ربما هى صدفة سعيدة.. وهى أن تأتى ذكرى عزيزة على نفوسنا، لتمحو ذكرى سيئة. فهى المرة الأولى التى تجتمع ذكريان متناقضتان فى يوم وحد.. النصر والهزيمة. ظاهرة ربما لا تتكرر إلا مرة واحدة كل خمسين عاماً أو أكثر.. ذكرى نصر العاشر من رمضان الموافق 6 أكتوبر 1973، وذكرى هزيمة 5 يونيه من عام 1967. صحيح أن الفرق بين النصر والهزيمة، لم يدم أكثر من 6 سنوات فقط، حتى انتفضت مصر شعباً وجيشاً، واستطاعت مصر أن تحول الهزيمة إلى نصر بعد أن عبرت قواتنا المسلحة الباسلة قناة السويس وحطمت خط بارليف المنيع، ولقنت الجيش الإسرائيلى هزيمة ساحقة، محت ذكرى يونيه 1967. لقد أراد الرئيس الراحل أنور السادات أن يجعل 5 يونيه يوم احتفال بل وعيداً أيضاً، فقرر إعادة فتح قناة السويس بعد 8 سنوات يوم 5 يونيه 1975 حيث ارتدى فى هذا اليوم الحلة العسكرية للقوات البحرية، وكان فى كامل سعادته وهو يعيد افتتاح قناة السويس للملاحة العالمية فى ذكرى نفس اليوم الذى تعرضت فيه مصر لأكبر هزيمة فى العصر الحديث، ولكن ارادة مصر وشعبها استطاعت محو عار الهزيمة بالنصر وإعادة افتتاح قناة السويس بل وإعادة إعمار مدن القناة الثلاث الاسماعيلية وبورسعيد والسويس فى زمن قياسى. ولعل المفارقة الغريبة فى هذا اليوم هى أن الأغنيات التى عبرت عن العزيمة والنصر والتحدى وإعادة افتتاح القناة سيستمع إليها اليوم المصريون فى وقت واحد فى شعور غريب لم يعتادوه من قبل. يستمع المصريون إلى الأغنيات التى واكبت النكسة وهى «عدى النهار للعندليب الراحل عبدالحليم حافظ تأليف الشاعر الراحل عبدالرحمن الأبنودى ألحان بليغ حمدى، تلك الأغنية أدمت قلوب المصريين بعد أيام من النكسة وعبرت بالفعل عن حالة الحزن، وأيضاً أغنيات فدائى، والبندقية اتكلمت، ويا أم الصابرين، وأحلف بسماها، والمسيح، قاهرتى، شارع الأمل». وكذلك يستمعون لأغانى العاشر من رمضان أغانى النصر». صباح الخير يا سينا، بسم الله، وأنا على الربابة، عبرنا الهزيمة، لفى البلاد يا حبيبة، الفجر لاح، صباح النصر، من باب الفتوح، بالأحضان يا سينا، بحبك يا مصر». يستمعون أيضاً للأغنيات التى عبرت عن فرحة المصريين بإعادة افتتاح قناة السويس «النجمة مالت على القمر، المركبة عدت حسب الميعاد، شال الحمام، عقبال الجاى يا أهالينا،عدينا يا ريس». ما أجمل التأمل فى التاريخ، وإعادة قراءة الأحداث بعد كل هذه السنوات من كان سبب الهزيمة، ولماذا حدثت رغم أن هذا قتل بحثاً ولكن بعد 50 سنة هل سيعيد قراءة التاريخ من جديد. ولتتأمل أيضاً كيف استطاع هذا الجيش العظيم أن يستجمع قواه ويحقق نصراً مبيناً بعد 6 سنوات فقط على نفس العدو.