يبدو أن تهديد إيران في الأيام الأخيرة بإغلاق مضيق هرمز الذي يشكل حوالي 40% من حركة النقل البحري للنفط العالمي في حال فرض عقوبات جديدة عليها على خلفية برنامجها النووي جاء بمثابة فرصة ذهبية لأوباما للحصول على المزيد من الأموال الخليجية ورفع شعبيته في عام الانتخابات الرئاسية الأمريكية. ففي 29 ديسمبر, أعلن البيت الأبيض الأمريكي أن واشنطن والرياض وقعتا اتفاقا لتزويد القوات الجوية الملكية السعودية بطائرات "إف 15 إس إيه" المقاتلة المتقدمة. وقال جوشوا إيرنست نائب المتحدث باسم البيت الأبيض إن هذا الاتفاق الذي تبلغ قيمته 4ر29 مليار دولار يتضمن بيع 84 طائرة جديدة للسعودية وتحديث 70 طائرة موجودة حاليا لدي القوات الجوية في المملكة، إضافة إلى الذخائر وقطع الغيار والتدريب والصيانة والنقل واللوازم لهذه الطائرات. وأضاف أن الطائرات وهي من طراز "إف 15 إس إيه"، المصنعة من قبل شركة بوينج، تعد من بين أكثر الطائرات تطورا وقدرة في العالم، وأشار إلى أن هذا الاتفاق سيكون له مردود إيجابي على الاقتصاد الأمريكي، كما سيعمل على زيادة التزام الرئيس باراك أوباما بخلق فرص عمل من خلال زيادة الصادرات، . وتابع إيرنست أن الاتفاق سيدعم، وفقا لخبراء الصناعة، أكثر من 50 ألف فرصة عمل أمريكية، بمشاركة 600 مورد من 44 ولاية أمريكية، وسيقدم للاقتصاد الأمريكي 5ر3 مليار دولار سنويا. وشدد أيضا على أن هذا الاتفاق يعزز العلاقة القوية والدائمة بين الولاياتالمتحدة والسعودية، ويدل على التزام واشنطن بقدرات دفاع قوية لدى السعودية كعنصر أساسي من عناصر الأمن الإقليمي. ولم تكد تمر ساعات على تصريحات إيرنست, إلا وأعلنت وزارة الدفاع الأمريكية "البنتاجون" في 31 ديسمبر أن الولاياتالمتحدة وقعت أيضا عقداً مع الإمارات لتزويدها بنظام دفاع صاروخي متطور جدا بقيمة 3.48 مليار دولار. ونقلت صحيفة "القدس العربي" اللندنية عن البنتاجون القول في بيان له إن الإمارات ستحصل بموجب الصفقة على بطاريتي صواريخ مضادة للصواريخ، إلى جانب 96 صاروخاً، ومجموعة من الرادارات الخاصة، بالإضافة إلى برامج تدريب وخدمات لوجيستية. وأضاف البيان أن الحصول على هذا النظام الدفاعي الحساس سيزيد من قدرة الدفاعات الجوية والصاروخية الإماراتية في مواجهة الصواريخ البعيدة المدى. ورغم أن الظاهر على السطح أن توقيت الإعلان عن الصفقات السابقة يأتي لإرسال رسالة تحذير واضحة لإيران بأن الأسوأ مازال في حال واصلت تحدي الغرب بشأن برنامجها النووي، إلا أن هناك أمرا آخر مهم جدا بالنسبة لأوباما ألا وهو أنه استغل تهديدات طهران حول مضيق هرمز للإسراع بإتمام ما اعتبر أكبر صفقات أسلحة في تاريخ الولاياتالمتحدة لتوفير الآلاف من فرص العمل للقطاع الصناعي الأمريكي وبالتالي التخفيف من وطأة الأزمة المالية ورفع أسهمه للفوز بفترة رئاسية ثانية في انتخابات 2012. ولعل ما يرجح صحة ما سبق, أن أوباما كان أعد العدة منذ شهور لإجهاض اعتراضات حلفاء إسرائيل في الكونجرس على مثل تلك الصفقات عبر اتفاق وزير الدفاع الأمريكي ليون بانيتا ونظيره الإسرائيلي إيهود باراك مؤخرا على الحد من قدرة طائرات "اف-15 " على ضرب أهداف بعيدة حتى لا تشكل خطرا على إسرائيل. ويبقى التساؤل الذي يحير البعض " هل السعودية والإمارات في حاجة لإنفاق كل تلك المليارات من أجل إتمام الصفقات السابقة ؟". ويبدو أن الإجابة لا تخرج عن هواجس أمنية أكثر منها تهديدات فعلية ، فواشنطن تلعب على موضوع "بعبع إيران" للاستمرار باستنزاف ميزانيات دول الخليج العربية الغنية بالنفط وهو الأمر الذي يؤثر سلبيا على التنمية في تلك الدول وينعش في الوقت ذاته من الاقتصاد الأمريكي ويخدم بطريقة غير مباشرة إسرائيل التي تستغل مثل تلك الصفقات للحصول على مساعدات مالية وعسكرية إضافية من واشنطن . وكان تقرير أعدته لجنة الأبحاث في الكونجرس الأمريكي قبل عام أظهر أن الولاياتالمتحدة تصدرت مبيعات الأسلحة خلال الفترة بين عامي 2001 و2008 وأن عدداً من الدول العربية وخاصة الخليجية منها احتل مراكز متقدمة من حيث المشتريات. وأضاف التقرير أن الإمارات جاءت في مقدمة الدول المشترية للسلاح الأمريكي بعدما اشترت أسلحة بقيمة 9.7 مليارات دولار ثم السعودية وبلغت قيمة مشترياتها 8.7 مليارات دولار . وفي السياق ذاته ، كشفت شبكة "سي ان ان" الإخبارية الأمريكية في تقرير لها في 20 أكتوبر 2010 أن السعودية احتلت المركز الأول في مشتريات السلاح من مصادر مختلفة إذ بلغت قيمة مشترياتها من السلاح خلال الفترة من 2001 إلى 2008 حوالي 34.9 مليار دولار وتلتها الصين بإجمالي مشتريات بلغ 16.2 مليار دولار ثم الهند "13.5 ملياراً". والخلاصة أن استمرار تفجير الأوضاع في الشرق الأوسط بصفة عامة ومنطقة الخليج بصفة خاصة هو أمر مقصود من قبل واشنطن لنهب الثروات العربية ولعل الالتزام الأمريكي العلني والخفي بالمحافظة على تفوق إسرائيل عسكريا وتكنولوجيا ونوويا يدعم صحة ما سبق .