أبرز بنود «إعلان القاهرة» خلال الجلسة الختامية لاجتماع وزراء السياحة بدول منظمة (D-8)    الخارجية الأمريكية: الاتفاق مع الحوثيين يتعلق فقط بوقف هجماتهم على السفن في البحر الأحمر    السيسي يهنئ فريدريش ميرز بانتخابه مستشارا لألمانيا    منتخب مصر لرفع الأثقال يحقق أرقاما قياسية بالجملة في بطولة العالم للناشئين    التعادل يحسم نتيجة مباراة زد ضد الاتحاد السكندري في الدوري المصري الممتاز    ضبط 8 طالبات بالصف الثاني الإعدادي لتعديهم على زميلتهم في العاشر من رمضان    محكمة النقض تحدد جلسة لنظر طعن سائق «أوبر» المدان في قضية «فتاة الشروق»    منطقة أهرامات الجيزة تستقبل وزير السياحة التركي    ما حكم ترك ركن من أركان الحج؟.. القاعدة الشرعية    البنك الإسلامي للتنمية والبنك الآسيوي للتنمية يتعهدان بتقديم ملياري دولار لمشاريع التنمية المشتركة    جولة تفقدية لوكيل مديرية التعليم بالقاهرة لمتابعة سير الدراسة بالزاوية والشرابية    "ثقافة الفيوم" تشارك في فعاليات مشروع "صقر 149" بمعسكر إيواء المحافظة    "الأزهر" يرفض و"الأوقاف" تتغول على صلاحياته " .."برلمان الانقلاب " يقر قانون تنظيم الفتوى بعد فتوى الدكتور "إمام    في اليوم العالمي للربو 2025.. كيف تسيطر على النوبة؟    وفد البنك الدولى ومنظمة الصحة العالمية في زيارة لمنشآت صحية بأسيوط    "قومي المرأة" يشارك في تكريم المؤسسات الأهلية الفائزة في مسابقة "أهل الخير 2025"    من منتدى «اسمع واتكلم».. ضياء رشوان: فلسطين قضية الأمة والانتماء العربى لها حقيقى لا يُنكر    استخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي والأمن السيبراني لحماية المرأة    الكرملين: بوتين سيزور الصين في أغسطس المقبل    نجوم الفن وصناع السينما يشاركون في افتتاح سمبوزيوم «المرأة والحياة» بأسوان    أحدث ظهور ل ابنة نور الشريف    ظافر العابدين ينضم لأبطال فيلم السلم والثعبان 2    بولندا تتهم روسيا بالتدخل في حملة الانتخابات الرئاسية    «النهارده كام هجري؟».. تعرف على تاريخ اليوم في التقويم الهجري والميلادي    أمين الفتوى: الزواج قد يكون «حرامًا» لبعض الرجال أو النساء    محافظ دمياط: إطلاق حزمة من الإجراءات لإحياء حرفة النحت على الخشب    حالة الطقس غدا الأربعاء 7-5-2025 في محافظة الفيوم    النائب العام يشارك في فعاليات قمة حوكمة التقنيات الناشئة بالإمارات    رئيس شباب النواب: استضافة مصر لبطولة العالم العسكرية للفروسية يعكس عظمة مكانتها    رافينيا يرشح محمد صلاح للفوز بالكرة الذهبية    بعد اغتصاب مراهق لكلب.. عالم أزهري يوضح حكم إتيان البهيمة    ولي العهد يتلقى رسالة خطية من رئيس الحكومة المؤقتة في بنجلاديش    البابا تواضروس الثاني يزور البرلمان الصربي: "نحن نبني جسور المحبة بين الشعوب"    منها إنشاء مراكز بيع outlet.. «مدبولي» يستعرض إجراءات