طفرة نسائية تغزو كافة مؤسسات الدولة بعد إعلان الرئيس عن بدء عام المرأة، بدءًا من المراكز القيادية بالدولة، مرورًا بالعمل الدعوى، الذى ظهرت فيها المرأة لأول مرة فى زى رسمى اعتمده قرار وزارة الأوقاف بتعيين 500 واعظة فى مجال الدعوة والفتاوى، لتترك البصمة النسائية أثرها بشكل ملموس. وكان العمل الدعوى للمرأة يتم من قبل فى شكل دروس دينية تعطيها سيدات فى مصلى خاص بهن فى المساجد الكبرى، ولكن لوحظ أنه كان يتم بث بعض الأفكار المغلوطة عن الدين من قبل نساء لهن توجهات موالية للجماعات الإخوانية ما ساهم فى الانحراف عن الدعوة وخلط الدين بالسياسة. وقد اتجهت بعض نساء الإخوان إلى العمل الدعوى عقب حبس أزواجهن فى محاولة لاستكمال بث الأفكار التى تحفز على تأييد الجماعة وأخرى لحصد مزيد من الأموال فى ظل وجود عدد من المراكز الدعوية التى تتلقى مقابلاً ماديًا نظير محاضراتها. وقد مارست المرأة العمل الدعوى منذ بدايات عهد النبوة، خصوصًا زوجات النبى(صلى الله عليه وسلم) وكان أشهرهن عائشة رضى الله عنها، وكانت من أكبر فقهاء الصحابة, وأحد الستة الذين هم أكثر الصحابة رواية للحديث, وتخرج فى مدرسة أم المؤمنين عائشة عددٌ كبير من سادة العلماء ومشاهير التابعين، ومسند الإمام أحمد بن حنبل يضم فى طياته أكبر عدد من مروياتها. وحازت، رضى اللَّه عنها، علمًا غزيرًا صافيًا من نبع النبوة الذى لا ينضب، واستقلت بالفتوى منذ وفاة النبى، وبقيت على هذا المنصب فى زمن الخلفاء كلهم إلى أن وافاها الأجل. وتعود بداية التفكير فى إطار رسمى لغزو المرأة الدعوة إلى عام 2015، عندما أجرت الأوقاف اختبارات أولية للمتقدمات للعمل كواعظات على سبيل التطوع، بالمديريات، أسفرت عن استبعاد عدد كبير من الواعظات بدعوى عدم انطباق الشروط عليهن، كما رسبت (349) متقدمة، فيما بلغ عدد من يحق لهن دخول الامتحان النهائى (633) متقدمة، إضافة إلى نحو مائتى واعظة من المتقدمات الجدد. وبالفعل أجرت الأوقاف اختبارات التصفية النهائية ل833 واعظة ممن حصلن على 75% فأكثر فى الاختبار الأول، وتأخر إعلان النتائج بسبب عمليات التدقيق التى تقوم بها وزارة الأوقاف للكشف عن انتماءات هؤلاء الواعظات، ونجح منهن 300 واعظة، إلا أن وزير الأوقاف ألغى هذه النتائج لسبب غير معلوم. ويوجد فى الأوقاف نوعان من الواعظات، النوع الأول معينات وعددهن 20 واعظة وتعامل نفس معاملة إمام الأوقاف، وأما النوع الثانى فيعملن بنظام المكافأة وعددهن 2012 واعظة وداعية، ويحصلن على نفس مستحقات خطيب المكافأة ما عدا خطب الجمعة. ووضعت الوزارة عددًا من الشروط الواجب توافرها فى الواعظات، فلا يجوز لأى واعظة التوجه إلى أى مسجد دون خطاب معتمد من مدير الدعوة بالمديرية، ويحدد به المسجد والموضوعات شهريًا، وأن يُحاط المسجد علمًا بالمواعيد، ويخصص دفتر خاص لهذه الدروس يسجل به (اليوم التاريخ موضوع الدرس)، ويلتزم إمام المسجد ومفتش المنطقة بالمتابعة ورفع تقرير شهرى لمدير الدعوة بالمديرية. كما يشترط الحصول على مؤهل أزهرى أو أن تكون الواعظة من خريجات معاهد الثقافة الإسلامية التابعة للوزارة، بعدها تخضع المتقدمات لاختبارات أولية بمديريات الأوقاف، وفى حالة حصولهن على أكثر من 75% يتم اختبارهن فى ديوان عام الأوقاف. وتقوم كل مديرية بموافاة ديوان عام الوزارة بأسماء المصرح لهن وأماكن عملهن، ويرفع الأمر