (5) مبدأ «الديمقراطية» بمعنى حكم الشعب بالشعب ومن أجل الشعب.. مع ضمان: أ عدم السماح بفرض ديكتاتورية الأغلبية مهما كانت صنفها، ب عدم الاستيلاء على السلطة بل تولى السلطة وتداولها، ج العمل السياسى من خلال الأحزاب.. وليس النقابات.. ولا الميليشيات.. ولا التنظيمات السرية!! (6) مبدأ «التعايش فى عالم متنوع» بمعنى التفاعل مع هذا العالم بما يعود على «مصرنا» بكل الفوائد: سياسياً واقتصادياً وعلمياً وتكنولوجياً واجتماعياً وثقافياً!! وفى جميع الأحوال.. فإن كل من هذه المبادئ يحتاج إلى حوار. وإلى توضيح.. وإلى مسار ومنهاج للتطبيق!! وعلينا قبل الاستطراد فى المناقشة أن نلقى نظرة فاحصة على محصلات ثورة 25 يناير 2011 على مدى عام من الزمان، خاصة أن حصيلة السلبيات على الأقل فى رأى البعض تفوق حصيلة الإيجابيات!! ومن هنا فإنه علينا أن نتفحص هذه السلبيات لنتدارك تأثيرها.. وحتى تبدأ المسيرة من حيث «كان يجب أن تبدأ»!! وأورد فيما يلى بعض الأمور باعتبارها كبيرة التأثير على المستقبل الذى نصبو إليه: (1) إعلان دستورى أصدره المجلس الأعلى للقوات المسلحة بعد عدد من الإصدارات هو بمثابة دستور مؤقت!!، والواقع يشير صراحة إلى أن التوفيق خان المجلس الأعلى.. فجاء الإعلان وما صاحبه من مراسيم معدلة لبعض القوانين «المكملة» مخالفاً لكل القواعد الدستورية.. وبذا انفتح الباب على مصراعيه أمام جماعات بذاتها من منطلق دينى بحت.. لم تأخذه ثورة شباب 25 يناير فى حسبانها، خاصة أن رياح الثورة استهدفت بالدرجة الأولى إنهاء ديكتاتورية «الحزب الواحد»!! (2) انتخابات تشريعية تم منها انتخاب «مجلس شعب» عبر مراحل ثلاث، وبقيت مرحلتا انتخاب «مجلس شورى»!! وقد أسفرت انتخابات المجلس الأولى وفق الإعلانات الرسمية عن فوز ساحق للجماعات الدينية!! وعلى الرغم من أن هذه الانتخابات قد تمت فى غير موعدها المناسب، وعلى الرغم من أنها شهدت نسبة تصويت عالية نسبياً فقد شابها العديد من المخالفات التى كانت تستوجب المراجعة أو الإلغاء!! ومع كل وفى مواجهة الأمر الواقع فإن التجربة ستكون نافعة للمستقبل، خاصة أننا نتصور أن الدور الرئيسى لذلك المجلس سينحصر فى الرقابة على الحكومة. مع إمكانية التقدم بمقترحات محددة لإنعاش الجانبين الأمنى والاقتصادى.. إن كان لدى من يعنيهم الأمر.. خطط بذاتها فى هذا الشأن!! ذلك بشرط أن تختفى بعض الظواهر التى لمسناها نتيجة الانتخابات وفى مقدمتها: الاستكبار.. والتكفير.. واستبعاد الغير.. وكلها تمثل عودة مؤسفة إلى ماض.. كرهناه!! (3) حوار عنيف فى إطار من المعاندة والمزايدة الرخيصة.. حول «الدستور».. والجمعية التأسيسية المنوط بها وضع الدستور..!! الدستور هو المنوط به تحديد: أ شكل الحكم (الرأى الغالب أن الأنسب لنا هو الدولة الرياسية البرلمانية)، ب اختصاصات كل سلطة من سلطات الدولة!! ومن الواضح أن الذى «يحدد» لا يمكن أن يكون من صنع «المحدود»!! يا أولى الأمر.. لقد رجعتم فى كثير من الأمور.. وآن الأوان للرجوع فى هذا الأمر بالذات.. الآن.. وفوراً.. ودون تردد!! (4) حالة أمنية مؤسفة.. نعم تحسنت.. ولكنها لاتزال تحت مستوى المطلوب.. خاصة أن المحرضين مستمرون والمغرضين متمادون.. والمخربين مصرون!! وفى الداخل ومن الخارج!! الحسم يا أولى الحسم.. والحزم يا أولى الحزم.. ويا أولى