سعيد حلمى: القصر تحفة معمارية وسيتم ترميمه وإخضاعه لقانون الآثار الحى أنكر علاقته بالسرقات.. والبلطجية نهبوا الرخام 24 فداناً هى إجمالى مساحة قصر الخديو توفيق فى حلوان، والذى شهد قديماً توافد الأمراء والباشوات عليه للاستجمام، ليتحول فى الآونة الأخيرة إلى وكر للمجرمين والبلطجية. هذا القصر وصل لحالة يرثى لها، بعد أن طالته يد الإهمال وظل لسنوات طويلة غير خاضع لقانون الآثار، فتركه المسئولون عرضة للنهب والسرقة، ولم يتبق منه سوى حطام لحوائط وجدران متساقطة. المسئولون بوزارة الآثار أكدوا ضرورة ترميم القصر، وإخضاعه لقانون الآثار، فى الوقت الذى يرى الخبراء أن القصر يحتاج ما لا يقل عن 35 مليون جنيه لإعادته إلى ما كان عليه. تعود قصة هذا القصر لعام 1886 عندما شيده الخديو توفيق لزوجته أمينة هانم التى اشترته بمبلغ 6 آلاف جنيه ذهبية، وتم بناؤه بتكلفة مالية بلغت وقتها 150 جنيه ذهب، ليصبح تحفة معمارية فى حلوان، هذا القصر الكبير شيد على مساحة 24 فدانًا، ويتكون من مبنيين أحدهما للحرملك، ويضم طابقين وبدروماً، وسقفاً ذا طراز معمارى، وأرضيات من الباركيه، فضلاً عن عدد كبير من الغرف الملكية التى كانت تزينها النقوش المزخرفة، وسراديب تحت الأرض، بخلاف مبانٍ أخرى داخل نطاق القصر، وكانت خاصة بالخدم والمطابخ والأسطبلات. وقد اهتم الخديو توفيق بالقصر، وكان يذهب إليه مرتين كل شهر للاستجمام وإقامة الحفلات وسماع الموسيقى، وبعد احتراق سراى عابدين عام 1891، انتقل الخديو توفيق للإقامة فى هذا القصر، إلى أن توفى فيه عام 1892، وشهد هذا القصر زواج خديجة ابنه الخديو توفيق من عباس باشا عام 1895. وفى عهد الملك فؤاد بدأت أحوال القصر تتدهور، إذ تم اقتطاع جزء من القصر وتحويله لمدرسة ثانوية للبنين عام 1930، ثم تحول لمدرسة تجارية، ثم لمستشفى، فساءت أحواله وتهدمت جدرانه، وأصبح آيلاً للسقوط، حتى قامت محافظة القاهرة بإخلائه ليصبح قصراً مهجوراً تسكنه الأشباح، خصوصاً أن هذا القصر ظل على مدار السنوات الماضية غير مسجل فى عداد الآثار الإسلامية والقبطية، ولا يخضع لقانون حماية الآثار، بل كان مسجلاً ضمن المبانى ذات الطراز المعمارى المتميز، ويخضع لمحافظة القاهرة، التى تسعى الآن لإعادة ترميمه تمهيداً لتسجيله وإخضاعه لقانون الآثار، بعد أن تزايدت شكاوى المواطنين من تحول القصر لمسكن لأطفال الشوارع، مما يهدد أمن وسلامة المواطنين وسكان المنطقة بأكملها. أكوام من الحجارة وعندما تجولنا حول قصر الخديو توفيق الذى يقع خلف المستشفى العام بحلوان، والذى تحيطه الأشجار والقمامة، لم نجد منه سوى بقايا وأطلال لقصر، كان بمثابة تحفة معمارية فى العهد الملكى، وعندما قصدنا دخول القصر لم يمنعنا أحد.. فالدخول متاح للجميع. فالمبنى المتبقى لا يوجد من يتولى حراسته، فكل شىء بالقصر تمت سرقته بالكامل. فحتى عام 2009 الماضى كانت غرف القصر تحتوى على شبابيك خشبية، فضلاً عن السلالم الرخامية، والتى سرقت جميعها، وتساقطت النقوش الأثرية من جدران الغرف الملكية، ومن الجانب الخلفى للقصر لم نجد سوى أكوام من الحجارة التى سقطت بعد أن تداعت أجزاء منه للسقوط وقد أحاطت بها القمامة والحشرات والزواحف. هذا الإهمال الذى طال القصر طوال السنوات الماضية، ساهم فى تحويل هذا القصر لمأوى للبلطجية وأطفال الشوارع، لتعاطى المخدرات ليلاً، فهؤلاء الأشخاص هم أكثر دراية بخبايا السراديب الموجودة تحت القصر والتى حولوها لأوكار ليلية. قصر الأشباح ومن أمام القصر تحدث معنا أحد سكان المنطقة، مؤكداً أن هذا المكان أصبح مخيفاً ليلاً. فيقول الحاج شعبان: إن السكان حاولوا كثيراً الاتصال بالمسئولين، خاصة بعد ثورة يناير، لإنقاذ هذا القصر من أيدى البلطجية الذين يترددون عليه ليلاً، وقاموا