تيسير دخول الماركات العالمية إلى الأسواق المصرية    رئيس شركة فيزا يعرض مقترحًا لزيادة تدفق العملات الأجنبية لمصر -تفاصيل    موعد وقفة عرفات وعيد الأضحى 2025 في مصر والدول العربية    تأجيل محاكمة 7 متهمين في خلية "مدينة نصر" الإرهابية ل 16 يونيو    رئيس "شباب النواب": استضافة مصر لبطولة الفروسية تعكس مكانة مصر كوجهة رياضية عالمية    مشروبات صحية يُنصح بتناولها لمرضى السرطان    تأجيل محاكمة نقاش قتل زوجته فى العمرانية بسبب 120 جنيها لجلسة 2 يونيو    بعد رحيله عن الأهلي.. تقارير: عرض إماراتي يغازل مارسيل كولر    نائب وزير الصحة: تحسين الخصائص السكانية ركيزة أساسية في الخطة العاجلة لتحقيق التنمية الشاملة    المخرج جون وونج سون يزور مقر مهرجان شرم الشيخ الدولي للمسرح الشبابي بالقاهرة    ضبط محل يبيع أجهزة ريسيفر غير مصرح بتداولها في الشرقية    جامعة كفر الشيخ تنظّم ندوة للتوعية بخطورة التنمر وأثره على الفرد والمجتمع    "الخارجية" تتابع موقف السفينة التي تقل بحارة مصريين قبالة السواحل الإماراتية    الجيش الإسرائيلي يصدر إنذارا بإخلاء منطقة مطار صنعاء الدولي بشكل فوري    جزاءات رادعة للعاملين بمستشفى أبوكبير المركزي    وكيل الأزهر: على الشباب معرفة طبيعة العدو الصهيوني العدوانية والعنصرية والتوسعية والاستعمارية    مجلس مدينة الحسنة يواصل إزالة الآثار الناجمة عن السيول بوسط سيناء    ادعوله بالرحمة.. وصول جثمان الفنان نعيم عيسى مسجد المنارة بالإسكندرية.. مباشر    "هذه أحكام كرة القدم".. لاعب الزمالك يوجه رسالة مؤثرة للجماهير    باكستان تتهم الهند بوقف تدفق مياه نهر تشيناب    مدرب كريستال بالاس: هذا ما يجب علينا تقبله    وزير الثقافة يطلق مشروع "أهلا وسهلا بالطلبة" بتخفيض 50% للمسارح والمتاحف    «الداخلية»: ضبط شخص عرض سيارة غير قابلة للترخيص للبيع عبر «فيس بوك»    حالة الطقس اليوم الثلاثاء 6 مايو في مصر    إلغاء الرحلات الجوية بعد استهداف مطار بورتسودان بمسيرات للدعم السريع    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



شجون على إسماعيل: بكت شريفة فاضل على استشهاد ابنها فلحن أم البطل فى 6 ساعات
أبى الذى لا يعرفه أحد
نشر في الوفد يوم 24 - 02 - 2017

ياسر عرفات طلب منه دعم المقاومة فغنى معهم على الجبهة «فدائى»
إسرائيل طلبت رأسه.. بسبب أعماله التى ألهبت مشاعر الجماهير بعد 67
أمى هربت لتتزوجه بعدما رفضت أسرتها لأنه «مزيكاتى»
الرئيس السادات رفض تشريح جثمانه وأمر بنقله للبيت فى سيارة رئاسية
مات وهو يتحدث مع المخرج حسين كمال عن ألحان فيلم «مولد يا دنيا»
لو شفت القُصة يا وله.
مرصوصة رصة.. يا وله.
لتوه من البصة.. يا وله.
مش جاى على بالى.. لا.. والنبى.
منتاش خيالى.. يا وله.
منتاش خيالى.. لا.. والنبى
اسمك إيه؟
أنا اسمى نبيلة.
اسمك جميل يا نبيلة.. أنا بقى اسمى «على».
