أكد الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر الشريف أن مصر بلد كتب له البقاء والخلود، وشعبها فى رباط إلى يوم القيامة، وهو شعب أصيل أنقذ مصر من براثن مخطط جهنمى أريد منه تدمير مصر والمصريين، وصمد لكل التجارب التى ألمَّت به، وقد لا يكون صمود هذا الشعب نابعًا من ثقافة يتلقاها أو يتلقنها، وإنما لسرٍّ كامن فى أطوائه البعيدة يتمثل فى القيم المستكنة فى تراثه الحضارى والدينى والتاريخى. جاء ذلك فى كلمة «الطيب» اليوم خلال الاجتماع التشاورى بمشيخة الأزهر حول مبادرة تعزيز القيم والأخلاق التى يرعاها الأزهر الشريف والكنيسة المصرية، بمشاركة عدد من الوزراء ونخبة من المثقفين ورجال الإعلام والصحافة والفن، وأشار الإمام الأكبر إلى أن هذه المبادرة جاءت نتاج فكرة مشتركة بينه وبين قداسة البابا تواضروس فى جلسة من جلسات التفكير فى هموم الوطن، مبينًا أن دعوة النخبة المتميزة للاجتماع والتفكير والتدارس وتلاقح الأفكارِ والرؤى، هدفه العمل بروح الفريق على تلمس الحلول وأقرب الطرق لبعث هذه القيم فى شباب مصر وشعبها، لافتا إلى أن هناك تحديات صعبة وخطيرة وأنه مطلوب من المسئولين والخبراء والمؤسسات الكبرى القيام بما يجب تجاه هذه التحديات، وأضاف فضيلته أن تآكل قِيَم هذا الشعب النبيل بصورة مقلقة، نتيجة لِمَا تَعرَّض له فى العقود الأخيرة من تغيُّرات اجتماعية أثرت تأثيرًا مباشرًا فى منظومة القيم، وانعكست سلبًا على تماسك الشعب، لافتًا إلى أنه تاهت قيم عديدة حاكمة وانطمست معالمها على قطاع عريض من شبابنا حتى أصبح لا يعلم عنها شيئًا، وأصبح الآباء والأبناء يعيشون فى جزر معزولة: لكلٍّ رؤيته وفلسفته وعالمه الخاص، وأوضح أنه لا سبيل إلى علاج هذه الأزمة المستحكمة إلا بعودة الوعى بالقيم الأصيلة، وفى مقدمتها القيم الإنسانية المشتركة، ولا مانع من استشراف قيم حديثة ترتبط بالجذور، وتدعم مناعة الشباب فى مقاومة الأعاصير التى تهب عليه من الشرق والغرب. وأوضح الإمام الأكبر أن شباب مصر ينتمى إلى بلد «له تاريخ حضارى ضارب فى جذور الأزمان والآباد، ، وعلى أرضه شعب لا يُحسب تاريخه بعشرات السنين أو بمئاتها، بل بسبعة آلاف عام أو تزيد، وأكد أنه لا ينبغى لرموز هذا الشعب الذين يقودون مسيرته التعليمية ونهضته الثقافية والفنية والإعلامية وغيرها، أن يهوِّنوا من شأن الموروث الحضارى المدفون فى تراب مصر، والكامن المستكن فى عروق شبابها، ويظنون أنه تبدَّد وتلاشى إلى غير رجعة، مشيرًا إلى أن هذا الموروث موجود بفعل قوانين الوراثة التى لا تتخلَّف، وهو جاهز ومستعد للعودة إذا وجد مَن يبعثه من مرقده، ويوقظه فى قلوب الشباب، شريطة أن يتعاون المسئولون جميعًا –كل فى مجاله-على توفير الشروط اللازمة، والأسباب الحقيقية التى تبعث الشباب من جديد: عِلْمًا وعَمَلًا وثقافة ومسئولية وتضحية، وتشعل فى نفسه جذوة الثقة والأمل والانتماء. وأكد البابا تواضروس فى كلمته ضرورة احترام الرموز فى المجتمع ورموز البطولة فى كل مجال سواء التاريخ القريب أو البعيد وتقديمها بصورة طيبة بعيدًا عن الصراعات، وأضاف: أرفض أى عمل فنى يظهر الرموز بصورة ضحلة. وشدد البابا على أن منظومة الأخلاق والتربية تشكل قيمة عالية فى بناء المجتمع، مضيفا أن التربية تبدأ بالأم والأب والمعلم والمدرس والمؤسسة التعليمية. وقال البابا خلال كلمته أن تصحيح المنظومة والبداية للإصلاح هى من الأسرة التى تبدأ فى غرس وزرع وتأصيل القيم. وطالب «تواضروس» بضرورة احترام الطفل الذى يعتبره أغلى مادة خام موجودة على أرض مصر، موجها بضرورة احترام المرأة لأنها نصف المجتمع والمسئولة عن التربية والتأصيل لما لها من مكانة كبيرة، مؤكدا أن المرأة فى مصر هى صانعة الرجال ويجب احترام حقها فى الفهم والثقافة. أكد الدكتور محيى الدين عفيفى، الأمين العام لمجمع البحوث الإسلامية، أن الإعلام عليه دور فى دعم مسيرة الأخلاق فى المجتمع، لافتًا إلى أن اجتماع شيخ الأزهر والبابا فى مقر المشيخة يعد ترجمة عملية لخطة تجديد الخطاب الدينى. وأضاف عقب مشاركته بالاجتماع التشاورى إن تجديد الخطاب الدينى ليس حصريًا على الأزهر والكنيسة، بل يشمل كل أطياف المجتمع، مشددًا على أن كل الآراء ستكون محل تقدير واحترام. حضر الاجتماع الدكتورة نبيلة مكرم وزيرة الهجرة والشاعر فاروق جويدة، والدكتور الشربينى وزير التربية والتعليم، والدكتور أسامة العبد رئيس لجنة الشئون الدينية بمجلس النواب، ومكرم محمد أحمد نقيب الصحفيين الأسبق، والكاتب مدحت العدل، والدكتور عباس شومان وكيل الأزهر، والدكتور إبراهيم الهدهد رئيس جامعة الأزهر، والدكتور محمود حمدى زقزق وزير الأوقاف الأسبق.