أوباما في أيام ولايته الأخيرة كالثمل في الساعات الأخيرة في الحفلة يحطم الكراسي ويقلب الطاولات على رؤوس المدعوين رافضًا المغادرة بهدوء. إذ قام قبل أيام من مغادرته البيت الأبيض بالإضرار بمعظم العلاقات التاريخية مع حلفاء الولاياتالمتحدة عدا إيران!! ففي أسبوع واحد قام بطرد 35 دبلوماسيًا روسيًا في حركة انفعالية شكك بوتين في فعاليتها نظرًا لأنها تأتي قبل ثلاثة أسابيع من موعد تسليم العهدة لترامب. كما قام بإغضاب الإسرائيليين (الحسنة الوحيدة التي فعلها) ووصف نتنياهو خطاب كيري الوداعي بالمهووس. أما أكثر قراراته الأخيرة ضررًا بالحلفاء فهو القرار الذي اتخذه معاكسًا لكل نصائح جنرالاته العسكريين بعدم التورط مع التنظيمات الشيعية الإيرانية في العراق أو ما يسمى ب«الحشد الشعبي» حتى وإن ضمت الحكومة العراقية هذا الحشد للقوات النظامية أو الجيش العراقي، فتلك التنظيمات هي ميليشيات إيرانية بامتياز يقودها قاسم سليماني بنفسه! فتحولت الولاياتالمتحدة إلى عنصر تهديد للأمن في منطقة الخليج، بعد أن قبلت أن تكون مدربًا فعليًا للقوات الإيرانية الموجودة على الأراضي العربية، إذ لا يمكن اعتبار تنظيمات كميليشيات بدر على سبيل المثال التابعة للحشد الشعبي إلا قوات إيرانية. فهادي العامري زعيم منظمة بدر ملوثة يده بدماء العراقيين، فهو يدير غرفة عمليات خاصة بالميليشيات في الفلوجة، منفصلة عن غرفة عمليات الجيش العراقي، حيث يقول مراقبون إن الأوامر حول العمليات والمعارك تصدر من هذه الغرفة وبإشراف من سليماني نفسه. وأفادت تقارير بأن اللغة المتداولة بين ميليشيات الحشد الشعبي العراقية وقادة الحرس الثوري الإيراني عبر أجهزة اللاسلكي هي «الفارسية»، بينما تتوسط غرفة العمليات صور للخميني، مؤسس نظام الجمهورية الإسلامية في إيران، وشعارات وهتافات طائفية يطلقها عناصر الميليشيات أثناء كل معركة، كما جاء في (العربية نت). ورغم تحذيرات أطلقها معظم الجنرالات العسكريين الأميركيين من تنامي الخطر الإيراني في منطقة الشرق الأوسط وتمدده بواسطة تسليح التنظيمات الشيعية في أربع دول عربية (العراق وسوريا ولبنان واليمن)، ورغم ثبات الدعم الإيراني لميليشيات الحشد الشعبي، فإن أوباما أصر في أيامه الأخيرة على معاكسة نصائح جنرالاته، محاولاً تحقيق أي نصر قبل مغادرته البيت الأبيض على الأقل إن لم يكن في «الرقة» ففي الموصل! فالجنرال ديمبسي رئيس هيئة الأركان حذره من خطر الميليشيات الشيعية، وكذلك فعل الجنرال ديفيد بترايوس قائد سلاح الدبابات ورئيس الاستخبارات الأميركية السابق في تصريح له نشر في مارس (آذار) العام الماضي قال فيه بالحرف «إن تجاوزات الميليشيات الشيعية ضد المدنيين السنة تشكل تهديدًا لكل الجهود الرامية إلى جعل المكون السني جزءًا من الحل في العراق وليس عاملاً للفشل». وأكد أن تنظيم داعش لا يمثل الخطر الأول بالنسبة لأمن العراق والمنطقة، «لأنه في طريقه للهزيمة، لكن الخطر الأشد يأتي من الميليشيات الشيعية المدعومة من إيران»، على حد تعبيره. وكذلك فعل الجنرال ماتيس الذي اختاره ترامب وزيرًا للدفاع والملقب بالكلب المجنون، ويرى هو الآخر أن إيران هي المهدد الرئيسي لأمن المنطقة. صم أوباما أذنيه عن جميع تلك التحذيرات وقام بإقحام الولاياتالمتحدة في الصراع الطائفي لا في العراق فحسب بل في المنطقة بأسرها، وأمر القوات الأميركية بتدريب تلك التنظيمات الممولة من قبل إيران! فقد نشرت صحيفة «لوس أنجليس تايمز» مؤخرًا في عددها بتاريخ 14 ديسمبر (كانون الأول) عن بدء القوات التي تقودها الولاياتالمتحدة في العراق في تسليح وتدريب المئات من المقاتلين المنتمين لميليشيات شيعية معروفة تاريخيًا بعلاقاتها بإيران، وأشارت إلى أن الميليشيات الطائفية يجري تدريبها لعملية استعادة مدينة الموصل العراقية. وفي الوقت الذي ما زال فيه مستقبل الموصل غير واضح، فإن هذا الجهد التعاوني من المتوقع أن يقوي القوات الشيعية عسكريًا وسياسيًا. وأضافت أن الولاياتالمتحدة زودت عناصر تلك الميليشيات بمئات البنادق والتدريب خلال الأسابيع الأخيرة، في مؤشر على مستوى جديد من التعاون، على الرغم من تحرك المسؤولين العسكريين الأميركيين سريعا للتقليل من شأن ذلك، من خلال الحديث عن أن المقاتلين الحاليين المدربين لا تربطهم علاقات بمجموعات مدعومة من إيران والتي استهدفت الأميركيين في الماضي. وعلى الرغم من تأكيد المتحدث باسم الجيش الأميركي في بغداد جون دوريان على أن من ينضمون للتدريب يتم فحصهم أولاً لضمان عدم ارتباطهم بميليشيات ملوثة أيديها بدم أميركيين أو على صلة بالحكومة الإيرانية، فإن مسؤولين أميركيين اعترفوا بصعوبة الفحص الكامل لكل أفراد الميليشيات، كما أن القيادة الرئيسية للقوات الشيعية من بينها أشخاص صنفوا إرهابيين من قبل الولايات المتحدة. ووفقًا لخبراء فإن العراق به ما لا يقل عن 40 ميليشيا مسلحة بها من 80 إلى 100 ألف عضو نشط (المرصد الاستراتيجي). بمعنى أن أوباما لم يكتفِ بالتغاضي عن التمدد الإيراني في المنطقة طوال فترة ولايته، بل شارك في أيامه الأخيرة بتدريب قواتها، كأنه يقول لترامب لن أجعلك تهنأ بالأيام الأولى من ولايتك، إذ عليك أن تنشغل بالفوضى التي سأخلفها بعد رحيلي. نقلا عن صحيفة الشرق الأوسط