ولحظة بعد لحظة، وساعة بعد ساعة، وليل وراء ليل، وصباح بعد صباح، ومع كل طلعة نهار يدرك الشاب «على» أنه أحب «نبيلة»، وتدرك هى أيضًا أن «على» هو حبها ولحن حياتها الذى تتمنى أن تغنيه، بعد فترة قرر «على» الذهاب إلى أهلها يطلب «يدها». وصل فى الموعد الذى حُدِد له من قبل الأسرة، جلس فى الصالون ينتظر شقيقها الأكبر، حيث توفى والدها منذ سنوات، يحاول أن يتمالك، يمسك بكوب الماء الذى أمامه يطفئ به ظمأ جوفه، يرتشف بعضًا من كوب الشاى الذى أمامه. ينظر فى ساعة الحائط.. الدقائق تمر.. فهو يجلس ما يقرب من 30 دقيقة، فلا «نبيلة» ظهرت ولا أخوها جاء إليه.
الأم فقط من باب تأدية الواجب تمر عليه كل فترة، مرحبة به كنوع من المجاملة. مرت الدقائق ثقيلة على قلبه. يُخرج من جيبه منديلًا يجفف به وجهه. وعيناه تنظران للفضاء الخارجى الظاهر أمامه عبر نافذة البلكونة، وقلبه معلق على باب الحجرة التى تجلس فيها «نبيلة» مع أخيها يتدارسان الرد على العريس الجالس فى الخارج. بعد دقائق خرج عليه الأخ وعلى وجهه علامات تدل على رفضه كزوج لأخته. أهلًا وسهلًا.. خير يا على أفندى.
رد: جئت لخطبة «نبيلة»، يرد: آسف يا على أفندى.. هو حضرتك لا تعرف أختى بنت مين؟ إن كنت لا تعرف ذلك، فعليك أن تعرف أننا لا نزوج بناتنا إلى «مزيكاتى» فأنت «مزيكاتى». حضرتك تحب تشرب شاى آخر؟ أم تريد قهوة؟ رد: أشكرك.. بعد إذنك. إلى اللقاء..
المقابلة انتهت!
مر على هذا اللقاء أيام وشهور، والحبيب يلتقى بحبيبته خلسة، وفى كل مقابلة يسألها: هل ما زالت العائلة على نفس موقفها؟ ترد: نعم.. هى كذلك، وأمام هذا الوضع قرر الحبيبان أن ينتصرا للحب، أن يقفا بجوار قلبهما، وأن يتسلحا بروح المغامرة من أجل السعادة، وذات مساء خرجت «نبيلة» من بيتها ولم تعد، نبيلة «هربت» بحبها لتتزوج «على» الذى أحبته. وتمر السنون على هذا الحب، وعلى هذه المغامرة، وعلى هذا الزواج. وينجح «على» ويصبح «المزيكاتى» أحد أهم صناع الموسيقى فى مصر والوطن العربى.. يعزف بعقله وقلبه وموهبته للحب وللوطن وللحياة، وفى نفس الوقت يفجر الحب موهبة الكتابة فى قبل وعقل «نبيلة» فتكتب للحب والوطن والحياة: تكتب «فدائى» و«دع سمائى» و«أم البطل» و«رايحين شايلين فى إيدينا سلاح». وتكتب أيضًا للحبيب الذى أظنه كان «على» الذى هربت من أجله!
لو تعرف حالى.. يا وله.
وتريح بالى.. يا وله.
راح تبقى حلالى.. يا وله.
دايمًا على باللى.. آه والنبى.
