فى جرأة الفلاح الفصيح، وقوة المحارب عن أرضه وقوته، وقف مئات من الفلاحين فى قرى المنوفية أمام مسئولى وزارة ومديرية الزراعة والاتحاد العام لمنتجى ومصدرى الحاصلات البستانية، لطرح مشاكلهم.. قاموا بفتح النيران على كل مسئول أهمل حل أزماتهم، وكل تاجر حاول استغلالهم. الفلاحون تحدثوا عن السوق السوداء وعمليات الاحتكار والتهميش التى يعانونها، وكشفوا عن ارتفاع أسعار التقاوى والسماد والمبيدات، وعدم وجود أسواق أمامهم لترويج منتجاتهم، وقد تكلموا عن فقدان الجمعيات التعاونية دورها وتحولها إلى هياكل بلا مضمون، وقالوا الحراك الايجابى وسياسة الباب المفتوح والانتقال إلى المزارع فى أرضه التى ينفذها الاتحاد الآن كجسر تواصل بين الوزارة والفلاحين بدأت تحقق أهدفها، ولكن المطلوب هو التوسع فى هذه الجهود لتوفير كل أنواع التقاوى لكل المحاصيل، حتى تنتهى مشاكلهم وتأمين وصول كل احتياجات الفلاحين لإنقاذهم وانقاذ الثروة الزراعية التى تعد المنقذ الحقيقى لمصر من أزمتها الاقتصادية الطاحنة. المنوفية هى واحدة من أهم محافظات مصر الأكثر انتاجًا للثروة الزراعية، وحصلت خلال العام الماضى على المركز الأول فى إنتاجية محصول الذرة الشامية، كما أنها توسعت فى زراعة القمح، والبرسيم، وبنجر السكر، والفول البلدى، وكذلك الكتان، وتعد من أولى المحافظات التى انتجت البطاطس فى مصر، ومن هذا المنطلق كان اهتمام الاتحاد العام لمنتجى ومصدرى الحاصلات الزراعية بالوجود فى المنوفية فى يوم اطلق عليه «يوم الحقل» لمتابعة المحاصيل الزراعية وجهود المزارعين فى انتاج أنواع جديدة من البطاطس الصالحة للتصدير بقوة، والدخول فى خط المواجهة إلى جانب المزارعين لمحاربة السوق السوداء واحتكار التجار، وكانت المواجهة ساخنة جدًا بين مسئولى الاتحاد وعلى رأسهم الدكتور أشرف محمد على الشرقاوى مدير الاتحاد فى حضور وكيل وزارة الزراعة أحمد عبدالله مدير مديرية الزراعة بالمحافظة، وصابر عبدالقوى عضو مجلس النواب عن دائرة أشمون ولفيف من الخبراء بالوزارة، حيث فتح الفلاحون النيران على كل شىء، وكانت المواجهة فى عدد من قرى البرانية بمركز اشمون. قال المزارع على عبدالرحمن الكوفى ويمتلك ثلاثة أفدنة يزرعها ذرة وبرسيمًا وأرزًا، انه يعانى وزملاؤه الفلاحون من ارتفاع تكلفة التقاوى والمبيدات والسماد حتى صارت معظم الزراعات غير مجدية. وأشار إلى أن اتحاد المنتجين والمصدرين للحاصلات البستانية أنقذهم هذا العام بإدخال تقاوى جديدة للبطاطس، وامدادهم بالإرشادات الزراعية التى ادت إلى ارتفاع انتاجيتهم، ما أدى إلى هروب الفلاحين إلى زراعة البطاطس لثقتهم فى التقاوى المقدمة إليهم، ولكن على الاتحاد التوسع لامدادهم بتقاوى جيدة لباقى المحاصيل لتنويع الانتاجية فى المواسم التالية لأنه اصبح مصدر ثقة بالنسبة لهم، وذلك للحفاظ على التربة وتنويع الانتاج. جشع التجار قال المزارع الحسينى أبوقمر: نعانى مشكلة التسويق.. صحيح أنه رغم أن محصول البطاطس كان مجزيًا هذا العام بفضل جهود الاتحاد فزاد من 20 إلى 50%، خاصة أن هناك أنواعًا انتجت بقوة عالية منها سفارى، سيفرا سيلفانا، باناميرا، فريدة، إلا أن الوزارة تركتنا لجشع كبار التجار، المزارع يشقى طيلة العام، وينال