«البلدوزر» يزيل بيوت الغلابة.. وعمدة بريك: الحكومة شيلت الناس الطين الأهالى: حصلنا على عقود تمليك وعدادات كهرباء ومياه.. فلماذا الطرد؟ كارثة تحاصر 50 ألف أسرة فى قرية بريك بمركز منوف فى محافظة المنوفية، بعد قرار وزارة الرى بإزالة مبانيهم بحجة أنها مخالفة. «الوفد» انتقلت إلى ضحايا القرار فأكدوا أنهم قاموا ببنائها ثم تملكوها منذ سنوات طويلة، والبعض منهم استأجروا مساحات منها، مقابل دفع مبالغ مالية سواء بشكل شهرى أو سنوى، وبات مستقبلهم ومستقبل أبنائهم مهدداً بالضياع. مسافة طويلة قطعناها وسط طرق منهارة تملأها الأتربة، تأخذك لمنازل ريفية بسيطة يقطنها المئات من الفلاحين البسطاء لا يحلمون إلا بحياة هادئة مستقرة وتوفير لقمة عيش لأبنائهم، مع صباح كل يوم تجهز الزوجة فى عجالة وجبة الإفطار لزوجها والأبناء ليخرجوا بعد ذلك مسرعين إلى الحقول تلفح وجوههم أشعة الشمس الحارقة التى تلازمهم طيلة عملهم. هؤلاء الغلابة كانوا يعيشون حياتهم بطريقة طبيعية حتى فوجئوا بقوة من الداخلية تتكون من سيارتين أمن مركزى ومدرعة تابعة لشبين الكوم، تحاصره وتريد هدم منازلهم، بحجة إزالة التجاوزات على النيل بدون أرقام الإزالة بحسب ما أكده الأهالى.. سألوا متى وأين صدر هذا القرار فلم يجدوا أى إجابة شافية، سوى أنهم ينفذون التعليمات. حالة من الفزع والرعب أصابت النساء والأطفال وهم يرون البلدوزرقادمًا على بيوتهم لتسويتها. محمد بريك، عمدة القرية، قال إن بداية الأزمة تعود منذ أن فوجئوا بقرار إزالة المبانى المخالفة على ضفاف النيل، مشيراً إلى أنه لا يعارض إزالة المبانى المخالفة على ضفاف النيل، ولكن القرار شمل المنازل المملوكة ملكية خاصة للمواطنين وغيرهم من المستأجرين، والذى لديهم أوراق خاصة تثبت امتلاكهم لعدادات المياه والكهرباء. وتابع: «أنا لما شوفت منظر الحكومة وهيه جاية تهدم بيوت الغلابة تصديت ليهم وعرفت أن دى أملاكهم ولديهم عقود بذلك، وطلبوا أن نعمل ما يسمى بفصل حد، لإيضاح حقوق الدولة والمواطن فى مساحات الأراضى»، مشيراً إلى أنه قام بتنفيذ هذه الإجراءات بالفعل، وقال: «رسوم الطلب الواحد لتنفيذ فصل الحد تكلف 3619 جنيهاً، طيب الغلابة دول يجيبوا منين المبالغ دى كلها وهم على قد حالهم». واستطرد: «لا فيه تعويضات ولا مساكن تانية عرضتها الحكومة على المواطنين، ولا إحنا عاوزين ده، يا بيه الأرض كالعرض، واستحالة حد يفرط فى شرفه وعرضه». «الدولة شيلت الأهالى الطين».. بهذه العبارة تهكم عمدة «بريك» على الحكومة برغبتها فى تغريم المواطنين فوق طاقتهم، فبعد بناء المنازل وحصولهم على تراخيص مياه وكهرباء، ودفعوا مبالغ طائلة للحصول على هذه التصريحات، فضلاً عن تكليفات بناء المنزل جاءت الحكومة لتريد هدم المنازل. «معندناش عضو مجلس نواب يقدر يعمل حاجة فى البلد دى».. هكذا كان رد عمدة «بريك» على تساؤل «الوفد» عما إذا تصدى نبيل هاشم، عضو مجلس النواب عما يتعرض له الأهالى من ظلم، وقال: «النائب سعى كثيراً مع المحافظ ومدير الأمن والجهات التنفيذية، والتقى الأهالى بس مافيش نتيجة». غباشى عبدالحميد غباشى، من ضمن المتضررين، قال: «ذهبت للمحافظ وعملنا اجتماع، وناقشنا مشاكلنا فى حضور عضو مجلس النواب، وقال المحافظ أى بيت ساكن مش هيتزال وبرغم كده مفيش يومين ولقينا قوات الأمن عندنا بتزيل البيوت». مشهد رهيب وصفه صاحب الأربعين عاماً، لقوات الأمن أثناء محاولتهم إزالة المنازل، وقال: «الناس قاعدة فى بيوتهم ومرة واحدة لقينا قوات الأمن محاصرين المنازل وسمعنا صافرات السيارات وخرجنا لنجد عدداً كبيراً من قوات الأمن المركزى، تريد ضرب الأهالى المعارضين». وتابع: «الستات خرجوا وصرخوا من الخوف علينا، لأننا قلنا للأمن لو أحد اقترب من البيت هنرمى أنفسنا تحت العجلات، ولما قوات الأمن لقوا الأهالى يد واحدة سكتوا وانسحبوا. وحصلت «الوفد» على عدد من عقود التمليك، أحدها لشخص يدعى أحمد دياب عبد المجيد، والذى قال إنه تملك المنزل منذ 2007، وحصل على موافقة من المحليات على ترخيص دخول المياه والكهرباء للمنزل، ومع مرور السنوات فوجئ بقوات الأمن بمحاولة هدم منزله. وتابع: «أنا زى غيرى من الأهالى.. مهدد بالتشرد وضياع مستقبل أولادى، دلوقتى لو بيتى اتهدم هروح فين وهعيش أنا وولادى إزاى». وقال شعبان عبدالرازق شحاتة: إنه تملك منزله من عام 1982، وحصل على موافقة الحكومة بدخول المياه والكهرباء، مشيراً إلى أن قرار الإزالة سيحطم مستقبل ما لا يقل عن 50 ألف أسرة تحرر ضدهم محاضر إزالة. وتابع: «عيالو هيتشردوا ومستقبلى هيضيع، ومش عارف أعمل إيه، طيب لما الحكومة عاوزة تشيل المبانى دلوقتى ليه من الأول إدونى تراخيص المياه والنور لينا». كما قال عبدالهادى عبدالسلام، أحد الأهالى المتضررين: إنه استأجر منزله القديم فيه منذ عام 1988، ومنها عاش حياته بشكل طبيعى، حتى أنه علم بقرار وزارة الرى بإزالة المبانى المخالفة على النيل. «البيوت المخالفة تتشال، واللى بانى فى مجرى النيل ده مجرم».. يؤكد «عبدالسلام» أنه ليس ضد تطبيق القانون، ولكن مع مراعاة روح القانون، مشيراً إلى أن 90٪ من المواطنين الصادر ضدهم قرار بالإزالة غير مخالفين. وتواصلت «الوفد» مع نبيل شاهين، عضو مجلس النواب، فأكد أنه تواصل مع جميع الجهات التنفيذية لحل أزمة الأهالى والتوصل لحل يرضى جميع الأطراف، مشيراً إلى أن الأزمة الحالية سببها الطرفان، سواء الأهالى لبنائهم منازل على أراضى تابعة للرى، والحكومة فى إعطائهم التراخيص لتملك الأرض وبناء منازل عليها ومنحهم الحق فى توصيل المياه والكهرباء وبها أصبحوا أصحاب الأرض. وأضاف عضو مجلس النواب ل«الوفد» أن عرض النيل كان منذ 40 عاماً لا يقل عن 4 كيلو، وبعد سنوات تحولت هذه المساحات لمنازل ومدارس، حتى أصبح عرض النهر لا يتجاوز ال50 متراً، وهذا ما تسبب فى تضخيم أزمة النيل وصدور قرار بالإزالة، مشيراً إلى أن المسئولية الكبرى تقع على كاهل المحليات فى المحافظة، والجهة التى أصدرت قرارات بتمليك الأهالى الأرض بجوار النيل، فمن غير المنطقى أن تأتى الحكومة فجأة وتطرد وتزيل 50 ألف أسرة من بيوتهم. وأكد النائب أن قرار الإزالة ما زال تحت الدراسة، فضلاً عن محاولاته لوقفها، وقال: «القرار مش هيتنفذ بإذن الله والحكومة متعاونة، ماعدا وزارة الرى».