السلطة.. إن الأمر يتطلب مواجهة أشد وأقوى.. سواء من حيث تسليح قوات الأمن.. أو من حيث تشديد العقوبات لتصبح مانعة.. وليس مجرد رادعة!! وعلى المتظلم من قطاع الطرق والبلطجية والمأجورين أن يلجأ إلى لطم الخدود.. والنواح على الأرزاق غير الحلال!! نريد أن نعيش فى «مصر الأمان».. حتى يمكن أن «نعيش»!! يا وزير الداخلية.. ندعو لك بالتوفيق الكامل فيما بدأته بجدية كاملة.. أدعو لك بالتوفيق والنجاح.. ويدعو لك معى كل مصرى مؤمن بمصر!! (5) انتكاسة اقتصادية.. نعانى منها جميعاً.. ولا مخرج منها إلا من خلال العمل الجاد المتواصل.. إلا من خلال عودة جادة إلى الإنتاج المتزايد الجيد والمنافس!! ليس لدينا ثراء الوفرة.. كالبترول.. ولا يمكن أن نعيش على خدمات أو خيرات بعض الجماعات والجمعيات.. إن المخرج الوحيد هو العمل.. ثم العمل.. ثم العمل!! أقول هذا فى جميع الأحوال، وحتى لو تحرك إخواننا «العرب» وهو أمر وصلت إلى اليأس الكامل منه وبالتالى لم ولن يبقى أمامنا سوى العمل والإنتاج!! (6) إعلام منفلت يطبل لذوى الأصوات العالية حتى لو كانوا على غير حق.. ويتحول إلى «بوق» لا يبحث عن التعايش فى الوطن الواحد.. وإنما يبحث عن «التفرقة» سياسياً ودينياً وفكرياً!! إعلام يصل بنا إلى تهلكة!! حدود صارمة.. يجب تحديدها.. ويجب أن نضع التعريف الصحيح «للحريات» و«لحقوق الإنسان».. فلا نتركها تتحول إلى «قمع» أو «تهديد» أو «تخوين» أو «ديكتاتورية» هل من الصعب فهم هذا الكلام يا وزير الإعلام؟! وانطلاقاً مما سبق وابتعاداً عن الجدل غير المجدى، نبدأ بإجراءات «التوافق المصرى» لتعود الأحوال إلى نصابها الصحيح!! أعلم مقدماً أن ما سأعرضه أو بعضه على الأقل سيغضب بعض الأطراف.. إلا أننى على يقين بأنه سيفرح أغلبية أى 85 مليون مصرى!! إن الإجراءات التى أتقدم باقتراحها لن تتعدى أسابيع معدودة.. إن لم يكن مجرد أيام.. ما دامت النوايا خالصة. (1) مراجعة الإعلان الدستورى الصادر عن المجلس الأعلى للقوات المسلحة ليستبعد «الطالح» ويؤكد «الصالح» من الأحكام اللازمة لإدارة شئون الدولة.. مع مراعاة المبادئ الستة التى أوردتها فى بداية هذا المقال!! (2) تعديل خريطة الطريق الحالية تصبح كالآتى: تشكيل جمعية تأسيسية تضم جميع الفئات: أساتذة وفقهاء القانون الدستورى والقضاء والقوات المسلحة والشرطة وعلماء الأزهر الشريف وعلماء الطوائف المسيحية وشباب الثورة والنقابات المهنية والنقابات الفنية ورجال الأعمال وجمعيات المستثمرين والغرف التجارية والإعلام والصحافة والمزارعين وعدد من رجال الفكر والثقافة، ولا مانع من أن تضم الجمعية 120 و125 عضواً. تعرض الجمعية التأسيسية على مجلس الشعب للموافقة عليها، وإذا كان هناك اعتراض على عضو أو أكثر فلابد من تحديد وجه الاعتراض لأسباب موثقة يتم تحقيقها قضائياً. يشترط فى أعضاء الجمعية التأسيسية: أ أداء يمين الولاء لمصر «حصرياً»، ب الابتعاد تماماً عن المناصب القيادية فى الأحزاب، ج عدم تولى أى منصب أو الترشح فى الانتخابات على مدى 3 سنوات فيما عدا منصبى رئاسة الجمهورية ورئاسة مجلس الوزراء. تقوم الجمعية خلال شهر واحد بوضع دستور يحدد شكل الدولة ويحدد كل من السلطات الرئاسية والتنفيذية والتشريعية والقضائية ويطرح فى استفتاء عام بعد 15 يوماً!! تلتزم الجمعية التأسيسية فى وضع الدستور