سنوات طوال يجول بخاطرها ونسائم الأمان تهفو لوجدانها، كلما تراءت صورتها وهى رشيقة وجميلة مثلما كانت قبل زواجها وإنجابها أطفالها الثلاثة، وكادت نظرات الغمز والهمس تفتك بقلبها كلما وقع البصر عليها وقد تحولت إلى سيدة بدينة، كانت تنتابها حالة من الحزن عندما تخرج مع زوجها وتجد نفسها لم تستطع ارتداء ملابس على الموضة بسبب وزنها الزائد، كانت تشعر بأن وزنها يسبب لها عائقاً فى حياتها الأسرية، قررت أن يكون يوم «عيد الحب» هو يوم جديد لها هى وزوجها، وأن تعود الفتاه الرشيقة صاحبة القوام الجميل، وتركت لزوجها باقة من الورود ورسالة حب تقول له «زوجى الحبيب أحبك أتمنى دائماً سعادتك حتى لو كان ثمنها عمرى، أنت وأبنائى قرة عينى»، توجهت لأحد مراكز التجميل لإجراء عملية شفط دهون، ولكن ضاع حلم حياته ولم تخرج زوجة رشيقة بل خرجت جثة هامدة وتحول عيد الحب إلى مأتم! بصراخ وبكاء ردد حمدى إبراهيم، والد المجنى عليها «نورهان» أنا أصبحت يتيم نجلتى حبيبة قلبى وعمرى كله وأول فرحتى هى أول من سمعت أذنى منها كلمة «بابا» تركتنى وراحت، لا أصدق المفروض أن المواقع اتبدلت وبدلا من أنها هى التى تقف على غسلى وتصلى لى أنا، الآن سأرسلها بنفسى إلى المقبرة، وكأننى فى كابوس، بالفعل أنا فقدت نجلتى وقلبى يحترق والنار تشتعل بجسدى لأنها ماتت غدراً بسبب إهمال الأطباء فى «مجزرة التجميل» وليس مركز التجميل. «نورهان» زوجة جميلة فى ريعان شبابها وهبتها الأقدار وجهاً ملائكياً، لم تستطع بدانتها تشويه ملامحها وتمتعت بخفة الظل والقلب الأبيض حتى استحوذت على قلوب كل من حولها، حتى هذه اللحظة أتذكر يوم ولادتها كان يوماً جميلاً لم أصدق نفسى وهم يقولون لى أنت أصبحت أباً، «نورهان» كانت ليست طفلتى فقط بل كانت كل حاجة لى فى الدنيا. ابتسم الأب قائلاً: كانت أيام كثيرة والدتها تقول لى أنا أشعر بالغيرة من حبك ل«نورهان» وكأنها زوجتك الثانية، كنت أجد فيها كل شىء حلو فهى كانت لى الحب والحنان والعطاء، وكل يوم تكبر أمامى يزداد تعلقى بها، وفى يوم زواجها شعرت بالحزن لبعدها عنى ولكنى كنت سعيداً لأنها كانت سعيدة وتحب زوجها، وازداد حبى لها وتعلقى بها هى وأبناؤها الثلاثة. بكى الأب قائلاً: الحزن لم يتركنى زوجتى توفيت العام الماضى، ولكنى لم أشعر بالوحدة مثلما حدث لى الآن، وذلك لأن «نورهان» احتوتنى وكانت لى بمثابة الأم والأخت، فهى كانت تحضر لى كل يوم لتجهز متطلباتى وتتحمل كبر سنى واحتياجاتى وعصبيتى وغضبى، ولا تمل منى أو تغضب، بل كانت تأخذنى فى حضنها وكأنى طفلها وتقوم بتهدئتى، لم أشعر بالوحدة نهائياً لأنها كانت دائماً معى، ولم يشغلها أولادها وبيتها عنى، لو مرضت كانت تحضر لى وتجلس لمراعاتى وتترك