تتابع وحدة مرصد الأزهر باللغة الإسبانية، عن كثب أحوال الإسلام والمسلمين في إسبانيا، حيث يقارب عدد المسلمين على المليونين، بما يمثل 4% من التعداد الإجمالي للسكان. وكشفت وحدة الأزهر، فى تقريرا لها، أنه على الرغم مما يلحق بالإسلام من اتهامات بالتطرف والإرهاب نتيجة للصورة الدموية التي ترسمها الجماعات الإرهابية، مثل القاعدة وداعش، إلا أن الإحصائيات تشير إلى تزايد الإقبال على اعتناق الإسلام من جانب الإسبان ذوي الأصول الإسبانية الخالصة خلال الآونة الأخيرة، حيث بلغ عددهم مع نهاية عام 2016 وحلول 2017 إلى ما يقرب من 23,624 مسلمًا من إجمالي المسلمين في إسبانيا. وأشارت وحدة الأزهر فى هذا التقرير، إلى أن أعداد المسلمين في إسبانيا قد تزايدت بشكلٍ عامٍ بنسبة 20.6% على مدار السنوات الأخيرة لتبلغ 1,919,141 مسلمًا بحلول عام 2017، وذلك استنادًا إلى الدراسات التي تصدر سنويًا عن المرصد الأندلسي بالتعاون مع اتحاد الجمعيات الإسلامية بإسبانيا. وترجع الزيادة في أعداد المسلمين كذلك إلى ارتفاع عدد الحاصلين على الجنسية الإسبانية من المهاجرين المسلمين والذي وصل إلى 277,409. وعلى الرغم من أن المسلمين من الجنسيات الأخرى يمثلون الشريحة الكبرى من مسلمي إسبانيا بنسبة تبلغ 58%، إلا أن هناك تراجعًا ملحوظًا في أعدادهم خلال الأعوام الأخيرة، ربما بسبب الأزمة الاقتصادية التي حلّت بالعديد من الدول الأوروبية، وربما بسبب المضايقات التي يتعرض لها المسلمون في أوروبا لما يثار حولهم من اتهام بالإرهاب دون دليل. ويمثل المسلمون المصريون 0.2% من إجمالي عدد المسلمين بإسبانيا، إذ يبلغ عددهم 3,615، بينما تعتبر الجالية المغربية صاحبة النسبة الأكبر من المسلمين الأجانب، حيث تمثل 40.9% بتعداد قدره 753,425 مسلم، ويرجع ذلك بالطبع إلى القرب الجغرافي بين البلدين اللذين لا يفصل بينهما سوى مضيق جبل طارق الذي يعتبر بوابة للمهاجرين إلى أوروبا. أما عن أكثر المدن والمقاطعات الإسبانية عددًا من حيث المسلمين، فتأتي مقاطعة "قطلونية" شمال شرق إسبانيا في المقام الأول، ولعل هذا هو السبب في كثرة اتهامها بوجود المتطرفين، في وقت سهُل فيه إلصاق تهمة الإرهاب بالمسلمين على وجه العموم. ثم يأتي إقليم "أندلوثيا"، ثم "مدريد" و"بلنسية"، كذلك تعد "ألميريا" و"قادش" من أكثر المدن التي يقطنها المسلمون. ومع أن الجالية المسلمة في إسبانيا لا تعاني من رفض حكوميٍ أو شعبي، حيث لا تدخل إسبانيا ضمن الدول التي تنبذ المسلمين أو تحارب اندماجهم في المجتمع بشكل علني، إلا إن الحكومات المتعاقبة تُعرقل أحياناً حصول المسلمين على حقوقهم التي يكفلها لهم دستور البلاد. وعلى رأس الصعوبات التي تواجه المسلمين في إسبانيا قلة المساجد، وعدم تخصيص مقابر لكي يتم الدفن فيها حسب الشريعة الإسلامية. ووفقًا للإحصائيات الأخيرة فإن هناك 1427 مسجدًا في إسبانيا، وهو رقم كبير بالمقارنة بعدد المساجد خلال 2010، حيث كان 785 مسجدًا، ولكن لا يزال هناك 13% من الجمعيات الإسلامية تفتقر إلى مسجد أو حتى مُصلى صغير. الجدير بالذكر أن عدد الجمعيات الإسلامية في إسبانيا وصل إلى 1512 مع نهاية عام 2016، وهذا العدد يشير إلى المرونة التي تبديها الحكومة الإسبانية في التراخيص اللازمة لإنشاء جمعيات إسلامية، إلا إننا نرى أن ذلك يشير في الوقت ذاته إلى انقسام المسلمين وعدم اتحادهم، لدرجة أنه من الممكن أن نجد أكثر من جمعية إسلامية داخل الحي الواحد، وربما ينتج عن كثرة هذه الجمعيات والمؤسسات الإسلامية اختلاف المسلمين وتعدد انتماءاتهم المذهبية، في ظل غياب مؤسسة موحدة تجمع كلمتهم وتمنحهم المزيد من حقوقهم الدستورية إزاء التحديات المختلفة التي يواجهونها. ومع تزايد أعداد المسلمين عامًا تلو الآخر، وبرغم مطالبات الجمعيات الإسلامية المستمرة بإنشاء مقبرة خاصة لدفن موتاهم، إلا إن عدد المقابر الفعلي لا يتناسب مطلقاً مع أعداد المسلمين، فبنهاية 2016 أُحصيت 32 مقبرة فقط على مستوى إسبانيا، أي أن هناك ما يقرب من 95% من الجمعيات الإسلامية تفتقر إلى مقبرة، لذلك يدفن المسلمون موتاهم بمقابر متعدّدة الأديان. وكجميع أتباع الديانات، يرغب المسلمون في إسبانيا في أن يتلقى أبناؤهم تعاليم الدين الصحيح، لذلك يطالبون دائما بحقهم في تدريس التربية الدينية في المدارس الحكومية، حيث لا يوجد سوى 5% فقط من نسبة التلاميذ المسلمين ممن يحصلون على هذا الحق، بينما هناك ما يقرب من95 % من معلمي هذه المادة يواجهون شبح البطالة، في الوقت الذي لا تحرك فيه الحكومة الإسبانية ساكنًا أمام العديد من المطالبات بتفعيل القوانين التي تسمح بالتعاقد مع مدرسين جدد لسد العجز الذي تعانيه المدارس الإسبانية. إذ ليس بمنطقي ألا يتجاوز عدد المعلمين 55 معلمًا، في حين يبلغ عدد التلاميذ المسلمين 580,220 حتى نهاية عام 2016، من بينهم 115,946 تلميذًا إسبانيًا. يُذكَر أنه قد تمت الموافقة على تدريس التربية الإسلامية في المدارس الإسبانية منذ عام 1996، ونُشر آنذاك محتوى المنهج الدراسي لمادة التربية الدينية وتم الاتفاق على التعاقد مع معلمي هذه المادة. والجدير بالذكر أن الحكومة الإسبانية، كانت قد أقرت مرسومًا يسمح بوجود واعظ ديني للأقليات الدينية في السجون والمستشفيات والجيش، إلا إنه لم يُنفّذ سوى بندٍ واحدٍ على استحياء، ولم يُعيَّن سوى 15 إمامًا في السجون الإسبانية وسبعة في المستشفيات، بينما لم يتم تعيين أي إمام في الجيش حتى اليوم. وتكمن أهمية وجود هذا الواعظ في تصحيح أفكار من تلوثت عقولهم بالتطرف والإرهاب، أو من يسهل استقطابهم نحو التطرف عن طريق خطاب إسلامي سمح بعيد عن التشدد والمغالاة.