بعد الحادث الأليم الذى أصاب الكنيسة البطرسية الملاصقة للكاتدرائية المرقسية بالعباسية، وسقوط عدد من الشهداء والجرحى من أبناء الوطن الأبرياء، بيد الإرهاب الآثم، الذى تقف خلفه أيادى التكفير والإجرام، محاولة العبث بأمن البلد ووحدة شعبه، كان لمثقفى الوطن وقفة، للحديث عن الدور الذى يمكن أن يلعبه المثقف، لمجابهة هذا الجرم، ومواجهة الفكر الإرهابى، وتعزيز وحدة الوطن وأمنه، معتبرين أن الفاعل مارس عملاً همجياً، وارتكب جريمة ضد الإنسانية، لا يبررها أى دين، ومن خلال المسئولية التى يشعر المثقفون أنها ملقاة على عاتقهم، تجاه هذا الوطن، فقد كانت لهم وجهة نظر خاصة، أكدوا من خلالها، أن الثقافة المصرية قادرة على إيقاف عجلة التقسيم، التى يلقى بها الرجعيون فى طريق البلاد، كما دعوا لمبادرة شعبية لترميم الكنيسة التى فجرها الإرهاب فى الكنيسة البطرسية المجاورة لكاتدرائية العباسية. اعتبر الدكتور أحمد الخميسى، الحادث المروع الذى وقع فى الكنيسة البطرسية، وأودى بحياة أكثر من عشرين شخصاً، وإصابة أكثر من أربعين بجروح متفاوتة، حادثاً مروعاً، ودعا مع عدد من المثقفين، لمبادرة شعبية لترميم الكنيسة التى فجرها الإرهاب. وأوضح أن المبادرة التى تهدف، إلى جمع التبرعات الشخصية من المثقفين والكتاب والوطنيين وغيرهم، وتقديمها مع واجب العزاء إلى الكنيسة، مساهمة فى ترميم القاعة التى تم فيها الانفجار. وأضاف «الخميسى»: لقد جمعنا حتى الآن بعد الإعلان عن المبادرة بدقائق، نحو ثلاثة آلاف جنيه، ومازلنا مستمرين. بالطبع فإن المبالغ التى سنجمعها – مهما كانت قيمتها- ليست مقصودة بحد ذاتها، فلا شك أن هناك جهات كثيرة حكومية وغير حكومية قد تتولى ترميم الجدران وإصلاح المبنى، لكن المقصود بالمبادرة هو ترميم الأرواح، وإشعار إخواننا الأقباط أن كل جرح فيهم جرح فينا، وأن المجرمين قد سفحوا فى الكنيسة دمنا مع دمائهم، وأننا شعب واحد لا شعبين، وأن مصر واحدة لا مصرين، ليس لدينا سوى قمر واحد، ونيل واحد، ووطن واحد يجمعنا، وعلينا أن نرمم جراحه معا، هذا ما ترمى إليه المبادرة أساساً، بغض النظر عن حجم المال الذى قد تجمعه وتقدمه. وأكد أن الدين لله والوطن للجميع، وهو شعار الوحدة الوطنية منذ ثورة 1919 التى ارتفع فيها لواء «يحيا الهلال مع الصليب»، وقد بلورت بنود دستور 1923 كل تك الشعارات، وكفلت مساواة المصريين جميعاً، وفى ظل تلك الروح لم يكن مستغرباً أبداً أن ينتخب المصريون، مسلمين ومسيحيين، «ويصا واصف»، رئيساً لمجلس النواب! وهى ذات الروح التى ظلت سارية خلال عهد عبدالناصر الذى تبرع من جيبه الشخصى لبناء كنيسة الكاتدرائية، وافتتحها مع الأنبا كيرلس فى الستينيات، فإننى ما زلت أسمع صوت سيد درويش وبديع خيري، يشق الضباب، منشداً فى ضمائرنا جميعاً: «لا تقول نصرانى ولا مسلم/ اللى أوطانهم تجمعهم/ عمر الأديان ما تفرقهم»! أظن أننا سنجتاز المحنة، ولكن لا بد لذلك من سياسة شاملة ترتكز ليس فقط على المواجهة الأمنية، بل والثقافية والفكرية والفنية، وأيضاً على مناهج تعليم مختلفة، تكون مشبعة بروح الوطنية