من جديد خرج شبح إنفلونزا الطيور من كهفه المظلم البارد، وراح يهدد الجميع بالموت.. والسبب المواطن الفيومى «أشرف. ع. م».. والرعب يزداد عندما نعلم أن ما بين 65 مليوناً و80 مليون طائر فى مصر مصابة حالياً بإنفلونزا الطيور.. ويتحول الرعب إلى هلع عندما نكتشف أن نوعاً جديداً من فيروسات إنفلونزا الطيور ظهر فى مصر مؤخراً بعد أيام قليلة من ظهوره فى إسرائيل.. الفيروس الجديد (H5N8 ) أشد ضراوة من الفيروس (H5N1)، الذى ظهر فى مصر منذ 2006، ولهذا نفقت أعداد هائلة من الطيور فى مصر خلال الأسابيع الأخيرة، حتى بلغت ما بين 40٪ و100٪ فى مزارع الدواجن. الفيروس الجديد ليس له لقاح مضاد، ولهذا يلجأ أصحاب مزارع الدواجن لذات اللقاحات التى كانوا يستخدمونها فى مواجهة فيروس (H5N1)، حسب خبراء الدواجن فإن تلك اللقاحات قليلة الفاعلية، بدليل أن حالات النفوق بين الطيور كبيرة للغاية. وإذا كانت إنفلونزا الطيور تثير الرعب فيما يتعلق بالدواجن، فإنه لا يزال فى منطقة الأمان فيما يتعلق بالإصابات البشرية.. رغم ما حدث مع «أشرف. ع. ف» أشرف (48 عاماً) من قرية «التوفيقية» بمركز سنورس بمحافظة الفيوم، كان يعمل بمزرعة لتربية البط، وذات صباح فاجأته أعراض نزلة برد وارتفاع فى درجة الحرارة، فى البداية عافر وتحامل على نفسه، وواصل عمله على أساس أن عنده «شوية برد». ولكن اشتد عليه المرض، فبدأ يأخذ أدوية البرد التى يحفظ اسمها كل مصرى، ولكن صحته ظلت تتدهور، فتوجه لمستشفى سنورس الذى حوله لمستشفى الصدر بالفيوم، وعلى الفور تم سحب عينات دم من جسده وإرسالها للمعامل المركزية بالقاهرة، وأثبتت نتائجها إصابته بمرض إنفلونزا الطيور، فتم تحويله لحميات العباسية.. وفى العباسية توفى متأثراً بمرضه قبل أيام. موت «أشرف» أحيا من جديد رعب إنفلونزا الطيور، وهو المرض الذى يطارد شبحه كل المصريين منذ عام 2006 مع مطلع كل شتاء. ولكن لأن شتاء 2017 أوشك على الرحيل، تصور الكثيرون أن هذا العام سيمر دون أن يزورنا منجل الموت محمولاً على عطسة دجاجة، ولكن كل شىء تبخر وجاء الخوف من جديد مع موت «أشرف» والرعب يزداد عندما نعلم أن الهيئة العامة للخدمات البيطرية بوزارة الزراعة منذ مطلع العام الحالى رصدت 19 بؤرة إصابة بإنفلونزا الطيور، من سلالة H5N1، منها 13 بؤرة فى المنازل، وبؤرتان فى مزارع الدواجن، و4 حالات بأسواق بيع الحيوانات فى المحافظات. أخطر ما كشفه تقرير الخدمات البيطرية، هو رصد 6 إصابات بمرض إنفلونزا الطيور من سلالة H5N8، وهو فيروس متطور عن فيروس إنفلونزا الطيور الذى تم رصده عام 2006، وهو فيروس H5N1، وهذا يعنى أن تحوراً ما طرأ على فيروس إنفلونزا الطيور الذى كان موجوداً فى السنوات الماضية. وهذا الفيروس الجديد ظهر لأول مرة فى الشرق الأوسط فى إسرائيل فى نوفمبر الماضى، وبعدها بأسابيع ظهر فى مصر، وكانت بداية ظهوره فى دمياط، ويؤكد الدكتور محمد الإمام -خبير الدواجن- أن الفيروس الجديد أشد ضراوة من فيروس H5N1، ويفتك بسرعة بالدواجن التى يصيبها وينتقل عبر الهواء والغبار والطيور المهاجرة، ولكن حتى الآن لم يثبت أنه ينتقل من الطيور للبشر مثلما هو حال فيروس H5N1 وأوضح الدكتور الإمام أن الفيروس الجديد ليس له لقاح محدد، ولهذا تستخدم مزارع الدواجن ذات اللقاحات التى تستخدمها فى مواجهة فيروس H5N1.. ويقول: «إنفلونزا الطيور منتشرة حالياً فى جميع مزارع الدواجن، ولكن انتشاره أقل مما كان عليه فى 2006، عندما ظهرت إنفلونزا الطيور فى مصر لأول مرة». ويضيف: «الهجوم الفيروسى على مزارع الدواجن فى مصر لم يقتصر على فيروسات إنفلونزا الطيور وحده، فهناك أيضاً الفيروسات المسببة لمرض نيوكاسل، ومرض آخر يسمى «آى بى» وهذه الأمراض الثلاثة أدت إلى نفوق أعداد كبيرة من دواجن المزارع، وصل فى بعضها إلى نفوق 40% من الدواجن ووصلت إلى 100% فى مزارع أخرى». وواصل: «ارتفاع نسبة النفوق فى مزارع الدواجن ليس له إلا معنى واحد وهو أن اللقاحات الموجودة فى الأسواق المصرية قليلة الفاعلية، والسبب الرئيسى فى ذلك أن 90% منها مستورد، واللقاحات المستوردة