منذ العهد الناصري، يكاد الأمين العام السابق لجامعه الدول العربية عمرو موسى أن يكون الوحيد من بين المسؤولين المصريين الذين تغنى الناس باسمه في أغنية شعبية، وربما تكون الأغنية السببَ في إبعاده عن موقعه كوزير للخارجية. مثَّل إعلان عمرو موسى ترشحَه للمنافسة على مقعد رئاسة الجمهورية نقلة نوعية، فالرجل ذو الشخصية الأنيقة، والذي ظل يتنقل بين الأروقة الديبلوماسية، اختار أن يخلع معطفه الديبلوماسي لينزل إلى الشارع وينخرط في هموم الجماهير ومشاكلهم، وإذا كان من ضمن مهمات رئيس الجمهورية تمتين علاقات بلاده بدول الخارج ومقابلة زعماء العالم، وهي مهمة ليست بجديدة على عمرو موسى، فهل ينجح الرجل في خلع بذلة الديبلوماسي وارتداء الجلباب الشعبي؟ ولد عمرو موسى في 1936، وتخرج في كليه الحقوق، وحدَّد منذ بدايته وجهته الديبلوماسية، عمل في العام 1958 ملحقاً في وزارة الخارجية المصرية، وبعدها عمل في العديد من الإدارات والبعثات، ومنها البعثة المصرية لدى الأممالمتحدة، ثم عين مستشاراً لدى وزير الخارجية المصري في العام 1974، قبل أن ينتقل إلى إدارة الهيئات الدولية في وزارة الخارجية المصرية، ثم عمل مندوباً مناوباً لمصر لدى الأممالمتحدة في نيويورك، لينتقل بعدها إلى منصب سفير مصر في الهند، ثم مندوباً دائماً لمصر لدى الأممالمتحدة في نيويورك. شغل عمرو موسى منصب وزير خارجية مصر عشر سنوات متتالية، ما بين عامي 1991 و2001 قبل أن ينتقل مباشرة إلى الجامعة العربية. حصل موسى على العديد من الأوسمة والجوائز، في مقدمها «وشاح النيل» من مصر في أيار (مايو) 2001، ووشاح النيلين من جمهورية السودان في حزيران (يونيو) 2001، كما حصل على أوسمة عدة رفيعة المستوى من الإكوادور والبرازيل والأرجنتين وألمانيا. كل من يعرفه مِن قُرب، أو عمل معه يؤكد أنه يتميز ب «الإتقان وحضور الذهن، والديناميكية المستمرة»، يمتلك هذا الديبلوماسي المحنك، الذي لا تنقصه روح الدعابة، دراية واسعة بالملفات العربية والدولية، و «كفاءة» حتى أعداؤه يعترفون له بها، متوسط الطول، وحريص دوماً على أناقته. بدا تركه موقعه على رأس الديبلوماسية المصرية آنذاك كمحاولة لإزاحته -بعد تزايد شعبيته- عن الحياة السياسية في مصر، عزز هذا الانطباع أن إبعاده عن الخارجية تزامن مع ظهور أغنية المغني الشعبي المصري شعبان عبد الرحيم الشهيرة «أنا بكره إسرائيل وبحب عمرو موسى» التي ذاعت على ألسنة المصريين بعد بضعة شهور من اندلاع انتفاضة الأقصى في العام 2000، والتي كانت بمثابة استفتاء على حجم شعبية موسى في الشارع المصري. وكان موسى شن بعد توليه وزارة الخارجية المصرية حملة لقيت صدى كبيراً في الشارع العربي ضد البرنامج النووي الإسرائيلي لمناسبة تمديد معاهدة حظر الانتشار النووي في العام 1992، كما زاد الإعجاب الشعبي بعمرو موسى بعد رفضه العلني والقوي إدماج إسرائيل اقتصادياً في الشرق الأوسط. وجاءت انتقادات موسى ل «هرولة» بعض الدول العربية نحو تطبيع العلاقات مع إسرائيل والتراشق اللفظي المتكرر بينه وبين المسؤولين الإسرائيليين أمام عدسات الكاميرات، لتؤكد الصورة التي انطبعت عنه باعتباره «الرجل الذي يستطيع أن يقول «لا» لإسرائيل». لم يفوت موسى فرصة لتعزيز شعبيته، فخلال الجلسة الافتتاحية للقمة الاقتصادية العربية التي عقدت في شرم الشيخ في 19 كانون الثاني (يناير) العام الماضي، أي قبل أقل من أسبوع من اندلاع الانتفاضة الشعبية المصرية، حرص على إعلان تعاطفه مع مطالب الشعوب العربية، وقدم أمام القادة العرب ما يشبه النقد الذاتي للنظام العربي الرسمي قائلاً: إن «المواطن العربي في حالة غضب وإحباط غير مسبوقة»، مضيفاً أن «ما يحدث في تونس من ثورة ليس أمراً بعيداً من موضوع هذه القمة، أي التنمية الاقتصادية والاجتماعية ودرجة توازنها وتصاعدها وشموليتها وحسن توزيعها». يذكر أن عمرو موسى متزوج وله ابن وابنة متزوجة من حفيد للرئيس المصري الراحل جمال عبد الناصر. ورغم مظهره الأنيق وتاريخه في العمل الديبلوماسي، فإن القريبين منه يعرفون عنه بساطته وولعه بالأجواء الشعبية وصلاته بالناس في الأحياء الفقيرة ودماثة خلقه حين يلتقي البسطاء في الشارع، لكن حدة لهجة بعض القوى الثورية تجاه كل من عمل ضمن نظام مبارك طالت موسى، غير أن قطاعات شعبية تراهن على أن نزعته التحررية واحتفاظه بمكانته رغم غضب مبارك من شعبيته يصب في مصلحة الديبلوماسي الأنيق... والبسيط. نقلا عن صحيفة الحياة