حينما وصفت في مقال سابق كلام الرئيس الأميركي دونالد ترامب، في خطاب التنصيب، بأنه يتعارض مع الدستور الأميركي ويخالف القوانين الأميركية (الحياة، 1/2/2017)، فإنني كنت واثقاً أن الشعب الأميركي لن يرضى به أو يسكت عنه، فها هو، بطوائفه وأعراقه ومكوناته، وبقياداته القضائية والديبلوماسية والسياسية والإعلامية، وبنخبه الأكاديمية والفكرية والثقافية، يقف في وجه الأمر التنفيذي الذي أصدره الرئيس الأميركي الجديد بحظر مواطني سبع دول من العالم الإسلامي من دخول الولاياتالمتحدة، وها هي قيادات دول أوروبية نافذة تعرب عن رفضها هذا الإجراء، وتعتبره من قبيل السياسات العنصرية البالغة الخطورة. بل ذهبت جريدة «نيويورك تايمز» بعيداً في رفضها لأمر الرئيس ترامب، فخصصت موضوع افتتاحيتها لعدد يوم الإثنين (30/1/2017) للتنديد القوي به، تحت عنوان صريح للغاية يختصر الكلام في هذا الموضوع: «حظر ترامب للمسلمين جبان وخطير». و قالت فيه باختصار شديد، إن الأمر يعكس «كراهية الأجانب والخوف من الإسلام». ولا شك في أن أمر الرئيس ترامب هذا، هو ترجمة عملية لما قاله في خطاب التنصيب من عزمه على «محاربة الإرهاب الإسلامي المتطرف ومحوه من الأرض»، فضلاً عن أنه استكمال للأقوال المتطرفة والأفكار المتناقضة مع روح القانون الأميركي التي عبر عنها خلال حملته الانتخابية، مما يجوز معه أن نقول إنّ هذا الأمر الرئاسي ما هو إلا مقدمة للسياسة التي سيتبعها هذا الرئيس الأميركي الجديد الذي ظهر على العالم فجأة، ليزعزع الاستقرار في السياسة العالمية والعلاقات الدولية، وليدفع بسياسة بلاده نحو التطرف الغارق في اليمينية المتوحشة، التي لا تلقي اعتباراً للقيم المثلى التي قامت عليها الولاياتالمتحدة الأميركية في أول عهدها بالتأسيس. ولذلك يصح أن نقول، تبعاً للواقع الحالي، إن ما خفي سيكون أعظم خطراً وأبعد تطرفاً، وإن العالم سيرى في المواقف التي ستتخذها الإدارة الأميركية الجديدة شراً كثيراً، وإن المستقبل قد لا يكون مأموناً في ظل هذا الوضع الدولي المستجد. وفي ظل هذه الأجواء الملبدة بسحب التطرف اليميني الشرس الجارف والنزعة الشعبوية المتعجرفة الجانحة، يتعاظم الخطر الإرهابي الذي يهدد الولاياتالمتحدة في المقام الأول، قبل غيرها من دول العالم. فمن شأن هذه الأوامر الرئاسية التي يصدرها الرئيس الأميركي دونالد ترامب في شكل يومي، أن تخلق بؤراً جديدة للتوتر، وأن تؤدي إلى تأجيج الكراهية وإذكاء العنصرية والتحريض على التمييز العرقي والديني، وأن تدفع في اتجاه توسيع مساحات الاضطرابات في شتى المناطق، التي ستمهد لاندلاع أزمات قد لا يكون من السهل السيطرة عليها. فهذه السياسة لا تليق بدولة عظمى تتربع على قمة دول العالم، وأخطارها الصادمة للرأي العام الأميركي أولاً ثم الرأي العام العالمي، تتزايد باستمرار. وتلك مخاطرة ستكون لها عواقب جسيمة، ليس على المستوى الداخلي فحسب، ولكن على المستوى الخارجي أيضاً. وهو الأمر الذي يعني بصريح العبارة، أن شعوب العالم ستخسر كثيراً، وأن الشعوب العربية