من المكسب القليل، ويربح التجار الكبار من الحيتان الملايين من ورائنا، فيما نعانى نحن ارتفاع أسعار التقاوى فى السوق السوداء، وارتفاع أسعار المبيدات والأسمدة، والآن يبذل الاتحاد جهوده لإرسال موظفين ومرشدين للإشراف علينا وافادتنا بالمعلومات التى تحسن الانتاجية وتحمى المحصول من الأمراض، وهو دور كانت تقوم به الجمعيات التعاونية التى بات دورها غائبا واصبحت هياكل بلا أى مضمون. ويقول المزارع محمد بكر عبدالحليم إن الجمعيات التعاونية اقتصر دورها فى المنوفية على تقديم شيكارتى تقاوى لكل فدان، وهذا غير كاف لأن الفدان يحتاج إلى 20 شيكارة على الأقل، والاتحاد أصبح لنا كطوق نجاة لتوفير باقى ما نحتاج إليه من تقاوى، خاصة البطاطس الآن، ونحن نلجأ إلى المستورد لأننا خضنا تجربة تخليق تقاوى مصرية عام 90، وفشلنا وخسرنا الملايين من الجنيهات فى هذا العام، لذلك نأمل أن يتوصل الخبراء فى المستقبل إلى تقاو مصرية صالحة. ويقول المزارع حسن عبدالمحسن إن الاعتماد على الاتحاد وحده فى الوقوف بجانب المزارعين نوع من الظلم، فعلى كل هيئات وزارة الزراعة أن تقوم بدورها، ويجب إعادة دور الجمعيات التعاونية لإنقاذنا من تجار السوق السوداء لأننا لجأنا خلال العام الماضى إلى شراء التقاوى من تجار السوق السوداء بشكل حر، وللأسف كانت مريضة بالسرطان وخسرنا 75% من المحصول، لذلك على الاتحاد أن يتولى تقديم كل التقاوى والبذور المطلوبة لنا لأنه يتابع معنا المحصول منذ الزراعة حتى الحصاد، وأى تقاو لا تأتى ثمارها المطلوبة، عليه أن يتعهد بتعويضنا عنها، رغم أن هذا لم يحدث حتى الآن فكل التقاوى جيدة، لذا تخلت الجمعيات التعاوينة عن دورها والقت بالعبء على الاتحاد. ويقول المزارع محمد كامل إن التجار من حيتان السوق «واكلينها والعة» حسب تعبيره، ويضيف: يشترون المحصول منا بأسعار رخيصة ولا نكسب إلا القليل، ويبيعونها بالملايين، لذا نطالب بإشراف الدولة على عمليات البيع والتسويق، وان يقوم الاتحاد العام لمنتجى ومصدرى المحاصيل البستانية بدوره فى مجال التسويق سواء المحلى أو الخارجى، ويؤكد: المزارعون الصغار هم المطحونون، لأن المساحات الكبيرة يمكن زراعتها بمحصول واحد بكثافة، فيكون منتجا ويعوض صاحبه عن أى خسارة على نقيض المساحات الصغيرة. ويطالب المزارع محمد بكر عبدالحليم بإقامة مصنع للبطاطس والشيبسى فى المنوفية، حتى يتم تعامل الفلاحين مع هذه المصانع مباشرة ببيع منتجاتهم دون اللجوء للوسطاء الذين يأكلون «جهد وعرق» الفلاحين، ويثرون على حسابهم، ويشير إلى أن الاتحاد نجح فى اقناع مزارعى البطاطس بالتوقف عن استخدام بودرة «كوندست» التى كانت تسبب الأمراض للمستهلكين وتؤدى إلى افساد طعم البطاطس، والاستعاضة الآن عنها بالثلاجات لحفظ البطاطس، كما يبيع الاتحاد التقاوى لنا بالأجل أى الاقساط، وهذا يخفف عن كاهل المزارعين، ولكن تبقى أمامنا مشكلة ارتفاع أسعار النقل والتعبئة، لذا نطالب برقابة حكومية قوية لإنقاذنا من المغالاة فى هذه التكلفة. الدكتور اللواء اشرف محمد الشرقاوى مدير الاتحاد العام لمنتجى ومصدرى المحاصيل البستانية استمع إلى كل صرخات وشكاوى الفلاحين وهو بينهم على أرضهم، ورد على تساؤلاتهم، وأكد أن الاتحاد