زيارة إلى شركة الحديد والصلب المصرية كفيلة بإثارة الشجن والحزن على ما آل إليه حال واحدة من أعظم القلاع الصناعية فى مصر. على مساحة تبلغ 2500 فدان تقع مصانع الشركة فى منطقة التبين والتى كان لوجودها وإنشائها الفضل فى قيام حياة الآلاف من العاملين وأسرهم فى مدينة عمال الحديد والصلب على مساحة 500 فدان. الصرح العظيم يعانى ويواجه منذ سنوات خسائر وتراجع وأفول لنجمه الذى كان عالياً. الزيارة الأخيرة مع الدكتور أشرف الشرقاوى وزير قطاع الأعمال العام إلى الشركة لم تكن بهدف التباكى على ما آل إليه حالها، فهى مصنفة فى خطط الوزارة من الشركات «شديدة التعثر» التى تحتاج إلى جهد غير عادى وتمويل كبير لإصلاح أوضاعها، الزيارة كانت بهدف التعرف على الوضع الحالى على الطبيعة وربطه بالخطة العاجلة للإنقاذ، ثم خطة التطوير المنتظر طرح مناقصتها الفترة القادمة. الخسائر المتواصلة أدت فى وقت من الأوقات إلى بحث أمر تصفيتها وفقاً للقانون الذى ينص على تصفية الشركات التى تتجاوز خسائرها نصف رأس المال لم يحدث هذا مرة بل مرات على مدى عدة سنوات وكانت الحديد والصلب تنجو من المقصلة بفضل رفض الجمعية العمومية التصفية لأهميتها الكبرى والتاريخ الذى تحمله. الفحم كلمة السر فى الشركة ما أن تدخل إلى أى موقع وتسأل العمال عن أحوالهم، إلا ويقول قائل عاوزين فحم لدرجة دفعت الدكتور أشرف الشرقاوى وزير قطاع الأعمال العام إلى التهكم على هذا الأمر، وقال: لو طلبت فنجان قهوة الآن فى الشركة لقالوا لى «مافيش فحم». والحقيقة أن الفحم يلعب دوراً مهماً فى معادلة استمرار الشركة فى الإنتاج لكى تعمل الأفران بكامل طاقتها، فإن الشركة فى حاجة إلى 2200 طن فحم يومياً والوضع القائم حالياً هو انخفاض كمية الفحم الموردة للشركة إلى 350 طن فحم بعد تفاقم أزمة المديونية المستحقة لشركة الكوك لدى الحديد والصلب مقابل توريد الفحم، شركة الكوك معذورة أيضاً فهى تستورد حجر إنتاج الفحم من الخارج من أوكرانيا، وقد ارتفعت الأسعار مؤخراً على الشركة الوزير تدخل بإلزام الحديد والصلب بدفع 110 ملايين جنيه إلى الكوك وهى تمثل نصف المديونية البالغة 220 مليون جنيه مقابل التزام الكوم بتوريد 700 طن يومياً فى وقت وصل فيه سعر طن الفحم إلى 6 آلاف جنيه. بدون الفحم تتوقف الأفران عن العمل، هذا ما أكده العمال ودفع أحدهم للمطالبة بإنشاء بطارية لإنتاج الفحم داخل شركة الحديد والصلب حتى لا تكون تحت رحمة شركة الكوك. وقال إن العمال مستعدون للمشاركة فى التمويل أسوة بما حدث عند حفر قناة السويس الجديدة، هذا الكلام لم يعجب الوزير الذى أكد أن كلاً من شركتى الكوك والحديد والصلب تابعان لقطاع الأعمال العام وأنه لابد من أن تحقق الشركات أرباحاً، مؤكداً أنه سيعمل على توفير الفحم لشركة الحديد والصلب وقال وقتها لن يكون لديكم حجة، خاصة بعد تحديد موعد نهائى لإنهاء العمرة الجسيمة التى تتم لفرنى 3 و4 بالشركة. وكما أشار المهندس محمد سعد نجيدة، رئيس الشركة، فإن الفرنين سيكونان جاهزين للصلب فى هذا الوقت، وهو ما دفع الوزير لتحذير رئيس الشركة، قائلاً: إما أن ينتهى العمل فى الوقت المحدد أولاً تكون معنا فى هذا الوقت. ومن أجل أن يستمر توريد الفحم بانتظام فإن الكوك أيضاً فى حاجة إلى إعادة تأهيل وتطوير للبطاريات والأفران بها وهو ما يجرى دراسته الآن. أما الأفران فى الشركة فعددها أربعة، اثنان أفران ألمانية الصنع وهى متوقفة تماماً عن العمل حالياً، والفرنان الآخران روسيا الصنع وهما 3 و4 ويعمل منهما الآن فرن 4 فقط، حيث يجرى حالياً إعادة تأهيل فرن 3 العالى والذى يعود تاريخه إلى 1976 ويقع على مساحة 1033 متراً مكعباً، وينتج بمعدل 160 طن فى الساعة ويصل ارتفاعه إلى 56 متراً، أى أن الروسى يكسب فى الحديد والصلب. مطالب أخرى، أشار إليها العمال بإعادة إنتاج حديد التسليح فى الشركة والنظر إلى هذا الأمر بعين الاعتبار فى مشروع التطوير، خاصة أن الشركة سبق لها إنتاج حديد التسليح فى الثمانينيات وللأسف توقف الإنتاج دون معرفة السبب وإن كان البعض أشار إلى أن التوقف كان لصالح القطاع الخاص. الوضع المالى فى الشركة ليس على ما يرام بعد تآكل رأس المال كما أكد الوزير، مشيراً إلى أن الشركة لأنها مقيدة فى البورصة، فقد اتخذت قراراً بفتح الاكتتاب فى زيادة رأس المال وهو ما نجح معوضاً جزءاً كبيراً من رأس المال.