والإسلامية سينالها من تلك الخسارة النصيب الأكبر، ما لم تتهيأ وتعدّ العدة لمواجهة أسوأ الاحتمالات. إن العالم بعد صعود دونالد ترامب إلى سدة الحكم في الولاياتالمتحدة غيره قبله. ويخشى من انتكاسة وشيكة في السياسة العالمية، سيكون لها انعكاسات خطيرة على الأمن والسلم الدوليين. فهذا الرئيس يوصف داخل بلاده بأنه «هجومي وشعبوي وانتقامي»، وتدل ردود الفعل التي صدرت عنه تجاه الانتقادات الواسعة لأوامره على أنه «مندفع، معاند، ومتعجرف، ولا يأبه بالانتقادات التي توجه لسياسته الجديدة». وتلك علامات الخطر الذي بات يحدق بأكبر دولة في هذا العالم. فقد وصف الرئيس ترامب حكم القاضي الفيدرالي لمحكمة سياتل (ولاية واشنطن) الذي قضى بتعليق الأمر التنفيذي الرئاسي، الذي أصدره في شأن منع دخول مواطني سبع دول عربية وإسلامية إلى أميركا، وصف هذا الحكم القضائي بأنه سخيف. وتلك سابقة تضع صاحبها تحت طائلة القانون. فأول ما يعرف طلاب كليات الحقوق أن أحكام القضاء واجبة الاحترام ولا يقدح فيها. ولكن يظهر أن الرئيس الأميركي الجديد تغيب عنه هذه المعلومات الأولية. وتلك مصيبة مضاعفة. وإذا نظرنا إلى هذه الأزمة، وهي فعلاً أزمة بكل المقاييس، من منظور الفكر الحضاري، متجاوزين الفكر السياسي، سنجد أننا نواجه تراجعاً معيباً في الموقف الأميركي الذي يترتب على السياسة التي تتبعها الإدارة الأميركية الجديدة، مما ينبئ بانتكاسة بالغة الخطورة، ستضر بسمعة أميركا وبمصالحها لا محالة، وستضعف هذه الدولة العظمى، ولربما ستدفع إلى تمزيق النسيج المجتمعي الأميركي. ذلك أن ثمة نذراً تجمعت خلال الفترة الأخيرة، تؤكد للمراقب الحصيف المتأمل بعمق في الحالة الأميركية في عهد الرئيس الجديد، أن بوادر «الانتكاسة الحضارية» بدأت تلوح في الأفق، وأن الاستقرار الأميركي صار مهدداً، وبالتالي فإن الرخاء الذي يعيش المواطنون الأميركيون في كنفه، بات معرضاً للخطر، وأن السياسة العالمية، تبعاً لتلك المتغيرات، ستدخل منعطفاً لم تدخله من قبل، وأن منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، على وجه الخصوص، ستكون أكثر مناطق العالم تضرراً من هذه الانحرافات والتحولات العنيفة التي ستقع في الدولة العظمى الأولى. وليست هذه مجرد سياسة عنصرية ينهجها الرئيس دونالد ترامب، ولكنها سياسة ضد الدستور الأميركي، وميثاق الأممالمتحدة، والإعلان العالمي لحقوق الإنسان، وقبل ذلك كله هي سياسة تتعارض كلياً مع روح الرسالات السماوية، والمبادئ الإنسانية، والقيم التي بشر بها حكماء العالم وقادة الفكر والرأي عبر العصور. وهو الأمر الذي يثبت، بصورة قاطعة، أن الرئيس الأميركي دونالد ترامب، يقود سفينة جانحة وسط أمواج صاخبة. وفي ليل دامس. فهل ينقذ عقلاء أميركا وحكماؤها هذه السفينة من الغرق؟ لو قال الرئيس الأميركي إنه سيحارب الإرهاب والإرهابيين لصفّقنا له وأيدناه، لكنه قرن هذا الإرهاب بالإسلام، والإرهاب جريمة لا دين لها. وهذا هو موطن رفضنا لتصريحاته وتوجّهاته التي تدلّ على أن وراء الأكمة ما وراءها.