الهجرة النبوية لم تكن أبداً حدثاً تاريخياً مرت به الأمة قديماً حتي نستعيده كعيد من الأعياد الإسلامية فقط، هذه كبوة حضارية مركبة، الهجرة تمثل نموذجاً لإنجاز استراتيجي حضاري واجب التكرار باستمرار، كما أن الهجرة لم تكن أبداً نقلة من مكان إلي مكان بل نقلة مما كان إلي ما لابد أن يكون، ولا يمكن تكرار هذا الإنجاز الحضاري إلا بالعمل «كفريضة شرعية وضرورة دنيوية» علي نجاح الثورة بتفعيل نموذج فلاح الهجرة، إذا وقفنا فقط عند حدود الإطاحة برأس النظام السابق سيتم إعادة إنتاج نظام الاستبداد والفساد من جديد برموز أخري تعمل علي بناء شبكة من المتحالفين علي نهب البلاد وقهر العباد، لابد أن نهجر الهمجية إلي الموضوعية، فنحن لم نستطع تحقيق توافق وطني مدعوم شعبياً للضغط علي السلطة للالتزام بأهداف الثورة، لابد أن نهجر الهمجية إلي الموضوعية، فنحن لم نستطع تحقيق توافق وطني مدعوم شعبياً للضغط علي السلطة للالتزام بأهداف الثورة، لابد أن نهجر التصارع الفكري إلي التوافق علي تصور للمرحلة الانتقالية، فتقسيم مصر علي أساس فكري أيديولوجي (إسلامي علماني) يمثل تخلفاً وخطأ جسيماً، فكثير من العلمانيين والليبراليين انضموا للإسلاميين برفض وثيقة السلمي كما دعموا تثبيت موعد الانتخابات، نحن نحتاج إلي مساحة براجماتية وطنية (لا عقائدية دينية) يتعاون فيها الجميع. لا خلاف علي ضرورة نقل السلطة لحكم منتخب لكن لابد أن نهجر الشعارات العنترية إلي فن وفقه الممكن (الأمر الذي يعرفه الدارسون لنموذج الهجرة) لا يمكن تسليم السلطة الآن إلا لمؤسسات حكم منتخبة وعلي رأسها الرئيس، أما حكومة الإنقاذ حتي لو كانت تبعاً للخيارات الشعبية فلا يمكن أن تحل محل هذه المؤسسات، إسقاط المجلس العسكري الآن يعني محاولة لإسقاط الدولة وصراع الجميع ضد الجميع علي لا شيء، فهل كانت الهجرة كذلك أم كانت تنافس بين المهاجرين والأنصار علي العكس تماماً؟ أسرع طريق للوصول لحكم منتخب هو الجدول المتفق عليه الآن بتسليم السلطة يونيو 2012، والأمل الوحيد في التخلص من حكم العسكر هو إنجاز انتخابات برلمانية نزيهة في مواعيدها، أي خلل بالانتخابات يعني استمرار حكم العسكر. للعسكر أيضاً أقول لابد أن ننتقل من غير المسبوق إلي ما هو مطلوب، فلقد تم تقديم مبارك والعادلي للمحاكمة علي قتل المتظاهرين في يناير فمن هي الشخصيات التي سيتم تقديمها للمحاكمة علي قتل المتظاهرين في نوفمبر وديسمبر؟ لم نسمع تاريخياً عن سلطة لا تعرف الفارق بين التهمة والمسئولية فقيام العسكر ينفي تهمة قتل المتظاهرين عن أنفسهم لا يعني عدم تحمل المسئولية البديهية من تحديد المتهمين بشفافية وتقديمهم لمحاكمات استثنائية مع سرعة تنفيذ الأحكام، فضلاً عن التعويض المادي والمعنوي لأسر الشهداء والمصابين وإلا سنجد من يعتصم طلباً لمحاكمات ثورية!! نحن الآن في الأشهر الحرم فمن غير ولاة الأمر يتحمل مسئولية الضحايا الذين كانوا لا يبحثون إلا عن الخبز والحرية؟ لابد أن نهجر الاستهانة بمصر وشعبها إلي معرفة قدرها، مصر هي «كنانة الله في الأرض» والكنانة هي الجراب الذي يحتوي السلاح لحماة الناس منه، فعلى ولاة الأمر استنباط المعني والمسئولية!!، مصر هي الوحيدة علي الإطلاق المذكورة في القرآن الكريم، اليهود والأمريكان يعرفون قدرها وتأثير ثورتها عالمياً، فيستميتون للتأثير علي نتائج الانتخابات ولم يفعلوا ذلك في تونس بالرغم من فوز الإسلاميين بأغلبية البرلمان. نحن لا نري إلا أفكاراً وآليات وقيادات تقليدية جداً في ظروف استثنائية جداً، المصريون قاموا بثورة شعبية ملايين في عدة مدن دون علم مسبق لأي قوي سياسية، 18 يوماً والملايين «مفعوصين» بالميدان بلا حوادث سرقة أو تحرش، وحدة وطنية غير مسبوقة، الشباب حموا البلد من البلطجة أثناء انسحاب أجهزة الأمن وقاموا بتنظيف الشوارع، زعماء العالم أشادوا بثورتنا ثم يأتي من يتخيل الالتفاف علي مطالب الثوار لأنه يتصور أنه أقوي من الشعب أو أن الشعب لا يفهم كما يسوق بعض البهاوات!! كيف يجهل بعض كبار المسئولين والنخب والدروس المستفادة من نموذج الهجرة الذي تدارسوه بمناهج التعليم؟ «الإرادة الشعبية المصرية قررت أن تنتقل مما كان إلي ما لابد أن يكون»، هذه هي أبسط بديهيات الهجرة والثورة، الارتباط بينهما وثيق جداً من خلال الهوية الحضارية التي يدعمها الشعب، الشعب مصدر السلطة وحامي الديمقراطية ولو كره البهاوات!! رئيس جمعية المقطم للثقافة والحوار