اشتعل غضب القضاة احتجاجًا على إقرار مجلس الشعب لتعديل المادة 44 من قانون السلطة القضائية، والخاصة بطريقة اختيار رؤساء الهيئات القضائية رغم رفضهم لها وتمسكهم بمبدأ الأقدمية. اعتبر القضاة إقرار التعديلات أمرًا مريبًا واعتداء على السلطة القضائية، وطالب مجلس إدارة نادى القضاء خلال اجتماعه أول من أمس رئيس الجمهورية بعدم التصديق على القانون. وهدد مجلس نادى القضاة بتقديم استقالته احتجاجًا على القانون معتبرًا أن جميع الخيارات مطروحة للتنفيذ بما فيها تعليق العمل بالمحاكم، وطالب مجلس القضاء الأعلى بإثبات اعتراضه على القانون فى محاضر الجلسات. كما قرر عقد جمعية عمومية طارئة لمحكمة النقض الثلاثاء المقبل وأخرى طارئة للقضاة فى 5 مايو المقبل. جاء ذلك فى الوقت الذى أعلن فيه عدد من نواب البرلمان مساندتهم للقضاة بشكل كامل ضد ما اعتبروه هجمة على استقلال القضاء وتعديًا دستوريًا. وطالب نادى القضاة فى بيان صدر عنه أول من أمس القضاة بإرسال رسائل احتجاج لصالح صندوق تحيا مصر، ليعرفوا أن اعتراضهم على القانون لصالح الشعب المصرى. وأضاف نادى القضاة، فى البيان الصادر «فوجئنا بقيام مجلس النواب بإقرار مشروع قانون السلطة القضائية رغم عدم دستوريته، ورفضه من مجلس القضاء الأعلى، والهيئات القضائية، واعتراض نادى القضاة عليه، واتخاذه الإجراءات حيال عدم تمريره». وتابع أن «البرلمان ضرب عرض الحائط بأحكام الدستور الصريحة الداعمة لاستقلال القضاء، وملاحظات مجلس الدولة المنوط به مراجعة القوانين قبل إقرارها من البرلمان». وأضاف البيان «ان القانون قد عرض بصورة تثير الريبة والشك فى النفوس لعدم اتباع الإجراءات طبقًا للائحة مجلس النواب، خاصة أنه لم يدرج فى جدول أعمال اليوم، ولم يتم التصويت عليه إلكترونيًا، أو نداء بالاسم للتأكد من موافقة ثلثى أعضاء مجلس النواب عليه، خاصة أنه قد انسحب عدد كبير من النواب من الجلسة اعتراضًا على القانون الذى يمس استقلال القضاء». وأضاف البيان «ان مجلس النواب إذا استقوى بسلطته التشريعية، وخالف أحكام الدستور، فأنه فاته أن القضاء يستطيع صون محرابه من خلال جمعيته العمومية لمحكمة النقض، وذلك بسلب اختصاص من اختير عنوة دون رغبتها، وتفويض من تشاء من أعضائها لإدارة أعمال المحكمة إعلاءً للدستور، واستقلال القضاء...وأخيراً سيذكر التاريخ أن البرلمان المصرى شرع قانونًا هدم به استقلال القضاء الذى هو ملك للشعب، وعصف بأحكام الدستور من أجل أشخاص بقوا ما بقوا زائلين، وستظل النصوص باقية». وأوضح المستشار محمد عبدالمحسن منصور رئيس نادى القصاة العام أن ما تضمنه بيان نادى القضاة، من مطالبة لأعضائه بإرسال رسائل احتجاجية لصندوق تحيا مصر قصدنا به الرسائل النصية التى يرسلها المواطنون للتبرع عبر الهاتف المحمول بتكلفة 5 جنيهات وأن يكتب القاضى كلمة أحتج بدلًا من إرسال رسالة فارغة. وأشار رئيس نادى القضاة أن هذه الطريقة احتجاج رمزى للتأكيد على أننا ندعم مصر، وأن