فى سلسلة حوارات «أبى.. الذى لا يعرفه» أحد اتجهت إلى أحد صناع الموسيقى المصرية الأصيلة، والتى تعبر عن الشخصية المصرية بكل مفرداتها، إنه الراحل المبدع «على إسماعيل» الذى عزف ووزع ولحن وأنتج الموسيقى التصويرية للسينما والدراما التليفزيونية والمسرج. اتصلت بابنته «شجون» على إسماعيل اتفقنا على الحوار.. وصلت إلى منزلها فى الموعد المحدد بيننا، فى المكتب وجدت صورة للأب والأم معلقة.. وفوق المكتب الذى أمامها بعض القصائد كانت والدتها كتبتها قبل رحيلها ولم تنشر، هذا بخلاف الكثير من النوت الموسيقية للأب تضعها بعناية. طلبت منها أن نستمع لبعض أغانى الأب ونحن نتحدث.. وافقت بعدما وضعت C.D يحمل أغانيه وألحانه. وبعد ثوانٍ جاءت الألحان بصوت عشرات المطربين تذكرنى بفن وتميز وعبقرية هذا الرجل. قلت لها: من هذه الموسيقى التى نسمعها نستطيع أن نعرف من هو «على إسماعيل»، لكن المؤكد أنك كابنه تعلمين عنه ما لم نعرفه.. قدمت لى عصير البرتقال الذى طلبته. وأمسكت فى يدها فنجان قهوتها، ثم اعتدلت فى جلستها وقالت: نشأ أبى فى أسرة متوسطة الحال، أبوه إسماعيل أفندى كان مدير فرقة الموسيقات العسكرية. كان له ثلاثة أبناء هم (حسن وعلى وجمال)، والأخير هو الفنان الراحل جمال إسماعيل وابنة واحدة اسمها «خديجة» تعلم أبى من أبيه حب الموسيقى وأصر أبى على أن يدخل حسن وعلى الموسيقى العسكرية، وبالفعل تفاعل أبى مع تلك الموسيقى وأصيب بهوس الآلات النحاسية،. واستمر أبى إلى أن شعر أن طموحه أكبر من الموسيقى العسكرية، فتمرد عليها أو الفنان داخله هو الذى تمرد، فبدأ يذهب إلى الكازينوهات، ولفرقة محمد عبدالوهاب وعمل لفترة فى هذا الاتجاه، وبعد فترة تم افتتاح معهد فؤاد الأول للموسيقى معهد الموسيقى العربية حاليًا التحق وكان معه فى دفعته عبدالحليم حافظ وكمال الطويل وفايدة كامل وأحمد فؤاد حسن وكان الأول على دفعته.
ولد الموسيقار على إسماعيل فى 28 ديسمبر 1922 ورحل فى 16 يونيو 1974 تميز بالتأليف والتوزيع الموسيقى. وضع الموسيقى التصويرية لأكثر من 350 فيلمًا. رأس الفرقة الموسيقية لفرقة رضا ووضع الموسيقى لكل رقصاتها. وطاف معهم أغلب بلاد العالم، ابتكر فكرة «فرقة الثلاثى المرح»، فقدم لهم أغنياتها الشهيرة «العتبة جزاز يا أسمر يا سكر ومنتاش خيالى يا وله» وغيرها من الأغانى، لحن أغنية فيلم الأرض «الأرض لو عطشانا نرويها بدمانا»، وأثناء العدوان الثلاثى عام 1956 لحن أغنيته الشهيرة «دع سمائى» التى غنتها فايدة كامل، ولحن أغنيات النصر قبل حرب أكتوبر مثل «رايات النصر» و«رايحين شايلين فى إيدنا سلاح» وأغنية «أم البطل» للراحلة شريف فاضل، ولحن النشيد الوطنى الفلسطينى «فدائي» الذى بدأ منذ عام 1972، تزوج من الشاعرة نبيلة قنديل، أنجب ثلاثة أبناء «مصطفى وحسين وشجون».
بعدما فرغت الابنة من فنجان قهوتها، كانت فرقة الثلاثى المرح تشدو بصوتها فى خلفية حوارنا ثم جاء صوت الراحلة فايدة كامل وهى تغني:
دع سمائي.. فسمائى محرقة
دع قناتي.. فمياهى مغرقة
واحذر الأرض.. فأرضىى صاعقة
هذه أرضى أنا.. وأبى قال لنا
مزقوا أعداءنا
قلت لها من الواضح أنه كان شعلة نشاط موسيقي.. كيف كان يقضى يومه؟ قالت: يبدو أنه كان يدرك أن عمره قصير، فهو مات وعمره 52 عامًا وأصيب بثقب فى القلب وضعف فى عضلته وعمره 38 عامًا ورغم ذلك المرض كان لا ينام إلا أربع أو خمس ساعات فى اليوم كله. كانت حياته كلها تأليف موسيقى بكافة أنواعها. وهذا جعل عبء تربية الأبناء كله على والدتى رحمة الله عليها، فهى رحلت فى عام 1989. قلت ولكنها كانت شاعرة متميزة.. ألم يجعلها الشعر بعيدة عنكم هى الأخري؟ قالت: لا.. أمى كانت تجتهد فى تربيتنا وتعليمنا وعرفت مبكرًا أنها تزوجت وأحبت فنانًا، والفنان له عالمه الخاص. صحيح هى كانت تكتب الشعر والأغاني، لكن فى نفس الوقت إبداعها فى الكتابة لم يجعلها تهمل فى بيتها أو فى تربية أولادها، ودعنى أقول لك إن أبى كان مهتمًا أيضا بتعليمنا وتربيتنا جدًا.. ورغم مشاغله وسفرياته، إلا أنه كان يتابع من خلال أمى دراستنا ويحرص على أن يشجعنا على مواصلة النجاح دون أى تدخل منه فى توجيه مستقبل أى حد فينا.
