تشهد أسواق الغورية غزوا للبضائع السورية، وبعد أن كانت المنطقة التى تعد من أعرق المناطق التاريخية يمتلكها التجار المصريون، أبًا عن جد، تمكن التجار السوريون من استغلال أزمة غلاء الأسعار وحالة الركود التى تعانيها الأسواق للتوغل داخل «الغورية» وعرض منتجاتهم بها لكونها مقصدًا لكل أب وأم يريدان تجهيز ابنتهما، حيث تلجأ الأسرة المصرية لهذه السوق لشراء كل ما يلزمها من الإبرة للصاروخ، وعلى رغم ارتفاع أسعار المنتجات السورية هناك، إلا أنها أصبحت تنافس المفروشات المصرية وتلقى إقبالًا لا مثيل له. «الوفد» قامت بجولة داخل هذا السوق العريق، ورصدت أسباب انهياره وضياع عرشه، وأطلق عليه هذا الاسم نسبة إلى السلطان الغورى، وكان يسمى قديما باسم حى «الشرابشبين»، حيث كانت توجد به محلات صغيرة تقوم بخياطة الملابس السلطانية، وتعد منطقة الغورية من المناطق التى تجمع الآثار الفاطمية والمملوكية، وقد أنشئت فى عهد السلطان قنصوة الغورى آخر سلاطين دولة المماليك الشراكسة. ويمتاز هذا السوق عن غيره من الأسواق باحتوائه جميع أنواع الملابس والأقمشة والمفروشات وأدوات المطبخ، وكل ما يلزم الأسرة من منتجات، ولم تكن المنتجات المصرية فقط هى الموجودة هناك، بل شاركتها البضائع التركية والصينية والسورية مؤخرا، لتمتلئ الغورية بالأذواق المتنوعة والأسعار التى تناسب الأسر المصرية. عند دخولنا السوق لاحظنا توقفًا شبه تام لحركة البيع والشراء فالسوق يعانى حالة من الركود أثرت فى نفسية كل التجار بعد أن قفزت الأسعار بنسبة 30٪ نتيجة ارتفاع أسعار الدولار، ويشكو أغلب التجار من ضعف حركة البيع والشراء داخل السوق رغم كونه مقصدا لجميع العرائس لشراء جهاز العروسة من مفروشات وملابس وأدوات مطبخ، وفى الأشهر الماضية شهد سوق «الغورية» ظهور التجار السوريين الذين وجدوا فيه مكانا حيويا لعرض بضائعهم لتنافس البضائع المصرية والغريب فى الأمر هو قيام العديد من التجار المصريين بالتخلى عن محلاتهم التى ورثوها عن آبائهم وأجدادهم وتأجيرها للشباب السورى، وذلك بسبب حالة الركود التى تعانيها الأسواق فى مصر، والتى أدت لتراجع إقبال المواطنين، وتقليص احتياجاتهم من البضائع، فانتشر السوريون بالمنطقة وأصبح لديهم العديد من المحلات، هذا فضلا عن وجودهم بكثرة داخل مول كبير هناك. 350 ألف سورى تشير البيانات إلى أن عدد السوريين فى مصر بلغ نحو 350 ألفًا منهم 140 ألفا مسجلين لدى مفوضية اللاجئين ويعمل أغلبهم بمهن مختلفة فى مصر، أشهرها التجارة، ونجح السوريون فى غزو الأسواق المصرية ونشر بضائعهم فى كل مكان كما هو الحال فى منطقة الغورية، وتشهد البضائع السورية إقبالا كبيرا من المصريين نظرا لجودتها حيث تمتلئ المحلات السورية هناك بالأقمشة والعبايات السورية المطرزة، ذات الطابع الشامى، فضلا عن المفروشات ذات الألوان الجذابة والطابع السورى كالفوط والملايات والألحفة، التى ترتفع أسعارها عن المنتجات المصرية، إلا أن كل بضاعة ولها «زبون»، وهذا ما أكده لنا إبراهيم محمد، عامل، بأحد المحلات بالغورية، مضيفا أن السوق يعانى حالة ركود شديدة فحركة البيع تكاد تكون منعدمة لأن المستورد يقوم بتخزين