تكون معدة فى الأساس لمواجهة الفيروسات التى تهاجم الدواجن فى الدول التى يتم فيها تصنيع تلك اللقاحات، وغالباً ما تختلف نفس الفيروسات من دولة إلى أخرى، لأنها تتحور بشكل مستمر، ومن هنا تكون فاعليتها مختلفة من بلد لآخر». ورغم أن الدكتور «محمد الإمام» يرفض تحديد نسبة انتشار مرض إنفلونزا الطيور فى مزارع الدواجن حالياً مكتفياً بالتأكيد أن انتشاره حالياً أقل مما كان عليه عام 2006، إلا أن المهندس الزراعى أمجد محمود -خبير الدواجن- يؤكد أن أكثر من 10 % من مزارع الطيور فى مصر مصابة بإنفلونزا الطيور.. ويقول: «مع قدوم فصل الشتاء ضربت إنفلونزا الطيور ما بين 40% و50% من مزارع الطيور، وظل هذا الحال مستمراً خلال أشهر نوفمبر وديسمبر ويناير الماضى، ولكن تحسن الجو قليلاً فى شهر فبراير الجارى أدى إلى تراجع نسبة الإصابة بالإنفلونزا لتصل إلى 10 % فقط». وأضاف: «رغم انحسار الإصابة بالمرض، فإن نفوق الطيور ظل مرتفعاً، وتتسبب إنفلونزا الطيور فى 30% من حالات النفوق فى مزارع الطيور، والنسبة الباقية مسئولة عنها أمراض النيوكاسل والبرد». وإذا علمنا أن حجم ثروة الدواجن فى مصر يتراوح ما بين 650 مليوناً و800 مليون طائر تقريباً، فمعنى كلام المهندس أمجد أن ما بين 65 و80 مليون طائر مصاب حالياً بإنفلونزا الطيور. الإصابات البشرية تتراجع رغم ظهور فيروسات جديدة لإنفلونزا الطيور، أشد ضراوة من سابقتها، ورغم تزايد نسبة نفوق الطيور فى المزارع، فإن عدد حالات الإصابة بالمرض بين المصريين يتراجع، فحسب بيانات وزارة الصحة، فإن عدد المصابين بإنفلونزا الطيور خلال عام 2015 بلغ 144 حالة توفى منهم 41 مصاباً، ولكن أعداد المصابين تراجع بشدة فى عام 2016، ليصل إلى 18 مصاباً فقط، فيما لم تتجاوز الإصابات البشرية فى العام الجديد 6 إصابات، توفى منهم واحد فقط، وهو «أشرف»، وهى أقل نسبة إصابات فى مصر منذ ظهور المرض فى مصر عام 2006. وحسب بيانات وزارة الصحة، فإن عقار التامفلو، العلاج الوحيد لإنفلونزا الطيور متوافر بكميات كبيرة، فهناك 250 ألف عبوة أقراص وشراب فى المستشفيات ووحدات الرعاية الصحية، بخلاف 750 ألف عبوة عقار بمخازن وزارة الصحة، وهى كميات تمثل احتياطى استراتيجى تكفى 4 شهور كاملة. ويؤكد الدكتور عبدالعاطى عبدالعليم -رئيس الشئون الوقائية بوزارة الصحة سابقاً- أن عقار التامفلو فى مصر آمن وفعال.. وقال: «لا يجب الالتفات إلى ما يردده البعض بأن عقار التامفلو يكون غير فعال أحياناً، فهذا كله كلام بلا أى أساس، فهناك لجان متخصصة تراقب إنتاجية هذا العقار، الذى يتم تصنيعه فى مصر حالياً، بعد أن تم الاكتفاء باستيراد المادة الخام للعقار من الخارج وتصنيعها فى شركة النيل، وهى العملية التى تتم وفق قواعد وشروط طبية وعلمية صارمة». ويضيف: «عقار التامفلو فى مصر فعال، ومتوفر، ولكن تبقى الوقاية خير ألف مرة من العلاج ويمكن الوقاية من الإصابة بالمرض بالتقليل ما أمكن من التعامل مع الطيور والدواجن واستخدام وسائل الوقاية الشخصية فى مقدمتها الكمامة، والقفازات، عند التعامل مع الطيور سواء فى المنازل أو المزارع ومربى الدواجن، مع غسل اليدين بالماء والصابون جيداً، وخصوصاً بعد التعامل مع الطيور أو الدواجن أو منتجاتها، مع الاعتناء بطبخ لحوم الطيور أو الدواجن خاصة أن فيروس الإنفلونزا يموت عندما تصل درجة حرارة 70 درجة مئوية. وفى ذات الاتجاه، شدد الدكتور فضل عبدالفتاح -استشارى الحميات- على ضرورة عزل المريض والتوجه به مباشرة للطبيب فور ظهور أية أعراض للإنفلونزا الطيور، مشيراً إلى أن تلك الأعراض تشمل ارتفاع درجة الحرارة، مع آلام شديدة بالجسم، وصداع قوى بالرأس، والإصابة بعدم الاتزان، والسعال وصعوبة التنفس. وحذر الدكتور عبدالفتاح من أن أى تهاون فى مواجهة المرض يجعله للالتهاب الرئوى الوخيم حتى الوفاة.. وقال: «بالنسبة للمتعاملين مع الطيور، فيجب الابتعاد عن الطيور قدر الإمكان خاصة أنشطة ذبح الدواجن ونزع ريشها. كما يجب تنظيف مكان تربية الطيور بالمطهرات وتهويته جيدًا مع الاهتمام بالنظافة الشخصية قبل وبعد التعامل.