مطالبتنا بالحفاظ على استقلال القضاء من أجل المواطن المصرى. وأشار عبدالمحسن إلى أن تمرير قانون السلطة القضائية باستعجال، أمر مسىء للغاية، وان موافقة البرلمان بشكل نهائى على القانون، يعد انتهاكًا واضحًا ضد القضاء وأمر لا يليق. وقال عبدالمحسن نطالب الرئيس عبدالفتاح السيسى بعدم التصديق على قانون السلطة القضائية، ورفضه لأنه سيئ السمعة، ومخالف للدستور. ونطالب مجلس القضاء الأعلى بإثبات اعتراضه على القانون فى محاضر الجلسات. وأكد رئيس نادى القضاة أن مجلس إدارة النادى قرر طرح الاستقالة على الجمعية العمومية المقرر لها الجمعة 5 مايو المقبل. وأضاف مصدر قضائى أن ما أثير عن تعليق العمل بالمحاكم قرار لم يتخذ بعد وأن هذا القرار يجب أن يكون بموافقة الجمعية العمومية للقضاة المقرر لها الجمعة المقبل، مشيرا إلى أن الخيارات مفتوحة ومطروحة أمام القضاة للدفاع عن استقلال السلطة القضائية ومحراب العدالة. يذكر أن المجالس العليا للهيئات القضائية رفضت، للمرة الثانية بالإجماع الأسبوع الماضى مشروع التعديلات المقترحة على قانون السلطة القضائية، الخاص باختيار رؤساء الهيئات القضائية وخاطبت مجلس النواب برفضها، إعمالًا للمادة 185 من الدستور التى توجب أخذ رأى الهيئات القضائية فى مشروعات القوانين الخاصة بها. وشددت على تمسكها بمبدأ الأقدمية فى اختيار رؤسائها. يشار إلى أن التعديلات المقترحة التى وافق عليها مجلس النواب فى جلسة 27 من مارس الماضى وفى جلسته العامة الأربعاء الماضى والمقدم من النائب أحمد حلمى الشريف، وكيل اللجنة التشريعية تضمنت تعديل المواد «44، و83، و35، و16» من قوانين «السلطة القضائية»، و«مجلس الدولة» و«هيئة النيابة الإدارية» و«هيئة قضايا الدولة» وهى، أن يعين رئيس الهيئة بقرار من رئيس الجمهورية من بين ثلاثة من نوابه، يرشحهم المجلس الأعلى للهيئة أو الجمعية العمومية من بين أقدم سبعة نواب لرئيس الهيئة، وذلك لمدة 4 سنوات أو المدة الباقية، حتى بلوغه سن التقاعد أيهما أقرب ومرة واحدة طوال مدة عمله. واشترطت التعديلات وجوب إبلاغ رئيس الجمهورية بأسماء المرشحين قبل نهاية مدة رئيس الهيئة بستين يوماً على الأقل، وفى حالة عدم تسمية المرشحين قبل انتهاء الأجل المذكور فى الفقرة السابقة، أو ترشيح عدد يقل عن ثلاثة، أو ترشيح من لا تنطبق عليه الضوابط المذكورة فى الفقرة الأولى يعين رئيس الجمهورية، رئيسَ الهيئة من بين أقدم سبعة من نواب رئيس الهيئة. وقال المستشار عادل الشوربجى، النائب الأول لرئيس محكمة النقض، وعضو مجلس القضاء الأعلى إن الرئيس عبدالفتاح السيسى أمامه الصورة كاملة فيما يخص قانون اختيار رؤساء الهيئات القضائية وهو اقدر على اتخاذ القرار فيما يخص القانون. وأكد الشوربجى فى تصريح خاص ل«الوفد» أن مناقشة موافقة البرلمان على قانون الهيئات القضائية رغم رفض القضاة لهم لم تدرج حتى الآن فى جدول أعمال مجلس القضاء الأعلى المقرر لها الأحد القادم بدلا من