لرئيس القطاع الدينى، حتى يتمكن التفتيش العام بديوان عام الوزارة من المتابعة. وفى حالة قيام أى واعظة بأداء درس بالمسجد بالمخالفة يُحرر لها محضر وفق قانون ممارسة الخطابة، وبموجب الضبطية القضائية لمفتشى الأوقاف، وإذا لم يتم الإبلاغ أو تمكين غير المصرح لهن سيتم محاسبة كل من إمام المسجد ومفتش المنطقة ومدير الإدارة ومدير الدعوة بالمديرية كل فيما يخصه. يقول الدكتور طه أبوكريشة، عضو هيئة كبار العلماء: إن أهمية وجود واعظات يعملن فى مجال الدعوى والفتاوى تظهر فى إمداد المرأة بالمعلومات التى تحتاجها والمساعدة فى محو الأمية بخصوص شئون القرآن وعلوم الدين. وأوضح أحمد كريمة، أستاذ الشريعة الإسلامية بجامعة الأزهر، أن الدعوة مشروعة لمن يحسنها من الرجال والنساء، فأمهات المؤمنين، رضى الله عليهن، أدين أعمال الدعوة والفتوى، ومن أهمهن السيدة خديجة وعائشة والسيدة نفيسة وزينب بنت الإمام الحسين وأم سلمة والسيدة جويرية، وفاطمة بنت الرسول. وعن الضوابط التى يجب الالتزام بها خلال أداء الدعوة، أكد «كريمة» ضرورة أن يكن على قدر عالٍ من العلم حتى يتمكن من إفتاء بنات دينهن، لافتًا أنه لا يجوز لهن الخطابة الدينية، ولا وعظ الرجال. وتابع أستاذ الشريعة الإسلامية بجامعة الأزهر، أن قيام المرأة المسلمة بهذا الدور هو تفعيل لدورها وتحملها ما أمر به الشرع وبيان مساواتها مع الرجل فى الإسلام ولكن بشرط أن تكون فى مكان مناسب. وتقول آمنة نصير، عضو مجلس النواب، إن عمل المرأة بمجال الدعوة سيشهد منافسة ولذلك لا بد أن يكون هناك تأهيل لهن قبل بدء عمل الداعيات. وأكدت «نصير» ضرورة تأهيلهن بناءً على أسس اللباقة والذكاء وحسن التصرف، فعلى سبيل المثال إذا سئلت على سؤال لا تعرفه، فعلى الفور تجد مخرجًا من الأمر، ثم تقوم بالبحث عنه للإجابة فى المحاضرة الثانية، مشيرًا إلى أن سعة الصدر والتواصل بحسن القول والمودة سمات الداعية الناجحة. وأوضحت الداعية ميرفت عزت، واعظة بالأزهر، أن الداعيات تدربن فى معهد الدعاية والقراءات بعد حصولهن على شهادات عليا وبعد ذلك بدأن العمل فى مجال الوعظ، لافتة إلى أن العمل الدعوى كان قائمًا من قبل ولكن الوزارة أوقفت التصاريح فى فترة، تخوفًا من فوضى الإفتاء. وأضافت: أن الداعية يجب أن تتخلى بالخبرة والتعامل بالسماحة والوسيطة فى الدين لنشر تعاليمه السمحة، مشيرة إلى أن وزارة الأوقاف وضعت منهجية فى العمل تبدأ بالحديث عن السلوكيات والأخلاق للقضاء على الظواهر السلبية فى المجتمع. وتابعت عزت: حالياً لا يجوز إعطاء فتوى دون دراسة دقيقة، وتجديد الخطاب الدينى يكون من خلال الحديث بوسطية والتركيز على أساسيات الدين للخروج عن أى فكر إرهابى. وأشارت منى البلتاجى، واعظة بالأزهر، إلى أنها تعمل فى هذا المجال منذ عام 2006 وتم الاطلاع على كثير من الكتب وتلقين دورات تدريبية فى مجال الإجازة، مضيفة أن الوزارة منحتهن كتباً فى مجال تجديد الخطاب الدينى، وهو ما سيتم العمل عليه حالياً من خلال التأكيد على سماحة الدين وابتعاده عن أى مفاهيم تطرف. وأكدت واعظة الأزهر، أن هذه الخطوة هدفها فتح أفق لدعم المساواة بين الرجل والمرأة، مضيفة أن العمل الدعوى للمرأة لا يقتصر على سن معينة وإنما الأهم الخبرة. وعن مخاوفهن من الفتاوى، أوضحت أن الأمور الخاصة بالمواريث والطلاق يصعب الفتوى فيها دون دراسة عميقة فيها.