الهجرة النبوية لم تكن أبدا حدثا تاريخيا مرت به الأمة قديما حتي نستعيده كعيد من الأعياد الاسلامية فقط, هذه كبوة حضارية مركبة, الهجرة تمثل نموذجا لانجاز استراتيجي حضاري واجب التكرار باستمرار.يرتكز علي ثنائية الايمان والعمل الايمان برسالة الاستخلاف واعمار الارض الواجبة علي الفرد والدولة والامة لتحقيق نهضة علي الأرض وضرورة انارة الطريق لسائر الأمم, كما أن الهجرة لم تكن نقلة من مكان الي مكان بل نقلة من ما كان الي ما لابد أن يكون, فلا يمكن تكرار هذا الانجاز الحضاري إلا بالعمل الواجب شرعا لتفعيل عناصر الهجرة الحضارية.. وبالتالي فنجاح ثورتنا المباركة لن يتحقق إذا وقفنا عند حدود ثورة شعبية للإطاحة برأس أو حتي كل عناصر النظام السابق, فبدون تكرار نموذج وعناصر الهجرة سيتم إعادة انتاج نظام الاستبداد والفساد من جديد برموز اخري تعمل علي بناء شبكة من الاتباع والمعاونين عن طريق تحالف السلطة والثروة,,, هذه حقيقة بديهية لها مرجعية قرآنية وفرعون ذي الأوتاد الذين طغوا في البلاد فأكثروا فيها الفساد مما يؤكد التلازم الوثيق بين الطغيان( الاستبداد) وبين انتشار الفساد ومما يؤكد ضرورة وجود ركائز أوتاد لتكوين شبكة من المتحالفين علي قهر العباد ونهب البلاد, ويستحيل تفكيك هذه الشبكة الاجرامية إلا ببناء الشبكة الوطنية البديلة. ومن هنا نجد ان تفعيل نموذج وعناصر الهجرة لابد أن يمثل لنا كمصريين الآن ونظرا للأحداث الراهنة, ضرورة حتمية دنيوية وفريضة شرعية,, بالهجرة من ما كان إلي ما لابد أن يكون, من السلبية إلي الايجابية ومن الفردية الي الجماعية ومن الكسل والجهل الي الجهاد والعلم, من السطحية الي الموضعية ومن الطائفية الي الوطنية, من الفوضي إلي النظام, من التشرذم السياسي والتصارع الفكري الي التوحد والتوافق علي اطار عام للمرحلة الانتقالية, من الديكتاتورية إلي الديمقراطية في كل مكونات المجتمع من الأسرة الي الدولة, هذه ليست مجرد صياغات بل عناصر الهجرة النبوية, التي يعرفها الدارسون والتي دفعتها لتحقيق الانجاز الذي يمثل الأمل الوحيد حتي ننتقل من الاستبداد والفساد الي الحرية والعدل اللذين نتغني بهما حاليا شكلا لا عملا مثلما نحتفل بالهجرة جهلا لا علما. لابد من نقلة نوعية انسانية من النفس الأمارة بالسوء الي النفس اللوامة التي تراقب أداءها تبعا لمقاييس عناصر الهجرة, المصريون في سفينة واحدة علي اختلاف عقائدهم وتوجهاتهم مهما كانت, والتجارب الثورية الناجحة في ابداع معالجة وطنية للفترة الانتقالية قريبا جدا منا في تونس, استطاعت الثلاث تيارات الأساسية في المجتمع ان تتوافق علي إطار عام( لا مجال للتفصيل) وها هي تنتقل من ما كان إلي ما لابد أن يكون بمناسبة الهجرة المباركة تطالعنا الامال في نهوض مصرنا الغالية باستثمار الثورة لمواجهة التحديات التي لاتخفي علي أحد. رئيس جمعية المقطم للثقافة والحوار