السبت بسبب زيارة بابا الفاتيكان. وأشار الشوربجى إلى أن القضاة ليس أمامهم سوى ترقب موقف رئيس الجمهورية من تعديلات قوانين اختيار رؤساء الهيئات القضائية، وأن الرئيس وحده يملك عدم التصديق على القانون وتجميده أو إعادته لمجلس النواب، أو التصديق عليه وتمريره، وفى جميع الحالات لن يكون أمام القضاة سوى الالتزام بالقانون ما دام قائمًا. وكان المستشار الدكتور محمد عبدالوهاب خفاجى نائب رئيس مجلس الدولة قد توقع منذ ثلاثة أسابيع قيام مجلس النواب بإقرار قانون تعيين رؤساء الجهات والهيئات القضائية، وقدم فى تسجيل صوتى منذ 3 اسابيع فى مقدمة البحث الذى أعده عن طريقة اختيار رؤساء الجهات والهيئات القضائية فى الميزان الدستورى، لمجلس النواب درساً فى تشخيص حالة عدوان مجلس النواب على السلطة القضائية ومساسه باستقلالها بما ينال حق يحيى دكرورى فى رئاسة مجلس الدولة وفقاً لمعيار الاقدمية، عن طريق ما اسماه قانون يحيى دكرورى. وقال المستشار خفاجى إن مصر من أوائل دول العالم فى النظام البرلمانى سواء فى صورته التقليدية أو عن طريق المجالس النيابية، وهذه المجالس تختص بأن تحد من سلطة الحاكم ضد المحكوم، ورعاية مصالح الشعب وبذلك تكتسب هذه المجالس هيبتها وقدسيتها فى اداء رسالتها السامية. وأضاف لأول مرة فى تاريخ البرلمانات العالمية يتطوع المجلس النيابى ويعطى رئيس الجمهورية تفويضاً لم يطلبه، ومشروع هذا القانون يعد بهذه المثابة امتهانًا للبرلمان وضياعًا لهيبته وقدسيته وسقطة لن يغفرها له التاريخ. وتابع المستشار خفاجى نائب رئيس مجلس الدولة بأن حق الرئيس فى الاعتراض على القانون يكون لإحداث التعادل والتوازن فى النظام السياسى للدولة القائم على الفصل بين السلطات وحمايته من الانهيار. واشار المستشار الدكتور محمد خفاجى إلى أنه يترتب على استخدام الرئيس لحقه الدستورى فى الاعتراض أن القانون محل الاعتراض لا يكتسب صفة التشريع بل يظل محض اجراءات تمهيدية ليس لها طبيعة العمل التشريعى باعتبارها لا تؤدى مباشرة إلى خلق القانون، وتخلو من كل قيمة ملزمة، إلا إذا وافق عليه البرلمان بأغلبية ثلثى أعضائه، فإذا ما وافق البرلمان بتلك النسبة خاب أثر اعتراض الرئيس بفعل الدستور الذى أجاز التغلب على الاعتراض الرئاسى بأغلبية ثلثى الأعضاء. وأشار إلى أن حق رئيس الجمهورية فى الاعتراض على القانون موقوت بقيد زمنى معين إذ يتضمن وقوعه خلال مدة الثلاثين يوما التى تلت اقرار البرلمان وبانقضاء مدة الثلاثين يوما المشار إليها يسقط دستورياً حق الرئيس فى الاعتراض وبفواتها يفترض قبول رئيس الجمهورية للقانون وتتخذ اجراءات اصداره ونشره. وحينئذ يكون هذا القانون معبراً عن اتفاق إرادة السلطتين التشريعية والتنفيذية فى النيل من السلطة القضائية. ويتوقع المستشار خفاجى من خلال استقرائه للتاريخ والأحداث والهجمات التى تحاول البطش بالعدالة وسدنتها أن مثل هذه التشريعات السياسية التى تصدر برعاية ديكتاتورية مقيتة