شكلت حياة السيد المسيح، منذ مولده إلهاماً روحياً للفنانيين التشكيليين المصريين بغض النظر عن انتماءاتهم الدينية، حيث تفننوا فى تسجيل حياته المباركة باللون والرمز، تعبيراً عن إيمانهم العميق بحياته النقية ورحلته نحو الحقيقة والعدل والرحمة الإنسانية. ولا يزال مفتاح الحياة «علامة عنخ» فى الحضارة الفرعونية القديمة الذى يشبه الصليب «ولكن الجزء العلوى منه يأخذ الشكل البيضاوى»، يستخدم محل الصليب فى الديانة المسيحية إلى الآن، حيث رسم حوله أول وآخر حرف من حروف الكتابة القبطية رمزاً للسيد المسيح، كما نجد شكل حيوان الأرنب الموجود فى الكتابة الهيروغليفية وقد استخدم كعنصر زخرفى فى زخرفة المنسوجات، كذلك الحمام والسمك ونبات العنب، واستخدمت الكتابة القبطية فى الزخرفة مثلما كانت الكتابة الهيروغليفية. ولقد عشق المصريون الحياة القصيرة للسيد «المسيح» فبدت معظم الرموز التى استخدمت للكناية عن الديانة المسيحية مرتبطة بالسيد المسيح، والسيدة العذراء، ويوم القيامة، ورمز النقاء، ورمز القوة، وتضحية السيد المسيح، وطهر السيدة العذراء، ومنها أيضاً ما يرمز إلى التشاؤم كطائر البوم، وإلى الشر والكراهية والشيطان كالحية. تتابع رحلة الفنان التشكيلى المصرى فى حبه للسيد المسيح من خلال مئات اللوحات التشكيلية عبر سنوات وأزمنة متعاقبة ولعل من أشهر هؤلاء المصريين الفنان التشكيلى الكبير «راغب عياد» المولود عام 1892 بالقاهرة وكان من أوائل الملتحقين بكلية الفنون الجميلة سنة 1908. وتمثل لوحته الشهيرة «الميلاد أو رحلة العائلة المقدسة» التى ترجع إلى عام 1961، والتى تعد تكثيفاً لفن راغب عياد ورؤيته، حيث تتجلى التعبيرية المصرية حسبما تقول الناقدة «شيرويت شافعى»، فى بناء اللوحة ذاتها ومشهدية العمل الذى يصور مستويات عدة يعكس أولها مشهداً تعبيرياً للعذراء مريم والسيد المسيح طفلاً يحيط بهما الفلاحون وتشى حركات الأجساد الممشوقة مع حركات اليد بأن هناك طقساً دينياً ومباركة للميلاد المجيد، ويعكس المستوى الثانى من اللوحة ما تصوره من جمال البيئة الصحراوية المصرية، أما المستوى الثالث فيصور الكنيسة تحتضنها الطبيعة الصعيدية «حيث حلت العائلة المقدسة» متجسدة فى نهر النيل والنخيل.. راح «عياد» يفتش فى رسوم المعابد ليبدع أعمالاً هى امتداد مقطر للجماليات الفرعونية والفن القبطي، حيث ظهرت لوحاته وقد سيطر عليها اللون الذهبى وهو لون الصحراء تحت قيظ الشمس الملتهبة لكنه يعكس أيضاً وفى ذات الوقت التأثر بالفنان القبطى القديم الذى طالما لجأ إلى الألوان المذهبة فى رسمه للأيقونات والشخصيات المقدسة داخل الكنيسة تحيط بها هالة من نور. وكذلك لوحتا «راغب»: «الدير» و«الغناء أو الترانيم»، تعكس الأولى بخطوطها المعمارية وألوانها الهادئة المائلة إلى لون الصحراء حالة من الروحانية والزهد والتقشف جديرة بموضوع الدير نفسه، وعلى نقيضها إلى حد ما تقف لوحة الترانيم على الاحتفالات والطقوس البهيجة داخل الكنيسة. أما الفنانة التشكيلية «مرجريت نخلة» المولودة عام 1908 فى الإسكندرية لعائلة لبنانية هاجرت إلى مصر من أجل العمل فى التجارة أواخر القرن التاسع عشر، فتعتبر من أهم فنانات الجيل الثانى بعد جيل الرواد فى الفن المصرى الحديث فهى أستاذة أجيال تألقت من بين الفنانات المصريات.. أسلوبها فى الرسم يصور الواقع بلمسات تأثرية، تمارس الفن التعبيرى وتسجل الأثر المباغت الذى ينجم عن الرؤية السريعة والنظرة الفاحصة وقوة الملاحظة وتحليل العوامل التى تتأثر بها النفس بعد أن تطبع صور الأشكال عليها والقدرة على إخراج هذه المشاهدات بألوان وخطوط سريعة التنفيذ. فى عام 1965 منحتها مصر منحة التفرغ ومع تفرغها اتجهت إلى الأعمال الدينية وزاد طلب الكنائس على لوحاتها وكلفتها الكنيسة بعمل 12 لوحة ذات طابع دينى، نفذتها بتكليف من كنيسة العذراء فى القاهرة. مشاهد لوحات «مرجريت نخلة» مستوحاة من قصص الكتاب المقدس، غير أن الفنانة أزالت من ذاكرتها الصور التى أنجزها فنانو عصر النهضة مستلهمين القصص ذاتها لتحتفى بالحياة من حولها ولتقتبس من تلك الحياة صور الناس العاديين وتضفى على وجوههم مسحة من نور لذلك لا تذكر لوحتها «العشاء الأخير» بلوحة دافنشى الشهيرة. فالسيد «المسيح» عند الفنانة التشكيلية «مرجريت نخلة» مصرى وحواريوه مصريون. لم تقتصر محبة السيد المسيح ومولده وحياته على الفنانين التشكيليين المصريين المسيحيين فقط، بل كان هناك العديد من الفنانين التشكيليين المسلمين الذين تأثروا بالحياة الروحية للسيد المسيح ورحلته المباركة إلى أرض مصر، معبرين فى لوحاتهم عن هذا التناغم الدينى الفريد بين المصريين، ولعل إبداعات الفنانة التشكيلية «وفيقة مصطفى» عضو جمعية محبى التراث القبطى التى استطاعت فى لوحتها الشهيرة التى تعبر فيها عن تكوين لمجموعة الكنائس مزجت خلاله بين عدة مدارس فنية كالواقعية الرمزية والتجريدية مستخدمة خامة «كيموجرانو» فى تصميم بنائى هندسى ذات الثراء والتوافق اللونى مع اعتبارات الظل والنور للإيحاء بالإيقاع الروحانى لرهبة الكنيسة وقدسيتها فى الوجدان المصرى.