مهمته صعبة وحساسة امام العالم كله، وعمله بمثابة السير فوق الاشواك، فهو يتحدث باسم 193 دولة فى الوقت الذى تنتشر فيه الأحداث والأزمات على نطاق الكرة الأرضية بأكملها، وعليه اتخاذ القرارات والتحركات التى من شأنها إقرار الأمن والسلام الدوليين، وكل كلمة ينطق بها يجب أن يضعها فى ميزان حساس كالذهب بل ادق، لأى أى كلمة أو فعل يصدر منه له أثر بالغ على المستوى الدولى، كما هو مطالب بالقيام بعدة وظائف اخرى يوكلها إليه مجلس الأمن والجمعية العامة وهيئات الأممالمتحدة الرئيسية الأخرى وقبل كل هذا يعتبر خادماً للدول الأعضاء، وعليه ان يتصرف مع كل هذه الدول بعدل وحياد دون اى تحيز لصالح «الدبلوماسية الوقائية»، انه البرتغالى «انطونيو غوتيرش» الذى تم اختياره نهاية العام الماضى، وتولى مهمته منذ مطلع يناير الحالى كأمين العام للأمم المتحدة خلفاً للكورى الجنوبى «بان كى مون». ولد غوتيريش فى لشبونة عام 1949، وتخرج فى معهد الفيزياء والهندسة الكهربائية، الا انه عشق السياسة ومن اجلها تخلى عن مهنته الاساسية، وبدأ نشاطه السياسى بالمشاركة فى الثورة ضد الدكتور أنطونيو سالازار الذى حكم البرتغال لمدة أربعين عاما انتهت عام 1974، وانضم غوتيريش عام 1974 إلى الحزب الاشتراكى، وأصبح واحدًا من قادة الحزب وتقلد بعض المناصب المهمة منها منصب رئيس مكتب وزير الدولة للصناعة عام 1975، وامضى منذ ذلك الحين ما يزيد على 20 عاما فى العمل السياسى وقطاع الخدمة العامة بوطنه البرتغال، حيث انتُخب عضوا فى البرلمان البرتغالى عام 1976 ولمدة 17 عاما، ومن عام 1981 إلى عام 1983 اصبح عضوا فى الجمعية البرلمانية لمجلس أوروبا، و انتُخب رئيسا للجنة المعنية بالديموجرافيا والهجرة واللاجئين، وتم اختياره عضوا فى مجلس دولة البرتغال منذ عام 1991 إلى عام 2000، كما شغل منصب رئيس وزراء منذ عام 1995 إلى عام 2002، وكان خلال تلك الفترة يشارك بكل عزم فى الجهود الدولية من أجل حل الأزمة فى تيمور الشرقية، وفى عام 2000 أسندت إليه مهمة رئاسة المجلس الأوروبى، حيث قام بدور قيادى فى اعتماد «جدول أعمال لشبونة من أجل النمو وفرص العمل»، وشارك فى رئاسة أول مؤتمر قمة بين الاتحاد الأوروبى وإفريقيا واضطلع غوتيريش لسنوات عدة بدور نشط فى الدولية الاشتراكية، وهى منظمة عالمية تضم الأحزاب السياسية من التيار الديمقراطى الاجتماعى، واشترك فى رئاسة اللجنة الإفريقية، ولجنة التنمية فى وقت لاحق، وشغل منصب رئيس المجموعة فى الفترة من عام 1999 إلى منتصف عام 2005. وشهد غوتيرش معاناة أشد الناس ضعفاً على الأرض، سواء فى مخيمات اللاجئين أو فى مناطق الحرب، من خلال عمله كمفوض سامى لشئون اللاجئين بالأممالمتحدة فى الفترة من يونيه 2005 إلى ديسمبر 2015، حيث عايش عن قرب أخطر أزمات التشرد التى شهدها العالم منذ عقود، وادت اليها ايضا مؤخرا النزاعات فى سوريا والعراق، والأزمات فى جنوب السودان وجمهورية إفريقيا الوسطى واليمن، ما زاد عدد المشردين الذين بلا مأوى بسبب النزاعات والاضطهاد من 38 مليونًا فى عام 2005 إلى أكثر من 60 مليونًا فى عام 2015 لذا اعلن عزمه من خلال مهمته الجديد على جعل الكرامة الإنسانية فى صميم عمله، والعمل كوسيط سلام، ومدّ جسور التواصل، وتعزيز الإصلاح والابتكار. ويجيد غوتيريش اللغات البرتغالية والإنجليزية والاسبانية والفرنسية بطلاقة ما اهله إلى الانطلاق بسهولة إلى حلبة الدبلوماسية الدولية على رأسها المفوضية السامية لشئون اللاجئين بالأممالمتحدة، وقد تضاءل فى فترة إدارته للمنظمة عدد العاملين فى المكتب الرئيسى فى جنيف، بينما زاد عدد العاملين قريبا من المناطق الساخنة، ما ساهم فى تحسين الأداء، وتوجه خلال فترة إدارته أكثر من مرة إلى الدول الأكثر ثراء، مناشدا إياها عمل المزيد من أجل مساعدة اللاجئين الذين يفرون من مناطق النزاع. وغوتيريش كاث وليكى، كان متزوجا من لويزا اميليا عام 72، وكانت اخصائية لعلاج الطب النفسى للاطفال، وانجبت له طفلين هما بيدرو عام 77، ومارينا عام 85، وتوفيت هذه الزوجة اثر اصابتها بالسرطان عام 98، فتزوج مرة ثانية من كاترينا ماركيس عام 2001 وكانت تعمل وزيرة دولة فى البرتغال للثقافة ومؤخراً رئيسة الثقافة فى إمارة لشبونة، ويتساءل العالم هل يتمكن السياسى البرتغالى المخضرم من اقرار الامن والسلام العالمى والقيام بكل المهام الدولية الصعبة فى وقت تغلى فيه معظم مناطق العالم بالصراعات.