عودة جديدة لأصداء إتفاقية "عنتيبي"، التي تم توقيعها عام 2010، وأثارت جدلًا وخلافًا ضخمًا على مدار السنوات الست الماضية، بين دول حوض النيل "إثيوبيا، أوغندا، رواندا، تنزانيا، كينيا، الكونغو، بوروندي، إريتريا"، ودولتي المصب "مصر، السودان"، بعد اعتراضهما على عدة بنود في الإتفاقية، بشأن الحصص المائية الخاصة بهما. وربما ينطلق من جديد قطار الإتفاقية، اليوم الثلاثاء، مع بداية فعاليات اجتماع طارئ تعقده دول حوض النيل في مدينة "عنتيبي" بأوغندا؛ لمناقشة الأسباب المصرية السودانية التي تعوق مشاركتهما في الإتفاقية منذ سنوات عدة، لاسيما أن الإتفاقية لن تدخل حيز التنفيذ ما لم يكتمل النصاب العددي للدول الموقعة عليها من حوض النيل والمصب بموجب 10 دول. تضم اتفاقية "عنتيبي" ثلاثة عشر بندًا، واحدًا فقط هو ما أثار الجدل، ودفع مصر والسودان للتحفظ على توقيع الإتفاقية، وهو بند "الانتفاع المنصف والمعقول"، والذي ينص على "أن دول حوض النيل تنتفع انتفاعًا منصفًا ومعقولًا من موارد مياه المنظومة المائية لنهر النيل، على وجه الخصوص الموارد المائية التي يمكن تطويرها بواسطة دول حوض النيل وفق رؤية لانتفاع معقول". ورأت القاهرة والخرطوم وقتها أن الاتفاقية الجديدة تمس بحقوقهما التاريخية في حصتهما بمياه النيل، خاصة مع إعلان إثيوبيا عن إقامة عدد من السدود، أبرزها سد النهضة، فقد كانت تمتلك مصر وفقًا لإتفاقية عام 1959 نحو 55.5 مليار متر مكعب من المياه سنويًا، بينما يحصل السودان على 18.5 مليار متر مكعبًا. وهو ما اعترضت عليه إثيوبيا بدعوى إعادة توزيع حصص مياه النيل بحيث لا تسيطر القاهرة والخرطوم وحدهما على 90% من المياه، وفي خطوة تصاعدية خرجت من قبل أديس أبابا خلال يوليو الماضي، إذ أطلقت أطلسًا للحوض ضم 10 دول، ولم تظهر فيه شبه جزيرة سيناء، بسبب اعتراض سابق لها قدمته إلى الأممالمتحدة بشأن توسعات مصر الزراعية في سيناء عبر ترعة السلام، باعتبارها خارج نطاق حوض النيل. وتضمن الأطلس الملامح الجيولوجية والسكانية ومعاملات التنمية الاقتصادية والاجتماعية والهيدرولوجية والمناخية والبنية الأساسية والمنشآت المقامة على النهر وهدف إلى وضع صورة متكاملة عن حياة النيل. وجمدت مصر عضويتها فى مبادرة حوض النيل، كرد فعل بعد توقيع دول منابع النيل على الإتفاقية، ما تسبب فى وجود عوائق عدة أمام مبادرة حوض النيل، لإقناع الشركاء الأجانب من ضخ مزيد من المنح والمساعدات لبرامج التعاون، وبالرغم من ذلك تمسكت مصر بموقفها الرافض للإتفاقية، دون حسم الخلاف على ثلاثة بنود فيها، وهي الأمن المائى مقابل الحصص التاريخية، وبند الإخطار المسبق والموافقة بالإجماع وليس الأغلبية. وعلى مدار السنوات الماضية، طالبت الدول الموقعة مصر بإنهاء التجميد والعودة للمشاركة في الأنشطة، إلا أن الأخيرة تمسكت بالعمل على حل النقاط الخلافية المتعلقة بالإتفاقية غير المكتملة والتي تم التوقيع عليها بصفة منفردة من دول المنبع. وقد تلجأ مصر إلى تغيير موقفها من الإتفاقية خلال الاجتماع الطارئ الحالي، لاسيما أن الدكتور محمد عبدالعاطي، وزير الموارد المائية والري، أكد في كلمته الافتتاحية للاجتماع على ضرورة العمل بشكل جماعي لبداية جديدة والتغلب على خلافاتنا ومناقشة شواغلنا المتبادلة بروح من التفاهم والتعاون، مع مراعاة المفاهيم المتفق عليها. لذلك، استطلعت "بوابة الوفد" آراء عدد من خبراء المياه والشؤون الأفريقية، الذين أكدوا أن مصر لن تغير موقفها من إتفاقية "عنتيبي" بشكلها الحالي، لكن من الممكن أن يكون هناك تفاهمات جديدة تحفظ حقوقها وتدفع مصر للانضمام لاسيما بعد الخسائر الكبرى التي تكبدتها دول حوض النيل من تجميد مصر عضويتها في مبادرة حوض النيل. تقول السفير منى عمر، مساعدة وزير الخارجية الأسبق للشئون الأفريقية، أن موقف مصر تجاه الإتفاقية من البداية صائب، لأن البنود التي اعترضت عليها تمس حصصها المائية بشكل مباشر ولا يمكن الموافقة عليها، مشيرة إلى أن مصر لم ترفض الانضمام لدول الإتفاقية ولكنها طالبت بتعديل وإعادة صياغة سليمة تضمن حقوق كل دول المنبع والمصب. وتؤكد أن دول المنبع وقعت على الإتفاقية ورحبت بها لأنها تزيد من حصتها المائية على حساب مصر والسودان، ولا يقع عليها أي ضرر، فكل دول المنبع من حقها وجود إخطار مسبق لأي مشروع تريد دول المصب بناءه على مياه النيل طبقًا للأعراف والقوانين الدولية. وتضيف: "مصر وضعت شروطًا وتعريفات للأمن المائي تحفظ حقوقها، ولن تغيير موقفها من الإتفاقية إلا في حال تعديلها بشكل أكثر مرونة يحفظ حقها التاريخي في المياه، ويتضمن عدم المساس بالاستخدامات الحالية للمياه". وترى الدكتورة أماني الطويل، مدير البرنامج الإفريقي بمركز الأهرام للدراسات السياسية والإستراتيجية، أن حجم التمويل الأجنبي تراجع بشدة خلال الفترة الأخيرة بسبب تجميد مصر عضويتها في مبادرة حوض النيل، وهو ما يدفع تلك الدول خلال الاجتماع الحالي إلى تغيير موقفها من الإتفاقية حتى تعود مصر للمبادرة وتدفق المنح الأجنبية كالماضي. وأوضحت الطويل، أن الاتفاقية بوضعها الحالي تهدد حصة مصر المائية والموارد الموجودة بها، والاجتماع الحالي جاء في ظروف مختلفة عن الاجتماعات السابقة؛ لأن مصر عاد لها تماسكها الداخلي، وثقل وزنها الإقليمي إفريقيًا، وأضحت التفاهمات مع الدول القائدة في حوض النيل أكثر تعاونًا، لاسيما بعد عقد الرئيس عبدالفتاح السيسي لقاءات مباشرة مع وزراء الري الأفارقة. وأشارت إلى أن هناك قاعدة صلبة تكونت عبر العامين الماضيين، بين مصر وباقي دول حوض، تجعل الأطراف الدولية في ظل الأوضاع الراهنة بإقليم الشرق الأوسط تأخذ مواقف داعمة للقاهرة، على اعتبار أن دورها أصبح أكثر قوة وتأثيرًا في جنوب البحر المتوسط.