أخذ على عاتقه الوقوف فى صف الفلاحين البسطاء لمحاربة تجار السوق السوداء ورفع انتاجية أراضيهم، وانقاذهم من الفقر، واقناعهم بالبقاء فى أراضيهم لأجل انفسهم ولأجل مصر، وتطوير الحاصلات بصورة علمية، وزيادة مساحة الأراضى، وتنمية حصيلة صادرات الدولة وزيادة دخل المنتج الزراعى بالعمل على زيادة انتاجية المساحة الزراعية، وان هذا اليوم الحقلى يهدف إلى النزول للفلاحين والتعرف بصورة مباشرة على مشاكلهم واتخاذ اللازم لحلها، وان الاتحاد يجرى دراسات سنوية للأسواق الخارجية واحتياجاتها من أجل المنتج المصرى، كما يعد مركزًا لتجميع الحاصلات وتجهيزها بالمعدات اللازمة، والاشتراك بالمنتجات المصرية فى المؤتمرات والمعارض بالخارج وامداد الفلاحين من اعضاء الاتحاد بمهمات ومعدات الانتاج اللازمة سواء بتوفيرها محليا أو باستيرادها. لقمة سائغة أكد أحمد عبدالله مصطفى وكيل الوزارة ومدير مديرية الزراعة بالمنوفية للفلاحين انه يدرك مشاكلهم المتراكمة، وقال إنه حين تولى مهامه بالمحافظة قبل ثلاثة أشهر، ادرك المشاكل المتراكمة التى يعانيها الفلاحون، والمشاكل التى تعانيها الجمعيات التعاونية الزراعية، وان بعضها كان مجرد هياكل، فأخذ على الفور عدة قرارات بإعادة هيكلة هذه الجمعيات وعددها 320 جمعية لتعود إلى دورها الحقيقى فى دعم ومساندة الفلاحين، وان هذا سيتم بسرعة ولكن ليس بين عشية وضحاها، وأكد أن الزراعات لن تعود إلى قوتها إلا إذا عادت الجمعيات التعاونية إلى دورها الحقيقى فى توفير التقاوى الكافية والأسمدة والمبيدات اللازمة، وان مصر لن تخرج من عنق الزجاجة الاقتصادية وتتعافى من أزمتها الطاحنة إلا إذا عاد الفلاح إلى مكانته، وخرج من دائرة الفقر، وشدد على أنه يتبع سياسة الباب المفتوح، وان أى فلاح لديه مشكلة مع الجمعيات التعاونية أو مع المرشدين أو أى مشكلة أخرى عليه أن يأتى له مباشرة. وقال خبير الزراعة الهولندى رايان ستيكلنبرخ الذى شارك فى فعاليات اليوم الحقلى بدعوة من الاتحاد، إن الفلاح المصرى ذكى ومجتهد ويعمل فى ظروف صعبه وبامكانيات وآليات ضعيفة تختلف كثيرًا عن المتاحة فى الدول الأوروبية، وان الفلاحين يحتاجون فقط إلى من يرشدهم ويمدهم بالمعلومات والخبرات العلمية لحماية المحصول وتعظيم انتاجيته، ولفت إلى وجود دور هولندى من خلال شركات التقاوى فى تحسين المحاصيل المصرية خاصة فى مجال البطاطس. وأكد الخبير الزراعى المهندس محمد نبيل مدير الانتاج بإحدى شركات التقاوى الهولندية، أن توفير التقاوى يجب أن يواكبه متابعة ورقابة وارشادات، وهذا ما يقوم به الاتحاد بصورة مكثفة، وهذا ما منح المزارعين ثقة فى كل ما يقدمه الاتحاد من تعاون مع الفلاحين. وأكد صابر عبدالقوى عضو مجلس النواب عن دائرة أشمون الذى شارك فى فعاليات اليوم الحقلى، أن الفلاحين فى مصر يجب عدم تركهم لقمة سائغة فى فم حيتان السوق السوداء والتجار الجشعين، بل يجب أن تكون هناك رقابة وحماية خاصة لصغار الفلاحين، وان وضع الجمعيات التعاونية لا يرضى أحدًا الآن فى المنوفية ولا فى غيرها، وعلى الجمعيات أن تسترد دورها ليس فى توفير كميات التقاوى والبذور بل الأسمدة والمبيدات، وان يكون بها اخصائى لكل محصول يفيد المزارعين بالإرشادات والخبرة.