في زيارة لوزير العدل الي إحدي المحاكم بسوهاج رأي خلية نحل لا تهدأ ونظاما مريحا وناجزا لكل المتعاملين مع المحكمة فشعر الوزير أن من واجبه أن يشكر رئيس هذه المحكمة علي حسن قيادته وأدائه لعمله فدخل الوزير الي مكتب التليغراف بمحطة القطار وأرسل بقرية شكر لرئيس المحكمة، وفي اليوم الثاني فوجئ الوزير برئيس المحكمة يعيد إليه برقية الشكر مرة أخري مع كتابة جملة جديدة من المستشار يقول فيها للوزير نعتذر عن عدم قبول الشكر لأن من يملك الشكر يملك الذم وسيادتكم لا تملك لا هذه ولا ذاك!! لم يكن تصرف القاضي الجليل من باب الجليطة وقلة الذوق وإنما كان لإقرار مبدأ مهم وهو أن القضاء لا يقبل شكرا من أحد ولا ذما من آخر، ولا يجوز لكائن من كان أن يتدخل في عمله أويعلق علي أحكامه. أذكر هذه المقدمة الطويلة من أجل تذكير الناس بمدي جرم التدخل في أعمال القضاء وأحكامه والتي اعتبرها القانون جريمة كبري فبالأمس القريب أصدرت محكمة السيدة زينب حكمها في القضية التي تعارف الإعلام علي تسميتها بقتل الثوار ببراءة الضباط ومعاونيهم من التهمة واعتبرت المحكمة القضية دفاعا شرعيا عن النفس والممتلكات العامة التي هي أقسام الشرطة، بل وذكرت المحكمة أن من يحمل سلاحا أو «مولوتوف» لا يعد متظاهرا، وما إن أعلن الحكم حتي قامت القيامة في مصر وتسابق الجميع في إدانة الحكم القضائي والتشكيك في قضاء مصر الشامخ.. وأنا هنا يمن لي أن ألتمس العذر لأهالي الضحايا بحكم العاطفة وفداحة الألم، لكنني أبدا لا يمكن أن ألتمس أي عذر لمن يسمون بالنخبة التي يفترض فيها العقل والحكمة، وبعضهم من المحامين فكيف لهؤلاء أن يسابقوا العوام والدهماء، في شجب الحكم القضائي والتشكيك فيه، وهي جريمة لولا كثرة مرتكبيها لزج بمرتكبيها في غياهب السجن، فالحكم عنوان الحقيقة، وهناك طرق معلومة ومعروفة للطعن في الأحكام القضائية، أما تنظيم المسيرات الي مكتب النائب العام والدعوة لاعتصامات بل وتشكيل محاكم ثورية في التحرير فهي دعوات جاهلة وآثمة وتعد محاولة حسيسة للتأثير علي القضاة الذين ينظرون باقي القضايا الخاصة بضحايا الثورة. ويكفي أن يذكر أن النيابة العامة لم تقدم الرئيس المخلوع ورفاقه للمحاكمة إلا بتهمة قتل 190 متظاهرا فقط وعللت ذلك بأن هؤلاء هم شهداء ميدان التحرير وميادين التحرير في كافة المحافظات أما باقي الضحايا ال800 فقد قتلوا أمام الأقسام ومديريات الأمن، إذن النيابة العامة التي تنوب عن الشعب في رفع القضايا لم تعتبر كل من قتل في الثورة المجيدة شهيدا إلا قتلي الميادين أما من مات وهو يهاجم الأقسام ومديريات الأمن بغرض إحراقها، ونهب محتوياتها من الأسلحة والذخيرة وحتي المراوح وأجهزة التكييف والمكاتب والسجاجيد فلا يمكن اعتبارهم شهداء، وإلا اعتبرنا الضابط والجندي الذي يدافع عن مكان عمله بلطجيا قاتلا!! أقول هذا الكلام لمن احترفوا المتاجرة بدم الشهداء يا سادة يجب وضع الأمور في نصابها كفانا تزييفا للحقائق وإطلاق الألقاب وإلنياشين علي كل من هب ودب، فلا يمكن أبدا أن ننظر للمرحوم «سوكة» الهجام علي أنه شهيد ونطلق اسمه علي الشارع الذي يسكنه، لأن صحيفة سوابقه ستكون أطول من الشارع المسمي باسمه.. فالشهيد لا يختلف عليه أحد ودماؤهم في رقبتنا جميعا حكاما ومحكومين.. لكن الأحكام القضائية هي عنوان الحقيقة ولا تصدر بناء علي رغبة الجماهير.. أرجوكم تعقلوا لأن كل أفعالكم وجرائمكم كوم والتدخل في عمل القضاء كوم آخر تماما.