التصدير حياة أو موت.. عبارة أطلقت قبل أكثر من عشر سنوات وظلت لصيقة بالتحليل الاقتصادى للتجارة الخارجية خلال أى طرح لتحقيق التنمية الاقتصادية، لكن استمرار الطرح دون ضوابط يفتح الباب لضربات خطيرة تؤثر بالسلب على الصناعة المحلية. والقراءة التفصيلية للصادرات تقول إن صادرات مصر غير النفطية بلغت نحو 20 مليار دولار خلال عام 2016، مقارنة ب18.6 مليار دولار خلال عام 2015 بزيادة بلغت نسبتها 9%. لكن الدخول فى التفاصيل أكثر يكشف لنا أن نحو 50% من الصادرات لا تنتمى للسلع تامة الصنع، بمعنى أنها خامات ومستلزمات إنتاج وسلع وسيطة. والمشكلة أن تصدير بعض الخامات والسلع الوسيطة يضر بشكل كبير بالصناعة المحلية، وهو ما دفع وزارة التجارة والصناعة فى فترات متتالية إلى إصدار قرارات بفرض رسم صادر على بعض تلك السلع. وهناك قطاعات تعانى بشكل كبير من قضية تصدير خاماتها منها على سبيل المثال قطاع الصناعات الهندسية الذى يواجه أزمة خطيرة بسبب تصدير خامات المعادن خاصة النحاس. يكشف محمد المهندس رئيس الغرفة ل«الوفد» أن الشركات المستخدمة خردة النحاس ومعظمها تعمل فى مجال المسبوكات وصناعة الخلاطات والمعدات تعانى نقصاً شديداً فى الخامات التى كان يتم شراؤها من تجار الخردة لإعادة تصنيعها، بسبب قيام التجار بتصدير كافة كميات الخردة إلى الخارج. ويشير إلى أن التوجه لتصدير خردة النحاس أدى إلى ارتفاع سعر الطن إلى نحو 80 ألف جنيه. وعلى الرغم من وجود قرار برسم صادر على كميات النحاس عند تصديرها بمقدار 15 ألف جنيه على الطن، إلا أن ارتفاع سعر الدولار يُغرى التجار وجامعى الخردة للتصدير إلى الأسواق الخارجية لتحقيق مكاسب ضخمة. ويقول «المهندس» إن هناك أكثر من مائتى مصنع متوقف بشكل مؤقت عن الإنتاج بسبب نقص الخام، وأنه لا يوجد حل سوى إصدار قرار بحظر تصدير الخردة. ويتفق المهندس محمد حنفى مدير عام غرفة الصناعات المعدنية مع مطالب «المهندس»، مؤكداً أن دول العالم الصناعية تمنع تصدير الخردة لديها، باعتبارها ثروات قومية يمكن إعادة استغلالها فى العملية التصنيعية مرة أخرى. ويضيف أن تصدير خردة باقى المعادن يمثل مشكلة فى قطاعات صناعية أخرى. قطاع الورق والكرتون يواجه مشكلة شبيهة، وطبقاً لأحمد جابر رئيس غرفة صناعات الطباعة فإن كثيراً من شركات تصنيع الورق والكرتون يعتمد فى الإنتاج على «الورق الدشت»، والذى تتم إعادة تجميعه بواسطة تجار بعينهم وبيعه إلى المصانع مرة أخرى كخامة إنتاج. ويشير «جابر» إلى أن ارتفاع أسعار الورق بعد ارتفاع سعر الدولار دفع كثيراً من التجار إلى توجيه المعروض فى السوق المحلى من ورق الدشت إلى الأسواق الخارجية. ويؤكد أن هناك رسم صادر مفروضاً على الورق الدشت يبلغ 2800 جنيه للطن لكن التغيرات الأخيرة فى أسعار الدولار تجعل التصدير أربح بالنسبة للتجار، وهو ما يؤدى إلى توقف كثير من المصانع المحلية. والحل فى تصوره لا يخرُج عن زيادة رسم الصادر على الورق الدشت أو وقف تصديره لمدة عام، خاصة أنه خامة رئيسية لكثير من المصانع. والمعروف أن مصر تعانى من فجوة كبيرة فى إنتاج الورق، وهو ما يدفع الصناعة المحلية إلى استيراد كميات كبيرة من الخارج. الأرز هو الآخر يشهد ارتفاعات كبيرة فى السوق المحلى نتيجة تصديره. ورغم وجود قرار يحظر تصدير الأرز، إلا أن رجب شحاتة رئيس شعبة صناعة الأرز يؤكد أن بعض التجار يلجأون لتهريبه عبر المنافذ الجمركية للاستفادة من العملة الصعبة، وهو ما يؤدى إلى نقص فى الأسواق وارتفاع أسعاره. مشكلة تصدير الخامات تتنوع وتأخذ أشكالاً أخرى فى قطاعات مختلفة، ففى قطاع الجلود يعانى الصناع من تصدير خامات الجلود نصف المدبوغة «الويت بلو» إلى الخارج، وهناك رسم صادر مفروض، لكنه لم يعُد مناسباً فى ظل ارتفاع سعر الدولار وتعاظم الإغراء بالتصدير إلى الخارج. وفى قطاع الرخام تتكرر نفس المشكلة، مما يدفع كثيراً من رجال الصناعة إلى التأكيد أن التصدير فى حد ذاته ليس خيراً، وإنما يتعلق الأمر أكثر بنوعية الصادرات وحجم القيمة المضافة المتحققة فى تلك الصادرات.