المصرية. الدكتور خلف عبدالعظيم الميرى، أستاذ التاريح الحديث بجامعة عين شمس يقول: بكل تأكيد يعتصرنا الحزن والألم للشهداء والمصابين، ضحايا الحوادث الإرهابية المقيتة، وعزاؤنا لأنفسنا وأسرهم وذويهم، فالعزاء لنا جميعاً أبناء هذا الوطن، مسلمين ومسيحيين، نحن شيء واحد ولسنا اثنين.. وإذا تأملنا الأحداث فإن الإرهاب الأسود لا يفرق بين مسلم ومسيحى، فأولاً كان فى محيط مسجد السلام أى يوم صلاة الجمعة للمسلمين، وبعدها فى كنيسة يوم الأحد يوم صلاة الإخوة المسيحيين، الإرهاب لا يفرق بين عسكرى ومدنى، ليس فقط فى سيناء، وإنما أيضاً داخل الوطن. فالجميع ضحاياه، فالإرهابى بلا دين وبلا قلب وبلا إنسانية، فهو كالحيوان المفترس الذى عصب بصره وبصيرته، فلا يرى أى آخر فى الحياة سواه، ولذلك فهؤلاء بؤر إجرام وبائية، ينبغى اجتثاثها بلا شفقة أو رحمة، لتخليص الإنسانية منهم. ويضيف «الميرى»: مصر أكبر من تلك الأحداث، وقد شهدت على مر تاريخها ما هو أكثر وأفظع من ذلك، فالأوطان دوماً تسير مع عجلة الزمن، والتاريخ مستمر لا يتوقف، يصنعه صمود وتحدى أبناء الوطن، يصنعه الشعب بكل طوائفه سواء كانوا حكاماً أو محكومين، ولكن الأمر يتطلب إعادة تقييم للأداء، لأن اقتراف أو تكرار مثل هذه الأحداث يؤكد أنه يوجد خلل ما أو قصور، ومن المهم جداً معالجة هذا الخلل سواء كان أمنياً أو تعليمياً أو ثقافياً أو اقتصادياً أو سياسياً، وأنا أراه خللا فى منظومة متكاملة تعانى منها مصر، ورغم إدراكنا أن الإرهاب غير معلوم الزمان والمكان، فهو جبان مستتر، وليس عدواً ظاهراً يمكن مقاومته، وهذا ما يجعلنى أؤكد أن الرؤية فى المعالجة لا بد أن تكون فى منظومة متكاملة للعناصر السابقة، ولكن بكل تأكيد مصر أقوى وأكبر من كل المؤامرات والدسائس والإرهاب، والتاريخ يؤكد ذلك، وحاضرها ومستقبلها أقوى بإذن الله. أما الشاعر محمد الشحات محمد، فبدأ حديثه بتقديم العزاء فى شهداء الوطن قائلاً: نترحم على شهداء الوطن، وندين كل أنواع الإرهاب، ونطالب بالعدالة الناجزة بعيداً عن تلفيق التهم، والسياسات غير الدقيقة، وبنفس القدرة نرفض الإعلام الذى يتاجر بالأحداث وبالدماء، مثله فى ذلك مثل الإرهابى الذى يتاجر بالدين والمظاهر الخادعة والألاعيب الملتوية. وأضاف الشحات: لا يمكن أن يظل دور وزارة الثقافة هامشياً، ولا يمكن أن يكتفى الأزهر بشعارات تجديد الخطاب الدينى دون تجديد فعلى.. الجميع يعيش فى وطن واحد، والجميع يسكنه وطن واحد هو مصر، لقد دعت كل الأديان إلى المحبة والسلام، ولم يخرج عنها سوى غافل أو مريض، أو عدو يريد الفتنة وإسقاط أركان ودعائم يقوم عليها التطوير والتعمير والبناء، فلا دين يسمح بقتل المصلين والأطفال والنساء. وأضاف أن مصر إذا كانت فى حالة حرب مع الإرهاب، فإن الوحدة على قلب رجل واحد هى سمة هذا الشعب خصوصاً فى الأزمات، إن الإرهاب لا يعرف الإنسانية أو الأعراف والمواثيق الدولية، بل لا يدرك ماهية الأديان السماوية والإيمان بها، وما ترنو إليه من محبة وسلام، والإرهابى لا تمنعه حدود الله، ولا يقبل إلا بانتصارات زائفة يجعلها