كايده العزال أنا من يومي
دكانة أبويا ع الشارع.. أيوه.. آه
وحبيبى فى الدور الرابع.. أيوه.. آه
يطلبنى وأنا مش راح أمانع.. أيوه.. آه
كايده العزال أنا من يومي
كانت هذه أحد روائع الغناء الشعبى التى تغنت بها الراحلة عايدة الشاعر ولحنها على إسماعيل.. ومنها عدت مع الابنة إلى الوراء قليلاً عندما ذهب أبوها لخطبة والدتها.. وقلت لها.. هل رفضت أسرتها الزواج من ابنتها لأنه فقير أم لأنه «مزيكاتي»، قالت وهى تضحك: ربما بسبب الاثنين معًا. كانت عائلة أمى ميسورة الحال، وكان لا يليق بأسرة كبيرة مثلها أن تزوج ابنتها لمن هو مثل أبي. فهو يعمل فى الكازينوهات واشتغل فى فرقة الجيش الموسيقية وعمره 14 سنة ثم خرج أو بمعنى أدق تمرد وذهب إلى الملاهى الليلية بحثًا عن الموسيقى التى يحبها، ومن أجل أيضًا «لقمة العيش»، فأسرته كانت محدودة الدخل. قلت لها.. وكيف قبلت تلك الفتاة أن تغامر معه وتهرب للزواج منه؟ قالت بعدما غابت الضحكة وحلت مكانها بسمة: «الحب كده»! قلت وبعد ما اكتمل فصل الهروب.. كيف واجها الحياة. قالت: تزوجا بعيدًا عن أسرتها.. وبدأت مطالب الحياة تضغط عليهما فقررت والدتى أن تغني- فصوتها كان جميلاً- اسكتشات حتى تساعد فى مصاريف البيت. وظلت تغنى لفترة، إلى أن ذاع صيت أبى وتحسنت أحواله المادية، فتركت الغناء وتفرغت للكتابة وتربية الأولاد. وفى تلك الفترة اقتربت من أغلب نجوم ذلك الزمن وتعرفت على الراحلة شريفة فاضل فى حرب 1973، أصيبت بصدمة شديدة ووقفت والدتى بجوارها، وطلبت شريفة فاضل من أمى أن تكتب كلمات تغنيها لابنها الشهيد ولكل أم شهيد، وبعد تردد وافقت أمى، وكانت عندها فى المنزل، فدخلت حجرة ابنها الشهيد وأغلقت على نفسها لمدة ساعة ثم خرجت فوجدت شريفة جالسة فى مكانها فقالت لها اسمعى ما كتبته:
ابنى حبيبي.. يا نور عيني
بيضربوا بيك المثل
كل الحبايب بتهنيني
طبعًا... ما أنا أم البطل
كانت أمى تقرأ ودموع شريفة فاضل تنزل وهى تردد.. طبعًا ما أنا أم البطل، وبعد ساعات كان أبى قد فرغ من التلحين، لتذهب شريفة فاضل إلى الإذاعة لتسجيل الأغنية ومع كل فاصل كانت تسقط من الإعياء والحزن إلى أن تم التسجيل لتظل هذه الأغنية علامة من علامات الغناء الصادق الذى يلهب المشاعر ويؤثر فى وجدان المتلقى من شدة صدقها. قلت لها قرأت أن الرئيس السادات كان يحب جدًا فن أبيك... أليس كذلك؟ قالت: نعم.. الرئيس السادات بعد وصوله للحكم فى أعقاب رحيل عبدالناصر، كان يدرك بحسه السياسى أن المعركة ليست بالبندقية فقط. بجانب السلاح كانت الكلمة وكان اللحن، وأبى كان فى قمة إحباطه بعد النكسة، ثم رحيل عبدالناصر جعله يبكى بشدة، ووالدتى قالت لى مرة إنها للمرة الأولى فى حياتها تخرج مع أبى بملابس المنزل تجرى فى الشارع معه رافضة قرار عبدالناصر أو إعلانه التنحي. قلت يبدو أنه رغم النكسة كان مؤمنًا بمشروع عبدالناصر؟ طبعًا.. كان يؤمن أن الحق سيعود وأن القومية العربية أمل لشعوبنا العربية.. وأعتقد أن التحاقه بالمؤسسة العسكرية منذ الصغر زرع بداخله حب الوطن والعمل من أجله. فلقد تحمل- مع جيله- عبء الدفاع عن الوطن من خلال موسيقاه. لقد كانت الأغنية الوطنية والشعبية أحد أسلحة دعم الكفاح الوطنى منذ حرب 56 مرورًا بالاستنزاف وبعدها 73 والعبور واسترداد الأرض. ويكفى أن بعض الدوائر الإسرائيلية كانت وضعت اسمه على قوائم المطلوبين اغتيالهم، فهو الذى وضع لحن النشيد الوطنى الفلسطينى «فدائي»، يومها جاء للقاهرة الراحل ياسر عرفات مع بداية تأسيس منظمة فتح وطلب منه أن يزور الفدائيين ويقدم لهم لحنًا يلهب حماسهم. وكانت أغنية «فدائى» التى تحولت إلى النشيد القومى الفلسطينى بداية من عام 1972.
بعصف الرياح ونار السلاح
وإصرار شعبى لخوض الكفاح
فلسطين دارى ودرب انتصاري
فلسطين ثأرى وأرض الصمود
فدائي.. فدائي.. يا أرض يا أرض الجدود
سأحيا فدائى وأمضى فدائي
وأقضى فدائى إلى أن أعود.
كانت هذه كلمات اللحن الذى ألهب به أبى مشاعر الفدائيين على كافة الجبهات على طول خط المقاومة خاصة بعد نكسة 67 وبالتحديد الفدائيين الفلسطينيين، من أجل ذلك طلبت إسرائيل من معاونيها رأسه. أما بخصوص الرئيس السادات، فكما قلت لك، كان يحب أبى جدًا، وأذكر يوم وفاته أرسل سيارة إسعاف من الرئاسة لنقله للبيت وزارنا فى منزلنا بعد رحيل أبى، بل إنه أمر أن يذاع خبر وفاته فى دور العرض السينمائى، قلت لها.. كيف بدأ التعاون بينه وبين فرقة رضا، قالت! أثناء التحضير لتكوين الفرقة كان مطلوبًا من محمود رضا أن يبحثوا عن ملحن يضع الموسيقى للفرقة، ويبدو أن الميزانية لم تكن تسمح بالتعاون مع ملحنين كبار سيطلبون مبالغ كبيرة.. وذهب على رضا إلى أبى وعرض عليه التعاون معهم وقال له إن الميزانية قليلة أو بمعنى أدق ليس معنا ما تستحقه أنت.
رد أبى: وأنا لا أريد منك مالاً، المهم المشروع ينجح، وفى بداية العمل بينهما حدث أن أصيب أخى فى حريق أدى إلى حروق من الدرجة الثالثة وتم احتجازه فى مستشفى بالدقى، وكان أبى يسهر بجواره وهو يؤلف الموسيقى للفرقة، وزاره على رضا فى المستشفى فوجده بجوار ابنه المصاب يؤلف الجمل والمقطوعات الموسيقية حتى لا يتأخر عن حفل الفرقة، فانحنى «على رضا» و«وضع قُبلة» على رأسه.
