أكدت أمانة الفتوى بدار الإفتاء المصرية، في أحدث فتاويها، على جواز سجدة الشكر دون طهارة، من أجل وجوب شكر نعمة الله عز وجل عند حدوث نعمة أو دفع بلية، مشيرة إلى أن ذلك أخذًا بقول المالكية ومن وافقهم. جاء ذلك في رد أمانة الفتوى بالدار على سؤال يقول: "أعمل لاعبًا في فريق لكرة القدم، وقد يُنعم الله علي أحيانًا بإحراز هدف لفريقي، فلا يسعني إلا أن أسجد شكرًا لله وأنا في مكاني هذا، وقد أكون غير متوضئ في هذه الحال، فهل يجوز لي ذلك أم لا ؟" وأجابت أمانة الفتوى، أنه من الأَولى لمن أراد أن يسجد سجدة الشكر أن يكون متوضئًا متجهًا إلى القبلة، وينوي ويُكبر فيهوي سجودًا ثم يسلم، لأن الخروج من الخلاف مستحب، ولكن إذا باغتته النعمة وتعذَّر عليه الوضوء وشق عليه ترك ما شغله من شأن، فيجوز له أن يسجد على حاله متوضئًا أو لا، متجهًا للقبلة أو لا، تقليدًا لمن أجاز ذلك من العلماء. وأوضحت أمانة الفتوى، أن الله عز وجل أوجب على العبد أن يشكره سبحانه على عظيم نعمته عليه، وقرن سبحانه الذكر بالشكر في كتابه الكريم، حيث قال: "فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُوا لِي وَلَا تَكْفُرُونِ"، مع علو مكانة الذكر التي قال الله تعالى"وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ". وبينت الفتوى، أن الله تعالى وعد بنجاة الشاكرين من المؤمنين وبجزائهم خير الجزاء، حيث قال: "مَا يَفْعَلُ اللَّهُ بِعَذَابِكُمْ إِنْ شَكَرْتُمْ وَآمَنْتُمْ"، وقال تعالى: "وَسَنَجْزِي الشَّاكِرِينَ"، وقال : "لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ". وأوضحت أمانة الفتوى سبب تشريع سجدة الشكر، وهو وجوب شكر نعمة الله تعالى على عباده عند حدوث نعمةٍ أو دفعِ بليةٍ، مدللة على ذلك بعدة أدلة شرعية، منها: ما رواه أبو داود والترمذي وابن ماجه عن أبي بكرة رضي الله عنه أنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إذا جاء الشيء يُسرُّ به خَرَّ ساجدًا، شكرًا لله تعالى. ومنها أيضًا: ما رواه أبو داود بسنده عن سعيد بن أبي وقاص رضي الله عنه قال: خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم من مكة نريد المدينة، فلما كنا قريبًا من عَزْوَرَا ثنية بالجحفة عليها الطريق بين مكةوالمدينة، نزل فرفع يديه فدعا الله تعالى ساعة، ثم خر ساجدًا فمكث طويلا، ثم قام فرفع يديه ساعة، ثم خر ساجدًا فمكث طويلا، ثم قام فرفع يديه، قال: "إني سألت ربي وشفعت لأمتي فأعطاني ثلث أمتي، فخررت ساجدًا شكرًا لربي، ثم رفعت رأسي فسألت ربي لأمتي فأعطاني ثلث أمتي، فخررت ساجدًا لربي شكرًا، ثم رفعت رأسي فسألت ربي لأمتي فأعطاني الثلث الآخِرَ، فخررت ساجدًا لربي". وعلقت أمانة الفتوى على هذه الأدلة بقولها: "ولهذه الأحاديث وغيرها ذهب محمد وأبو يوسف من الحنفية والشافعي وأحمد إلى أن سجدة الشكر سنَّة". وفسَّرت الفتوى ذلك قائلة: "وذهبوا إلى أنها يُشترط لها ما يُشترط في الصلاة من الطهارة وستر العورة ونحوهما، لقوله صلى الله عليه وسلم فيما أخرجه الإمام مسلم: "لا يقبل الله صلاة بغير طهور"، فيدخل في عمومه السجود، ولأنه صلاة فيشترط له ذلك كالصلاة المعتادة، وبالقياس على سجود السهو فإنه يُشترط له ذلك". كما أشارت الفتوى، إلى القول القائل بأن سجدة التلاوة وسجدة الشكر صلاة، فيعتبر لهما ما يُعتبر لصلاة النافلة من الطهارة وغيرها، كاجتناب النجاسة واستقبال القِبلة وستر العورة والنية، لأنه سجود لله تعالى يُقصد به التقرب إليه، له تحريم وتحليل، فكان صلاةً كسجود الصلاة والسهو". كما أشارت الفتوى إلى أن عدم اشتراط الوضوء لسجدة الشكر هو ما ذهب إليه بعض من المالكية وبعض الأئمة المعتبرين. وذكرت الفتوى، أيضًا استدلالًا آخر لمن لم يشترط الوضوء لسجود الشكر، بأن الصحابة رضي الله عنهم كانوا إذا جاءهم الخبر السار يسجدون عقبه، ولم يأمرهم الرسول صلى الله عليه وآله وسلم بالوضوء، وأن هذه الأمور قد تفاجئ العبد وهو على غير طهارة، وتركها مضيِع لمصلحتها، كما أنَّ الله تعالى أَذن في هذا السجود وأثنى على فاعله، وأطلق ذلك دون اشتراط الطهارة فيه، ولم يأمر بها سيدُنا رسولُ الله صلى الله عليه وآله وسلم أصحابَه. واحتجت الفتوى، على من يرى أن سجود الشكر يختلف عن الصلاة بقول العلماء، فقالت: وأجابوا عن قياس سجود الشكر على الصلاة بأن سجود الشكر يختلف عن الصلاة في أنه لا قراءة فيه ولا ركوع، كما يجوز في سجود الشكر أن يكون القارئ خلف الإمام وأنه لا تشترط المصافة فيه، كما قالوا: "وليس إلحاق محل النزاع بصور الاتفاق أولى من إلحاقه بصور الافتراق".