كل شيء من أجلى، فهى بالفعل كانت نعم الابنة، إنهار الأب فى البكاء، مؤكداً أنا اليوم بعد وفاة «نورهان» أصبحت يتيماً بالفعل، فهى لم تحضر لى إلا فى الحلم وتقول لى سامحنى يا بابا، كان نفسى أقضى معك باقى عمرى ولكن أنا الآن فى أحسن مكان أفضل بكثير من الدنيا. تعجب الأب.. «نورهان» لم تكن أبداً تفكر فى إجراء أى عمليات جراحية للتجميل لأنها كانت قوامها جميلاً ورشيقة ولكنها بعد العمليات القيصرية ازداد وزنها، من هنا بدأت تزداد بدانتها وازداد عشقها للمأكولات والمشروبات حتى استيقظت من غفوتها خوفاً من الأمراض التى تصطحب السمنة، قررت أن تعيد رشاقتها من جديد دون علم زوجها، اشتعلت نيران الإرادة داخل عروقها وقررت أن تعلن ثورتها على الطعام وتوجهت لأطباء التغذية وعلاج السمنة بأحد مراكز التجميل بمنطقة سموحة. كانت فى البداية تعالج بالأدوية ولكن نظراً لأن وزنها كان ينقص ببطء، اقترح عليها الطبيب إجراء عملية شفط للدهون، وهى تكون نتيجة أسرع ومضمونة، وطلب 11 ألف جنيه عندما أخبرتنى رفضت خوفاً عليها، ولكنها ظلت تتوسل إلىّ وتبكى لأنها تعتقد أن هذه العملية سوف تعيد لها حياتها وتجدد شبابها مع زوجها وأطفالها، وأوهمتنى أنها سوف تتعرض لكثير من الأمراض بسبب هذه السمنة ولأننى أخاف عليها وأخشى عليها من الزعل وافقت، ونظراً لكبر سنى لم أستطع التوجه معها، طلبت من صديقتها الحضور معها وأثناء توديعها لى للذهاب للمركز شعرت بأن قلبى ينفصل عن ضلوعه، قمت باحتضانها وأنا أبكى وأقول لها «نورهان» خلى بالك من نفسك إنتِ النفس اللى بتنفسه، قامت بتقبيل يدى وذهبت لأطمئن عليها وبقيت بجوار التليفون أنتظرها تتصل بى للاطمئنان عليها، ولكن للأسف مر أكثر من 4 ساعات ليدق جرس التليفون، ودق جرس التليفون وكان صوت صديقتها، تبكى وتقول «نورهان» راحت يا عمى، لم أشعر بنفسى وأسرعت إلى الشارع استقل تاكسى، توجهت إلى مركز التجميل لأجد «نورهان» جثة هامدة على سرير المستشفى. صرخ الأب وقال فوق جثة ابنته: «بلاش عملية انتى كده حلوه تعالى أولادك وزوجك منتظرينك علشان تعملى لهم حفلة عيد الحب، بلاش هزار يا «نورهان»، إنتِ عارفة أنا بخاف عليكى قد إيه، ولكن «نورهان» لم تنهض صرخت أين الأطباء؟ لم أجد أحداً لأنهم فعلوا جريمتهم وهربوا تاركين جثتها مع ممرضة، توجهت على الفور للنيابة لاتهام الأطباء بالتسبب فى قتلها». أكد الأب أنا أعلم أن عمرى انتهى منذ لحظة وفاة «نورهان»، ولكنى لا أريد أى شىء فى الدنيا غير العدالة، وأن تحصل على حقها وتتم محاكمة هؤلاء الأطباء الذين يدعون أنهم لديهم وساطة قوية ونفوذ ولا أحد يستطيع معاقبتهم، ولكن القانون فوق الجميع ويلزم معاقبة هؤلاء حتى لا تتكرر مأساة «نورهان» مع غيرها.