عاشت «ندى» بين 3 أشقاء مدللة، منذ نعومة أظافرها، التحقت بالمدرسة وكانت فرحة والدها وأمها فوق ما تتخيل، ندى راحت المدرسة ولبست «المريلة»، والدتها تستيقظ مبكرًا كى تستحم، وتجهز ملابسها الأنيقة، وتسريح ضفائر وجدائل شعرها، حباها الله بالجمال، فكانت محط إعجاب الجميع، الحتة والشارع بقرية القيس، يعشقون مداعبتها فى الرايحة والجاية، فى روح قلب أبوها وأمها. سنة ورا الثانية ندى بتكبر، وخلصت الابتدائية، نجحت بتفوق، المدرسون والتلاميذ، الكل يرى فى ندى مثال الطالبة المتميزة، فهى تعامل الجميع بكل ببراءة وشفافية، ومع انتهاء المرحلة الابتدائية وانتقالها للإعدادية، «ندى» تكبر وتكبر، طالعة زى ما بيقولوا «يومها بيومين»، صديقاتها، ولكونها مهذبة ومتميزة بالدراسة، كانوا دائمًا ما يتقربون إليها، فجمال الوجه وحلاوة اللسان، كانت بمثابة الورد التى يتكالب عليها خلايا النحل، ليمتص رحيق عبيرها الطيب، الأهل والأسرة دائمًا ما يخشون على ابنتهم، دائمًا يسألون ندى عن مواعيد الدروس والمذاكرة، ومين صديقاتك. وبحرص الأهل وحتى لا تقع ابنتهم فى المحظور، شاهدوا أن إحدى التلميذات تكثر من زيارة «ندى» سواء بحجة المذاكرة أو الذهاب والإياب للمدرسة، والدها يحذرها: «يا ندى مش عاوزك تمشى مع البنت دى، لأنى بسمع أنها مش كويسة يا بنتى».. وندى لا تدرك شيئاً سوى أنها صديقتها منذ الطفولة، ولا تعى معنى كلمة «مش كويسة»، ففى الصعيد كلمة مش كويسة، تعنى الكثير والكثير، وقد يكون الحكم عليها من خلال سيرها بالشارع بدون ربط الإيشارب، أو أن ابن الجيران صادفها وسلم عليها بالطريق، وهى ابتسمت ابتسامة عادية، هنا تكون مجالًا واسعًا لانطلاق الشائعات وبطبيعة أهل القرى الكلمة السيئة تنتشر كالنار فى الهشيم. تتكرر كل يوم تحذيرات الأم والأب، يا «ندى» قولنالك مليون مرة أقطعى علاقتك بالبنت دى، وهى تسأل طيب وهى عملت إيه معايا غلط، دى صاحبتى ومشفتش منها حاجة وحشة، يا بابا قولى عملت إيه صديقتى ريحونى، الأب والأم يصمتان، قولنالك وخلاص هى وحشة ومش كويسة وأنتى طيبة وعلى نياتك، تخرج ندى والدموع على خدودها الناعمة البرية، المتفتحة كالورد، تستقبل ندى، قطرات ندى الصباح بكل شفافية، وتلتقى صديقتها بكل بشاشة، ولا تستطيع أن تحكى لها شيئاُ، فهى لا تعرف من الأساس ما خطأ صديقتها، فين هو الغلط، صديقتى بنشترى سندويتشات سوا، وبنلعب ونحكى سوا فى الفسحة، مش شايفة يا ناس أى غلط، هى تتحدث مع نفسها وخناق الأب والأم والأشقاء يزداد ضراوة يوم ورا التانى. وفى اليوم الموعود تخرج ندى من المدرسة بصحبة صديقتها، وفى الشارع يراها والدها وينظر لها نظرة عتاب قوية، ندى تفهم المغزى، عيون والدها «حمراء»، يعنى يوم مش هيعدى، وبمجرد دخولها المنزل ينهال عليها والدها بالسباب والألفاظ الجارحة، والأمر لا يمنع من رفع الأيدى والصفع على الأيدى عدة صفعات، مش قولنالك بلاش تمشى مع البنت دى تانى، فى إيه مش راضية تسمعى الكلام، وندى تسرع لغرفتها باكية، أول مرة والدها يتعدى عليها بالضرب وأمها تقف دون دفاع عنها، اسودت الدنيا فى عيونها، وتغلق باب غرفتها على نفسها. أول مرة بابا يضربنى ويرفع إيده عليا، أنا معملتش حاجة غلط، والله لأسيب البيت وأمشى، أنا هريحهم خالص منى، لازم يعرفوا أنهم غلطوا فى حقى، وأخليهم يعيشوا فى عذاب، أنا هولع فى نفسى النار، وهنا يدخل الشيطان لا بلاش النار، اشربى أى حبوب وانتحرى، تبحث عن حبوب لتنتحر فلا تجد، تخلع عن نفسها الإيشارب وهى بالطابق الثالث وتعقد ربطة الإيشارب حول رقبتها وتثبته بمسمار حديدى داخل السقف بالطابق الثالث، وتصعد على ترابيزة ثم تقوم ندى بدفع الترابيزة، لتلفظ روحها خلال لحظات معدودة، وتترك الدنيا. تترك للأب وللأم عذاب الضمير طول العمر، تموت ندى وترحل، تاركة أهلها يرون زميلتها بدون «ندى»، الأب والأم يلاحظان غياب ندى عن المنزل، يصعدان بسرعة يحاولان فتح الباب ولكنه مغلق، يكسرونه بسرعة، ليجدا فلذة كبدهما جثة معلقة بسقف المنزل، الأم تصرخ وتنهار والأب يغشى عليه، الندم يعتصر قلبه، ولا يفيق سوى بالمستشفى، يترجل عائدًا للمنزل ويجر أذياله عذاب الضمير الذى سيظل رفيق حياته طول العمر، وهنا يفيق من غفلته، لماذا فعلت ذلك بابنتى، كان فى مليون طريقة أنصح بيها بنتى، أنا دى الوقت خسرت كل حاجة، بنتى انتحرت وزميلتها الصبح هتروح المدرسة عادى، أنا غلطان وندمان، لكن بتكلم مين ومين يسمعك، عيش مع عذاب ضميرك، ستعيش بوجع القلب طول العمر، اقتطف الموت حبيبة القلب «ندى»، ولبشاعة الواقعة وبمجرد وصول النبأ للواء فيصل دويدار، مدير أمن المنيا، ينتقل لمكان الواقعة ويأمر بسرعة التحريات ونقل الجثة لمشرحة مستشفى بنى مزار، ويروى الأب أمام وكيل النيابة: أنا اللى قتلت بنتى أيوه أنا اللى قتلتها، بس مكنتش أقصد أنا كنت خايف عليها وعاوزها تمشى مع بنات مهذبة فى مثل أخلاقها.