قرابين إلى ولى نعمته الذى يدفع له أكثر. وأكد حمدى عبدالعزيز أنه لا يجب قصر المواجهة مع الإرهاب على المواجهة الأمنية مع الإرهابيين فقط، دونما فتح ساحات المواجهة المجتمعية الشاملة، عبر انتهاج سياسات وانحيازات اقتصادية ومجتمعية، من شأنها تفكيك المسببات الاجتماعية للإرهاب، مواكبة مع عملية تطوير حقيقية للتعليم، محفزة لاستخدام العقل، لا حفظ النصوص وترديدها فى امتحانات آخر العام، وكذلك تنقية المواد الدينية، ومواد التعبير الأولية، ومواد اللغة العربية ونصوصها الأدبية من ثقافة التمييز الطائفى، وكافة أشكال التمييز الأخرى، وفتح الباب أمام التناول النقدى الإبداعى الحر، لمكامن التخلف والضعف والجهل فى مواد التراث العربى والإسلامى، وفتح نوافذ التنوير ودعم طاقات الاستنارة، وتحفيز مشاركاتها فى معارك تنوير يومية، تتم عبر مراكز الشباب وقصور وبيوت الثقافة والمكتبات العامة، ومقرات الأحزاب وكل أشكال الملتقيات المجتمعية، وتمكين كافة المصريين المناهضين لأفكار الفاشية الدينية من أداء رسالاتهم، وإصلاح كافة التشريعات المعوقة لهذا الدور، وانهاء تسلط المؤسسات الدينية الرسمية الذى يحول دون القيام بدورهم فى مواجهة تلك الفاشية، وتصفية كل القيود التى يمكن أن تكبل حرية الفكر والإبداع الأدبى والفنى والتعبير، وفقاً لما نص عليه الدستور المصري. وأضاف «عبد العزيز»، أنه لا بد من تحديث الشرطة المصرية، وإكسابها الأدوات والإمكانات والمهارات العلمية التى يمكن أن ترفع كفاءتها فى مواجهة الإرهابيين، بحيث تستطيع منع الجرائم قبل وقوعها، كجزء من عملية تغيير وتحديث شاملة تطال ثقافة الأداء الشرطى، وطرق التدريس والتدريب العلمى الحقيقى، إذ لا يعقل تصور عدم وجود قصور أمنى فى ظل نفاذ المجرمين إلى داخل الكاتدرائية، وإحداث التفجير الإرهابى داخلها، فى نفس الوقت مع وجود استحكامات الأمن والأكمنة الموجودة حول الكاتدرائية، وفى الطرق المؤدية إليها. الروائية ضحى عاصى تقول: لا شك أن هناك من يحاول توجيه المصريين لاتجاه لم يعتادوه، لكنَّ المصريين تحضرهم حالة رفض جامعة لما حدث، بدليل أن اليوم، كل المصريين يعيشون حالة من الحزن، بل نستطيع أن نقول إن هناك شيئاً من الحرج والخزى، ينتابنا جميعاً، على الرغم من يقين الأقباط بأن ما حدث من هجمات إرهابية، لا دخل فيه للمصريين، ولكننا لا نستطيع أن نعفى أنفسنا من الخجل، كوننا لا نستطيع إيقاف هؤلاء الحمقى. وتضيف «العاصى»: الشعب المصرى شعب مثقف ليس بفطرته فقط، إنما بميراثه أيضاً، فالمصريون لديهم وعى توارثوه من كل الثقافات التى مرت بهم، والتى استوعبوها وهضموها جيداً، فالجهل الذى نراه الآن ما هو إلا قشرة خارجية، فالشعوب مثل الأشخاص، لها طفولة وشباب وشيخوخة، وفى كل هذه المراحل يظهر كل ما اختزلناه فى الفترات الأخرى. واختتمت قائلة إن هناك جماعة تقود عجلة التقسيم والرجعية، تلك العجلة التى تقف فى طريق كل تطوير، فهم يلعبون على كل مفاصل الدولة، ولكن الثقافة المصرية تقاوم عجلة التخلف، والطبقة العريضة من المصريين مازالت تقاوم، ولكن للأسف هذا مشهد مكرر.