الفعل البشع عادة وراءه دوافع أكثر منه بشاعة، من هنا لابد لنا أن نتساءل وقد رأي جل المصريين الفيديو الذي يصور عشرات الجنود يتحلقون حول فتي وفتاة من المعتصمين، يضربونهما بالعصي الغليظة بوحشية سادية جنونية وهم علي الأرض، ويركلون بأحذيتهم الثقيلة أجسادهم المسجاة دون مقاومة، ويتقافزون عليهم تقافز القردة، ثم يسحلون الفتاة من عباءتها فينكشف جسدها، وهم مستمرون في ضربها، فلنا أن نتساءل: ما الذي قيل لهؤلاء الجنود ليحولهم إلي وحوش آدمية، ما الذي قيل لهم لجعلهم يتصرفون كأنهم ليسوا من البشر أو كأنهم لا يتعاملون مع البشر، ماذا قيل لهم عن هولاء الفتية؟، هل قيل لهم إن هؤلاء هم عملاء لإسرائيل؟!، هل قيل لهم مثلاً إنهم كفرة ملحدون يريدون هدم الإسلام؟!، هل قيل لهم إنهم أعداء لمصر؟!.. مهما قيل لهم فلابد أنه بشع حتي حولهم إلي ما صاروا إليه. وعلي هذا فإن الشريك الأكبر في هذه الجريمة ليس هم هؤلاء الجنود، وإنما من مسخ عقولهم وأمات قلوبهم وغذاهم غذاءً فكرياً فاسداً جعلهم ينكلون بأبناء وطنهم ويتنكرون لا أقول لأسس القوانين المدنية، أو المبادئ الخلقية، بل حتي لأبسط ملامح الرحمة الإنسانية، التي دونها لا يعد أحدهم من البشر وإنما هو من الذئاب الجائعة. وهذه المسخ الفكري لابد أنه كان متواصلاً وعلي فترات طويلة حتي أخرج هؤلاء الجنود عن أطوارهم وعن إنسانيتهم وعن عاداتهم وتقاليدهم، أليس هؤلاء الجنود من ريف مصر وصعيدها، أم أنهم هبطوا من المريخ؟ فهل يقبل الفلاح أو الصعيدي أن يضرب امرأة لا يعرفها، مهما أخطأت المرأة فعندنا في الريف والصعيد يقولون (لك أب يترد عليه، لك أخ يترد عليه)، أي أنهم يأنفون أن يستقووا علي امرأة، فكيف بضربها بالعصي الغليظة والبيادة العسكرية، وكيف بتجمع عشرة من الرجال عليها!!، أي أجواء عاش فيها هؤلاء الجنود وأماتت فيهم النخوة والرجولة والشجاعة والضمير؟!!، صدقت الفتاة حين قالت لاحقاً: رجال يعتدون علي امرأة، كيف سيدافعون عن الوطن؟!! وإذاً نحن هنا أمام جريمة داخل منظومة جماعية من المنظومات الأساسية في البلاد، وليست جريمة فردية أو حتي جريمة مجموعة جنود، نحن أمام منظومة تمسخ العقول وتحجر القلوب، وإذا كانت اليوم تضرب بالعصي، فما المانع غداً - إذا استمرت الجريمة علي حالها - أن يكون الضرب بما هو أكبر، لذلك لابد من حساب وعقاب كل ما شارك بالفعل وأهم منهم بالتحريض والمسخ، مهما علت رتبهم أو مناصبهم. وهذا الكلام نفسه يقال علي الصبية الذين أحرقوا المجمع العلمي وغيره، بعضهم ليسوا بصبية صغار وإنما شباب وفتيات، لابد من القبض عليهم ومعرفة ما الذي قيل لهم ودفعهم لتخريب تاريخ وتراث بلادهم، ما الذي قيل لهم وحولهم إلي مجرمين مخربين، المحرضون أكبر جرماً وأجدر بالعقاب. yehia- h-