قلت لها: ماذا أخذتِ منه؟ ردت: أنا ابنة أبيها كما يقولون، بمعنى أننى كنت قريبة جدًا منه، وكنت أراقب كل حركاته وتحركاته فى البيت والعمل، وكان يأخذنى معه ويذهب إلى شوارع مصر القديمة وكأنه يريد أن يقول لى هذه هى مصر التى أحببتها وعشت وأبدعت من أجلها، قلت لها أيامه الأخيرة فى الحياة كيف كانت؟
ردت وفى عينيها حزن واضح كان طبيعيًا جدًا، صحيح فى الشهور الأخيرة قبل رحيله كان مرض القلب قد استقوى عليه بعض الشيء فى ظل عدم التزامه بتعليمات الأطباء، وكانت كلما ضغطت أمى عليه حتى يلتزم بالأدوية والنظام الغذائى، كان يرد: «محدش بيموت ناقص عمر»! وظل على هذا الشكل من التعامل مع المرض والحياة والعمل إلى أن جاء يوم الأحد الموافق 28 ديسمبر 1974 بعد الظهر خرج من البيت ومعه ألحان فيلم «مولد يا دنيا» الذى أخرجه الراحل حسين كمال أو بعض الألحان وجزء من ألحان مسرحية «كباريه» للراحل سمير خفاجى واتفقوا الثلاثة أن يلتقوا فى مكتب سمير خفاجة حتى يعطيهم الألحان وكانوا أصدقاء أيضًا. جلس على كرسى خلف مكتب كبير وأمامه «حسين كمال وسمير خفاجى» وبدأ الكلام عن العمل والفن والمستقبل، وقال لهما إنه يوم الثلاثاء سيسافر إلى روسيا حتى يُكرم هناك على الموسيقى التصويرية لفيلم «العصفور» إخراج يوسف شاهين، وبعد العودة سيكمل لهما باقى أحداث الفيلم والمسرحية، وأثناء تجاذب أطراف الحديث وضع رأسه على المكتب قليلاً وحسين كمال يتحدث إليه. بعد ثوانٍ انتظر أن يرد عليه.. لم يرد تدخل سمير خفاجى قائلاً.. رحت فين يا على.. هو أنت جاى تنام هنا؟ فلا يأتى رد منه ولا حركة.. على إسماعيل مات.
مات فى يده ألحانه الموسيقية، مات بعد رحلة عمر قد تكون قصيرة، لكنها فى عمر الإبداع طويلة ورائعة وعظيمة، فالرجل الذى غنى وأبدع للوطن، هو نفسه الذى غنى وأبدع للحب، مات على إسماعيل بعدما صنع لنفسه وللموسيقى مادة جديدة ساهمت فى تطوير الموسيقى العربية بعدما امتلك ناصية الموهبة التى صنعت له مجده، ووضعت لنا متعة الاستماع، والسلطنة، مات الموسيقار على إسماعيل ولكن موسيقاه الجنائزية فى فيلم «الأرض» التى أبدع فيها خاصة فى مشهد «محمد أبوسويلم» الذى لعب دوره محمود المليجى وهو ينزف الدم متشبثًا بالأرض تعيش فى وجدان أجيال وراء أجيال ضمن كلمات زوجته نبيلة قنديل.. ومن ألحانه - جاءنا صوت المجموعة يغنى على دم محمد أبوسويلم ونظرات ابنته فاطمة التى لعبت دورها نجوى إبراهيم وحبيبها عبدالهادى، الذى لعب دوره عزت العلايلى فى مشهد من أجمل مشاهد السينما المصرية حيث غنت المجموعة:
الأرض لو عطشانا
نرويها بدمانا
عهد وعلينا أمانة
تفضل بالخير مليانة
ومات على إسماعيل وزوجته الشاعرة نبيلة قنديل وبقى إبداعهما يروى الأرض بالوطنية والكفاح والعمل والأمل.. على أمل أن تظل الأرض بالخير مليانة.. تلك هى الأمانة ورسالة الإبداع فى كل زمان.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.