بضائعه فى انتظار المزيد من زيادة أسعار الدولار، متى يحقق المكاسب من ورائه، وقد نافس الشباب السورى التجار المصريين فى سوق الغورية فى الآونة الأخيرة واحتكروا تلك المنطقة لما لها من شهرة تجارية، وقد أدت حالة الركود إلى تخلى بعض التجار كبار السن عن محلاتهم، وتأجيرها للسوريين بدلا من غلقها، حيث يصل إيجار المحل فى الشوارع الجانبية لنحو 70 ألف جنيه فى السنة، أما الشوارع الرئيسية، فيرتفع إيجار المحل لنحو مليون و200 ألف جنيه سنويا، ومع ذلك يزداد عدد السوريين فى المنطقة، فهم يشتهرون بقدرتهم على التجارة وجذب الزبائن والترويج لبضائعهم بشتى الطرق. ويشاركه الرأى أحمد السيد مؤكدا أن الأوضاع السيئة التى مرت بها البلاد فى السنوات الأخيرة أثرت سلبا على جميع التجار ما فتح الباب أمام التجار الصينيين والسوريين لمنافسة المصريين، ففى منطقة الغورية يوجد مول لبيع المنسوجات السورية بجميع أنواعها فهم أرباب صناعة النسيج وتمتاز بضائعهم بجودة عالية خاصة المفارش والعبايات واللافت للنظر هو إقبال الفئات البسيطة من الأسر الريفية على شراء تلك المنتجات، مع أن أسعارها تفوق أسعار المنتج المصرى، وذلك لأن تلك الأسر تهتم بشراء جهاز العروس وعرضه أمام الجيران قبل «العُرس» كوسيلة للتعبير عن الفرحة وسط احتفالات من الأهل والجيران، للتباهى بجهاز العروس. وعندما اقتربنا من التجار السوريين للتحدث معهم رفضوا بشدة، إلا أننا تمكنا من التحدث مع أحدهم - رفض ذكر اسمه أو تصويره - موضحا أن هناك مناطق فى سوريا بعيدة عن الصدامات المسلحة مازالت بها مصانع تنتج منسوجات سورية، وتقوم بتصديرها إلى مصر، فضلا عن وجود مصانع سورية فى مدينة العاشر من رمضان تم فتحها مؤخرا بعد زيادة عدد اللاجئين السوريين فى مصر، حيث يتم استيراد الخامات من سوريا، وتصنيع جميع المستلزمات فى مصر، وتلك المنتجات ذات جودة عالية وأشهرها مفارش العرائس ذات التطريز الذهبى والطراز السورى. وأكد أن المصريين لهم دور مهم فى وجود أشقائهم السوريين داخل مصر، حيث ساعد التعاطف الشعبى المصرى ومساندته لهم فى انتشارهم وقدرتهم على الاستمرار ومواجهة ظروف الحياة القاسية، وعندما سألته عن أسعار إيجار المحل، أكد أن الإيجارات فى مصر تعد مرتفعة جدا، حيث يصل إيجار المحل ذى المساحة الصغيرة إلى 10 آلاف جنيه شهريا، هذا فضلا عن ارتفاع أجرة العامل السورى بالمقارنة بالعامل المصرى، وذلك لأن السوريين لديهم قدرة على جذب الزبائن والتعامل معهم ومن ناحية أخرى يحصل العامل السورى على راتبه بالدولار لأنه يدفع الإقامة بالدولار، وهذا الأمر يعد عبئا كبيرا بالنسبة للسوريين. وعن أسعار المفروشات أوضح أن سفر الفوطة يتراوح بين 50 و100 جنيه، حسب الحجم، أما مفارش السرير فتبدأ أسعارها من 1500 جنيه وتختلف حسب الخامة والتطريز وطقم ملاية السرير تبدأ أسعاره من 250 جنيهًا حتى 700 جنيه للطقم، وهناك أيضا العبايات وهى تختلف عن العبايات المصرية، ويقبل على شرائها أغلب العرائس حيث تجذب أنظار أية عروسة لتعدد ألوانها المبهجة وطرازها الشامى، وتبدأ أسعارها من 350 جنيها حتى 1000 جنيه وتوجد بالسوق أنواع متعددة تناسب كل ذوق.