رأى الكاتب الكبير " رويرت فيسك" أن المتهم الأول فى أى حادث انهيار مجمع سكنى أو منزل فى العالم العربى هو الفقر. وقال "فيسك" فى مقال بصحيفة "اندبندنت" البريطانية اليوم، معقبا على انهيار مبنى سكنى فى بيروت ومقتل ما يقرب من 26 شخصا، أن كل مرة تكون القاهرة هى محور الحدث فى انهيارات المبانى السكنية على رءوس ساكنيها، ولكن هذه المرة كانت بيروت هى قلب الحدث، وإن اختلف المكان فالقصة واحدة ومضمونها أن الأحياء الفقيرة التى يسكنها الفقراء، تحولت إلى قبور . وتطرق "فيسك" فى مقاله لقوانين الإيجار القديمة التى لم تتغير منذ عقود سواء فى مصر أو لبنان، مشيرا إلى أن المبنى الذى انهار فى بيروت منذ يومين يعود تاريخ بنائه إلى العشرينات من القرن الماضى. وهى النماذج التى يفضلها الفقراء لرخص إيجاراتها.. وأبدى " فيسك" اندهاشه من أن يكون من بين الضحايا مصريون وسودانيون وأردنيون، إضافة إلى لبنانيين وفلبينيين، وكأن الحادث وقع فى كل البدان العربىة، فالوضع متشابه. وقال "فيسك" إن الإيجارات القديمة تعتبر لعنة الملكية فى بيروت، فبموجب القوانين القديمة، يحظر على أصحاب العقارات زيادة الإيجارات على المستأجرين المقيمين لقترة طويلة، وبالتالى لا يتم تخصيص أى مبالغ للصيانة واختبارات السلامة، التى تتم فقط فى المبانى المنتشرة وسط العاصمة بيروت والتى تم بنائها منذ عهد الانتداب الفرنسى. واوضح الكاتب ان ايجار الشقة الصغيرة فى بيروت يصل إلى 25 الف ليرة لبنانية شهريا أى ما يعادل 3 جنيهات استرلينى، أى أن صاحب العقار، قد يحصل على أقل من 100 جنيه استرلينى إيجار لمبنى سكنى كامل . وأوضح "فيسك" أن الحى الذى وقع فيه الحادث تسكنه اغلبية مسيحية ، إلا أن الضحايا كانوا من مختلف الديانات ، وهو ما جعل الحادث مأساة لبنانية . واشار الى ان معظم المستأجرين فى بيروت رفعوا ايجاراتهم طواعية منذ الحرب الأهلية التى استمرت من عام 1975 حتى 1990، إلا أن المستأجرين الفقراء خاصة من المهاجرين السودانيين والمصريين وابناء دول الشرق الاقصى ، الذين غالبا يعملون فى النظافة وكخدم او "بوابين" فى الدول العربية الغنية، لم يقدموا على رفع الايجارات. وأكد "فيسك" أن القادم أسوأ ، فإذا كان المبنى الذى انهار على رأس 50 مستأجر بحى "الأشرفية" ، فأن هناك العديد من المبانى المتصدعة الآيلة للسقوط ، والتى تضررت من الحرب الاهلية التى استمرت 15 عاما ، وتم اعادة صيانتها بارخص الاسعار وبلا دراسات حول وضعها الهيكلى ومدى الاضرار التى لحقت بها . واشار الى ان انهيار المبانى فى مصر اصبح امرا عاديا ، حيث ان البناء هناك يتم بلا تراخيص ولا توجد اى قواعد للسلامة ، الا ان الوضع فى لبنان اخطر ، لأنها تقع فى حزام زلازل ومنطقة معرضة لزلازل قوية ، كما حدث فى تركيا المجاورة لها وكثيرا ما حذر العلماء من تعرض لبنان لزلزال مدمر . وختم "فيسك" بأنه من الناحية الاجنتماعية ، ياتى انهيار المبنى فى بيروت كجزء من الازمة اللبنانية بصفة عامة والتناقضات الغريبة هناك ، حيث ان الطرق سيئة ومياة الشرب ملوثة واسعار الغذاء والوقود مرتفعة و لا يوجد تأمين صحى جيد، فى وقت تحقق فيه البنوك اللبنانية أرباحا قياسية على مستوى العالم، كما أن البنية الأساسية فى البلاد خالية من الفساد ولديهم نظام ضرائبى محكم، ومن الممكن أن توفر الحكومة للمواطنين حياة كريمة وأفضل مستوى معيشة فى الشرق الأوسط.