أشعر بتحسن.. وأتمنى العودة لمنزلى قريباً ثورة المصريين ضد الإخوان رحمة من ربنا.. وبلدنا نجت من فخ كبير «فى أى طريق تذهب لن يكون قدرك إلا صورة من نفسك.. حاول دائماً أن ترمم نفسك من الداخل وأن تحسن التعامل مع الناس».. بهذا المنطق وتلك القاعدة تعيش الفنانة الكبيرة «نادية لطفى»، لديها ثوابت ومبادئ تعيش عليها وترفض التفريط فيها مهما حدث، فهى تختلف كثيراً عن بنات جيلها، فلم تجبرها أضواء الشهرة القريبة والبعيدة على تقديم تنازلات، ولم تنظر إلى الشهرة باعتبارها الغاية الأسمى، تعاملت مع الفن بمنطق المستغنى ولذا قدمت أعمالاً رائعة واحترمها الجمهور ومنحها مساحة كبيرة فى قلبه، من يتأمل أرشيف نادية لطفى الفنى لن يجد عملاً شبه الآخر، هى المتحررة والجريئة فى «النضارة السوداء» والمسيحية الناعمة فى «صلاح الدين».. كل من اقترب منها أكد أن لديها شخصية مبهرة، وأنها شغوفة بالقراءة إلى حد الهيام، ولا تخاف من الإعلان عن رأيها ولو كلفها ذلك الدخول فى صدام مع من تحب. منذ أيام تدهورت الحالة الصحية للفنانة الكبيرة وأجبرها المرض على ملازمة الفراش، وبناء على نصيحة الأطباء تم نقلها إلى مستشفى المعادى العسكرى، وهناك تحظى باهتمام كبير، حاولت كثيراً المرور إلى غرفتها وباءت المحاولات بالفشل، ولم يكن أمامى إلا الاتصال بها عبر هاتفها المحمول من أجل الاطمئنان عليها وسؤالها عن تطورات حالتها الصحية، وبعد إلحاح فى الاتصال ردت نادية لطفى على التليفون كان صوتها قوياً ويحمل علامات التعافى، قلت لها: كل الجمهور مهموم بالسؤال عنك، ومهتم بالاطمئنان على حالتك.. فردت بصوت مفعم بالفرح قائلة: بلغهم إنهم وحشونى، ثم توقفت عن الكلام، سألتها لماذا السكوت فردت دون تفكير: الفنان بدون الناس لا يساوى أى شىء، الجمهور هو الذى يمنح الفنان القيمة هو الذى يصفق له إذا أجاد وهو الذى يلومه ويلقى عليه بالعتاب إذا أخطأ. جمهورك العريض أسعده خبر خروجك فى المستشفى والعودة إلى المنزل.. هل هذا الخبر حقيقى؟ - تضحك بصوت هادئ.. الحمد لله أن الشائعات التى تحوم حولى إيجابية وليست سيئة، لكن بصراحة شديدة ما زلت فى مستشفى المعادى العسكرى أتلقى العلاج وأشعر بتحسن شديد، وأتمنى العودة إلى منزلى قريباً، المرض محنة قاسية يقف أمامها الإنسان بلا حول ولا قوة، لكن فى كل الأحوال يجب أن نحمد الله ونتعامل مع القضاء والقدر بصدر رحب. بصراحة شديدة.. هل هناك ناس انتظرتهم نادية لطفى ولم يأتوا لزيارتها؟ - أنا تعودت منذ صغر سنى على الصراحة ودائماً أقول لنفسى لا يوجد داعى أو سبب حتى يكذب الإنسان، ولا أبالغ إذا قلت إن عشمى فى كل الناس كان فى محله، كل الناس سألت عنى ونقيب الممثلين الدكتور أشرف زكى يتابع حالتى باهتمام شديد ولا يتأخر فى السؤال عنى. مع التقدم فى العمر تجرأت التجاعيد على الوجه.. فهل تقفين كثيراً أمام صور الصبا والجمال؟ - أنا بالفعل أقف أمام ألبوم صورى القديمة، لأن الصورة دائماً تحمل ذكرى قد تكون ذكرى جميلة أو مؤلمة، ولكن لا أقف أمام صورى القديمة بدافع الحسرة على أيام جميلة مضت أو جمال الصبا الذى ذهب مع التقدم فى العمر، لأننى طوال حياتى لم أشعر بأننى جميلة كنت أشعر أننى بنت عادية، ولم أعتمد على جمالى فى بناء اسمى، عشت طول حياتى مؤمنة بأن الإنسان بشخصيته التى يبنيها ويشيدها ولا بأى شىء آخر، لذا أنا سعيدة بشكلى الآن فلكل مرحلة عمرية جمالها وسحرها. هل تغيرت شخصية نادية لطفى.. أقصد هل هناك اختلاف بين تكوين الصبا والمرحلة التى تعيشينها الآن؟ - لم أتغير والحمد لله، تعلمت وتربيت على ثوابت معينة ولم تتغير رغم ظروف الحياة الصعبة والتحولات الكثيرة التى تطرأ على حياتنا، لست ملاكاً ضل الطريق إلى دنيا البشر ولكنى إنسان لديه مجموعة من المبادئ والأفكار والثوابت ولم أفرط فيها، أنا كما أنا لم أتغير.. لكن تقدر تقول إن سنوات العمر منحتنى الخبرة والحكمة وأكسبتنى موهبة التخلى عن الأشياء. فى أرشيفك الفنى أعمال كثيرة.. هل هناك بينها أعمال تدعو للندم؟ - الحكم دائماً يبقى للجمهور، لأنه صاحب الرأى والرؤية وبمنطق الأشياء لست راضية عن كل أعمالى الفنية، هناك أعمال قدمتها فى البدايات ليست رائعة المحتوى ولكن مع الخبرة أصبحت أمتلك القدرة على الفرز والاختيار وأدركت أن الفن الجيد الذى يحمل فكرة يعيش مع الناس أما الفن السطحى سرعان ما يختفى ويزول. المنافسة دائماً تخلق حالة من العداء.. هل خسرت صديقات بسبب المنافسة؟ - العاقل هو الذى يدرك أن العلاقات الإنسانية هى التى تعيش وتبقى، لكن الغيرة تخلق عداء، عشت بين زميلاتى حياة هادئة وبدون أى منغصات ولا أتذكر يوم أننى خسرت زميلة أو زميلاً بسبب الخلاف فى العمل. تردد أن علاقتك بالفنانة الراحلة سعاد حسنى كانت رائعة وبعد ذلك تغيرت بسبب الغيرة؟ - هذا الكلام لا يمت للحقيقة بصلة، سعاد حسنى كانت إنسانة جميلة عملت معها فى أكثر من عمل ولم يحدث بينى وبينها أى خلاف، وكانت علاقتنا طيبة صداقة فقط ولم أتدخل فى حياتها الشخصية وهى أيضاً كانت تحترم حياتى الخاصة. وحزنت جداً على فراقها وموتها خارج مصر، ربنا يرحمها، فقد رحلت عن الدنيا فى مشهد حزين. من الممثلة التى تشبهك من بنات الجيل الجديد؟ - لا يوجد أحد شديد الشبه بالآخر، أنا معجبة بكل الممثلات الموجودات الآن، ولكن أزمة هذا الجيل فى النص الجيد، هذا الجيل لديه كل الإمكانيات التى تؤهله لعمل سينما رائعة، المواهب موجودة، فى التمثيل والإضاءة والديكور لكن نعانى من فقر فى الكتابة، الجيل الجديد يحتاج إلى مبدعين يناقشون قضايا الوطن بطرق سهلة وعميقة، ولا تنسى أن الجمهور فى هذه الأيام أصبح واعياً جداً وقادراً على الفرز والاختيار. الموت.. هل تخاف نادية لطفى الموت؟ - الموت هو الحقيقة الوحيدة فى حياتنا.. للكاتب الكبير نجيب محفوظ جملة رائعة يقول فيها الخوف من الموت لا يمنع الموت لكنه يمنع الحياة.. أنا مؤمنة بتلك الجملة إلى حد اليقين، أفعل ما يرضى ضميرى ولا أحمل إلا الخير فى قلبى لكل الناس فلماذا أخاف الموت. شهدت حياتك العديد من الأحداث السياسية، أى منها أثر فيك؟ - عشت أحداثاً سياسية كثيرة منها الحلو والوحش ولكن أكثر لحظات العمر مرارة هى لحظة النكسة فى عام 67، كانت لحظة مؤلمة إلى حد كبير، أحسست أن الزمن توقف وأن مصر ضاعت ولن تعود، لأن عبدالناصر فى تلك الأيام بالغ فى كلامه وبالغ فى أحلامه وعندما جاءت المعركة اكتشفنا أن كل ما ردده «عبدالناصر» كان «كلام فى كلام». إذا كانت النكسة هى أكثر لحظات حياتك مرارة فما هى اللحظة الحلوة بالنسبة لك؟ - انتصار أكتوبر.. أفضل لحظات عمرى، أنا من محبى السادات فهو رجل الحرب والسلام وصانع العبور، كانت الروح الانهزامية تسيطر علينا بعد النكسة ولا توجد مساحة للحلم أو الخيال، وعندما جاء العبور أعاد لنا الأمل الغائب، مصر عانت كثيراً والحمد لله ربنا حفظها. وماذا عن ثورة 25 يناير وعام الإخوان؟ - ثورة 25 يناير خرج الشعب المصرى باحثاً عن حياة كريمة وعدالة اجتماعية، ولكن الحظ السيئ جاء بالإخوان إلى الحكم، ولا أبالغ إذا قلت إننى كنت على يقين بأن تجربة الإخوان لن تدوم كثيراً فقد كنت أضحك عندما أشاهد الرئيس الأسبق محمد مرسى يتحدث، مصر كانت أكبر منه بكثير ومن رحمة ربنا أن قامت ثورة لتصحيح المسار وجاء الرئيس عبدالفتاح السيسى إلى حكم مصر، هذا الرجل وطنى إلى حد كبير ومخلص ولديه حلم وعلى الشعب أن يتحلى بالصبر لأن المهمة كبيرة. من الممثلون الذين يستوقفك أداؤهم الفنى؟ - كما قلت فى موضع سابق الجيل الجديد لديه موهب ولكن يوجد على الساحة الفنية نجوم من العيار الثقيل مثل الفنان المحترم يحيى الفخرانى الذى يمتلك موهبة فى انتقاء أدواره الفنية وعندما تجلس أمامه تدرك جيداً أنك سوف تشاهد عملاً فنياً مختلفاً ويحمل كل مواصفات وعناصر الجودة.. ويسرا أيضاً فنانة كبيرة موهوبة وسعيدة أيضاً بقدرة عادل إمام على الاحتفاظ بنجوميته وبحضوره حتى الآن فهو فنان ذكى وموهوب. ما شعورك عندما جاءت قرينة الرئيس لزيارتك؟ - إحساس لا يحتاج إلى وصف بالكلمات.. كنت فى غاية الفرح فهى شخصية رائعة، ولا أبالغ إذا قلت إن زيارة قرينة الرئيس منحتنى فرحة كبيرة ورفعت من مؤشر روحى المعنوية جداً، كانت ودودة ورقيقة فى السؤال عنى.. لذا أنا سعيدة بهذه الزيارة. هل تشعر نادية لطفى بأن بلدها كرمها بما يليق بها؟ - مصر منحتنى أكثر مما أستحق.. تم تكريمى من بلدى كثيراً وفخورة بذلك لأن مصر هى الحضن الكبير، وأكبر دليل على إحساس بلدى بوجودى هو زيارة قرينة الرئيس لى. ما رأيك فى حال مصر الآن؟ - مصر بخير وستظل بخير مهما حاول الكارهون جرها ودفعها إلى مشاكل.. لقد استطاع السيسى أن يعبر بنا إلى بر الأمان وعلينا أن نصبر لأن البناء صعب ويحتاج إلى جهد وصبر، ولو تأملت حال عالمنا العربى الآن سوف تدرك جيداً أن مصر نجت من فخ كبير وعميق.