وتتعارض مع صحيح الدستور ستلقى مصيرها إلى العدم لتصادمها مع إرادة الشعب الذى تصدر باسمه الأحكام. من ناحية أخرى أكد الدكتور محمد فؤاد المتحدث باسم حزب الوفد أن موافقة البرلمان على تعديلات قانون السلطة القضائية ضاربا برأى مجلس الدولة عرض الحائط ودون الالتزام بمبدأ الفصل بين السلطات خطيئة لا تغتفر. فما كان للبرلمان ان يدخل فى مثل هذا التحدى. وأكد «فؤاد» أن تمرير هذا القانون الموجه يسلط السلطة التنفيذية على السلطة القضائية ويهدر مبدأ الفصل بين السلطات واستقلال القضاء، ويفتح الباب للتشكيك فى نزاهة القضاء ويهدر قدسية قراراته، حيث إنه لم يعد سلطة مستقلة ولكن سيجعله صاحب أجندة. وأضاف أنه كان من الأفضل تعديل شامل لقانون السلطة القضائية بالتوافق مع الهيئات القضائية المختلفة والأخذ برأيها، ولكن بتمرير البرلمان لهذا التعديل المشوب بعدم الدستورية يفتح الباب للصدام بين السلطة التشريعية والسلطة القضائية. وقال «فؤاد» إن ترتيب اجندة البرلمان التشريعية لا تراعى مشاكل الشارع بأى حال من الأحوال بل تنحاز لحسابات غير مفهومة و تشريعات لا تخدم المواطن بل تخلق حالة من الجدل والصدام، مشددا على أنه إذا صح وجود مؤامرة على هذا البرلمان، فإن مثل هذه المواقف الملتبسة تخدم المغرضين. أعلن النائب الدكتور سمير غطاس، دعمه الكامل لموقف القضاة فى مواجهة أى قرار استهدف العسف والتغول على استقلال هذه السلطة. وتبرأ النائب من قانون الهيئات القضائية الذى شابه الخطأ فى الإجراءات والتعدى على الدستور، الأمر الذى يخلق مزيدا من الأزمات الخطيرة التى تهدد الدولة والأمن والسلم الاجتماعى للوطن. وقال: هذا القانون المرفوض يأتى فى سياق واحد مع عدد من المواقف والقرارات التى سبق أن عسفت بالجماعة الصحفية من خلال فرض الوصاية على الإعلام، وهى أيضا التى أخرجت قانونا معيبا للجمعيات الأهلية، ما تسبب فى توريط مصر أمام المجتمع الدولى. وأشار إلى أن البرلمان لا يقف عند هذا الحد، بينما يجر نفسه إلى صدام غير مبرر مع الأزهر الشريف، إلا أن القانون الأخير الخاص بالسلطة القضائية هو الأخطر لأنه يضع الدولة فى صدام مباشر مع السلطة القضائية. وحذر سمير غطاس من مغبة تدهور الأمور إلى الحد الذى ينفجر فيه هذا الصدام، وينقله إلى الساحة الدولية. وجدد النائب تحذيره من نفاد الوقت وضياع الفرصة لإنقاذ الدولة والوطن من قوى الشر الداخلى ومن أسماهم «هواة التعسف» ومحترفى التغول والإقصاء والتفرد. من ناحية أخرى حرر عدد من اعضاء مجلس النواب مذكرة للدكتور على عبدالعال لإثبات رفضهم واعتراضهم على تمرير قانون الهيئات القضائيه ووقع عليها 34 نائبًا. وطالب المعترضون بإثبات اعتراضهم فى مضبطة الجلسة ومنهم أعضاء تكتل (25-30 ) ومنهم هيثم الحريرى، وأحمد الشرقاوى وأحمد الطنطاوى وإيهاب منصور ومحمد عبدالغنى، وضياء الدين داود، وسمير غطاس وخالد عبدالعزيز شعبان، ونادية هنرى، وخالد يوسف، وآمنة نصير ومحمد عطا سليم وآخرون.