بسرقة كافة محتوياته، وخرجوا دون أن يسألهم أحد عن هويتهم، لكن لا أحد يهتم، وقد سبق أن شهد هذا القصر تصوير العديد من الأفلام، كان آخرها فيلم «كامب»، ورغم أنه كان تحفة أثرية، لكن يد الإهمال دمرته بالكامل، ولم يتبق منه سوى حطام وحوائط آيلة للسقوط. أما مدام علياء، فقد أكدت أن هذا المكان كان لسنوات طويلة مستشفى خيرى، يقدم علاجاً للمرضى بمبالغ بسيطة، وكان الكثيرون من أهل حلوان يترددون للعلاج فيه، وكان القصر مليئاً بالتحف الحجرية ذات الطراز العثمانى، وسلالم رخامية، إلا أننا فوجئنا بسرقته ونهبه بالكامل، وعندما قمنا بإبلاغ الحى منذ عدة سنوات أكد أنه لا علاقة له بهذا القصر، وقد طالبنا عدة مرات بحارس للمكان، كما كان قبل الثورة، لكن المسئولين لم يهتموا بالأمر وتركوه للبلطجية ليلاً، بينما يظل طوال النهار يلعب أمامه الأطفال الصغار. وأضافت أن الأهالى أطلقوا الكثير من الشائعات حول هذا القصر المهجور، نظراً لسماع أصوات وأحاديث ليلاً بداخله دون معرفة مصدرها، إلا أنه بمرور الوقت تأكدنا من وجود هؤلاء البلطجية الذين يعرفون كل خبايا القصر، واتضح وجود سراديب سرية تحت الأرض، وهم من يختبئون فيها أثناء تعاطى المخدرات، وكمأوى لهم طوال الليل، وقد سبق أن حاولت قوات الأمن القبض عليهم إلا أنهم لم يتمكنوا من ذلك، بسبب الأرضيات الضعيفة للقصر، والتى تتساقط بمجرد المرور فوقها. مبنى تاريخى ومن جانبه أكد سعيد حلمى، رئيس قطاع الآثار، أن قصر الخديو توفيق غير مسجل فى عداد الآثار الإسلامية والقبطية، ولا يخضع لقانون حماية الآثار رقم 117 لسنة 1983 وتعديلاته، وهو مسجل ضمن المبانى ذات الطراز المعمارى المتميز، وقد تم تشكيل لجنة مؤخراً بالتعاون مع محافظة القاهرة وجامعة حلوان لإعادة ترميم القصر، وإجراء الدراسات اللازمة لإعادته إلى ما كان عليه، فهذا القصر يتبع محافظة القاهرة، وتم تحويله فى السنوات الماضية إلى مستشفى، وبعد أن تدهورت حالته تسلمته محافظة القاهرة من جديد، والخطأ الذى حدث طوال الأعوام الماضية كان يكمن فى عدم تسجيل القصر، واعتباره طرازاً معمارياً، رغم أنه من المبانى التى مر عليها مئات السنين، وللأسف تعرض للإهمال الشديد خلال فترة الثورة فى عام 2011 الماضى، مؤكداً أن وزارة الآثار تسعى الآن بالتعاون مع المحافظة لإعداد خطة تطويره، وقد أبدت الوزارة استعدادها الكامل للمساعدة فى أعمال الترميم، فالوزارة لديها لجنة من قطاع الآثار الإسلامية لعمل حصر لكافة القصور تمهيداً لتسجيلها، وإخضاعها لقانون الآثار، ليعود قصر الخديو توفيق إلى ما كان عليه، فهو مبنى تاريخى وتحفة معمارية لا يجب إهمالها. إهمال شديد ومن ناحية أخري أكد الدكتور مختار الكسبانى، الاستشارى الأثرى بمشروع تطوير القاهرة التاريخية، أن كل أثر مر عليه 100 عام فهو يخضع للقانون رقم 144 الخاص بالتنسيق الحضارى، وما حدث أنه خلال الأعوام الماضية ظل هذا القصر خارج التسجيل الأثرى، وتم تحويله لمستشفى لعدة سنوات، وكان هذا الخطأ بعد ثورة 1952، حيث تم السماح لبعض الهيئات باستغلال قصور الباشوات وتحويلها لمستشفيات وهيئات حكومية، مليئة بالموظفين، ومع الأسف تسبب السلوك السيئ للموظفين والمواطنين المترددين على المكان فى إتلاف القصر، رغم كونه طرازاً معمارياً وحضارياً، فنحن نفتقد الفكر الجيد فى التعامل مع التحف المعمارية، فهذا القصر من الممكن أن يتم ترميمه، ويعاد فتحه من جديد وتحويله لمزار سياحى يمكن أن يجلب الأموال للدولة، فنحن لدينا شركات متخصصة يمكنها إعادة القصر إلى ما كان عليه بالاستعانة بالصور القديمة للقصر، لكن عملية الترميم ستتكلف ما لا يقل عن 25 مليون جنيه تقريباً، ونأمل أن يتم الاهتمام بالبعد الثقافى، وإعادة استغلال تلك القصور كمزارات سياحية.