بالمصادر الآتية: أ دساتير 1923، 1954، 1971، بعض الدول الأخرى، ب وثيقتى الأزهر الشريف، ج المبادئ الستة الواردة فى مقدمة هذا المقال!! بعد الموافقة على الدستور يتم انتخاب مجلس الشورى ثم رئيس الجمهورية.. أو يتم مجرد انتخاب رئيس الجمهورية.. ويتم رسمياً تسليم المسئولية إلى السلطة المدنية. ويؤدى ما سبق أن يعدل التاريخ المحدد حالياً من 1/7 إلى 1/9 عام 2012 أى شهرين، وهما ليسا بفترة طويلة لإعادة الثورة إلى الشباب من أصحابها، ونحن فى هذا نثق تماماً وبكل الثقة والحب فى المجلس الأعلى وقواتنا المسلحة، التى تحملت المسئولية فى أصعب الأوقات!! ولابد هنا تحقيقاً لتوافق وطنى حقيقى أن نطرح عدداً من الملفات فى صراحة ووضوح، بعيداً عن المناورات أو المؤامرات أو الادعاءات أو التهديدات.. والتزاماً ب«مصر» فقط لا غير: (1) الشعارات الثلاثة التى قامت من أجلها الثورة: الديمقراطية، الحرية، والعدالة الاجتماعية، تعنى أن الشباب أحسوا تماماً بأننا نفتقد هذه الأركان الثلاثة.. فلم يكن لدينا ديمقراطية تقوم على المشاركة بلا قيود.. وبلا تمييز، حيث تتعايش الأغلبية والأقليات، وحيث يشتركان فى البناء!! ولم يكن لدينا حريات مقننة.. بمعنى أن حدودها عدم المساس بحرية الآخرين، كما أنها لا تتخطى حدود القانون مع مراعاة أنها تضمن مشاركة الجميع دون تمييز من أى نوع!! ولم يكن لدينا عدالة اجتماعية أى أن النمو لم يكن يصاحبه توزيع عادل لعائد هذا النمو.. ومن هنا ازداد عدد الفقراء وانكمش حيز الطبقة المتوسطة!! (2) البناء الذى يجب أن يبدأ فوراً يتطلب أمناً وانضباطاً والتزاماً، وبالتالى ولمدة محددة، لابد من الامتناع عن التجمعات والوقفات الاحتجاجية والمطالبات الفئوية، إن نجاح الثورة يتطلب هذا.. إن البناء «معركة» ولا صوت يعلو على صوت المعركة!! (3) لن يتحقق «البناء الشامخ» لمصر الشامخة، إلا من خلال اقتصاد قوى وقادر لا يعتمد على موارد وفرة كالبترول وإنما يعتمد على الإنتاج، كماً وكيفاً وقدرة على التنافس محلياً وعالمياً أى أنه يعتمد على عملنا وجهدنا وتنوع مواردنا، أى أنه يعتمد على «حسن إدارة» الموارد و«عدالة توزيع» العائد!! مؤدى هذا أننا يجب أن نبدأ وفوراً فى تقوية قدراتنا الاقتصادية محلياً وأفريقياً وعالمياً، خاصة أن الزيادة السكانية ذات المعدل العالى قد تتحول إلى «نعمة» بدلاً من أن تكون «نقمة» إذا ما أحسنا إعدادها، خاصة أن أسواق العمل أمامنا مفتوحة سواء فى الدول العربية أو أفريقيا أو دول الاتحاد الأوروبى أو غيرها!! (4) علاقاتنا الخارجية يجب ألا يحكمها سوى «المصالح المتبادلة»، بعيداً عن العواطف والأحاسيس والشعارات!! لقد ضحينا بالرخيص وبالغالى من أجل الآخرين.. ولكن رد الفعل وصل إلينا فى صورة امتناع وشماتة وتحريض.. و.. و..!! لا أريد أن أستطرد ولكن أعود فأقول للدول العربية وفيرة البترول إن مصر هى ملاذكم الأول والأخير!! هل من المتصور أن يكون هناك اعتراض على «وفاق وطنى» يستند إلى «انتماء مصرى خالص» وإلى خطوات محددة تعود بالمصرى إلى مصر القوية الرائدة والشامخة؟! ومع كل فالمجال مفتوح للمناقشة ولكن من منطلق روح الثورة روح الشباب روح الكفاح المصرى!! وقولوا معى تحيا مصر.. وتحيا مصر.. وتحيا مصر!! وللحديث بقية ما دام فى العمر بقية. --------- بقلم - د. فؤاد إسكندر