لم يكن المجمع العلمي مجرد مؤسسة علمية أو مكتبة تضم بعض الكتب والمخطوطات فحسب؛ بل كان أحد أهم المؤسسات العلمية والتاريخية والآثرية لما يحتوي عليه من مخطوطات نادرة وخرائط وموسوعات ومجلدات هامة يرتكزعليها تاريخ مصر؛ لذا فحرق المجمع وفقدان مئات الكتب والخرائط والموسوعات لم يكن مجرد كارثة أصابت مصر وأفقدتها جزءا هاما من تاريخها, بل يُعد جريمة ارتكبت عن قصد وتعمد لمصلحة جهات أرادت تخريب مصر وسرقة تاريخها.. استطلعت "بوابة الوفد الإلكترونية" آراء بعض الخبراء وأعضاء المجمع العلمي حول الخسارة التاريخية التي ستتكبدها مصر بعد حرق المجمع, ومدى أهمية ما كان يضمه المجمع من خرائط ومجلدات نادرة، بالإضافة إلى الجهات المستفيدة من هذا الحادث الأليم. بأيدي مصريين أم بأيدي التتار فعن القيمة العلمية والأثرية للمجمع العلمي حدثنا الدكتور محمود عاشور عضو المجمع العلمي وأستاذ الجغرافيا الطبيعية جامعة عين شمس قائلا: "الذنب ذنبنا جميعا سواء الشباب غير الواعي أو الجيش الذي سمح بتفاقم المشكلة إلى هذا الحد، فاليهود والمستعمرون لم يمسوا تاريخنا؛ لقد أنشئ المجمع العلمي المصري بواسطة الحملة الفرنسية، وهو الثاني على العالم بعد فرنسا، وكان يحوي مجموعة غير عادية من التراث العلمي الثقافي الذي لا يمكن تعويضه من نسخ أصلية وأغلبها لا يوجد في مكان آخر، حيث يحوي المجمع 200 ألف مجلد حرقوا وذابوا في المياه, وذلك يُذكرنا بهجوم التتار على بغداد وحرقهم للمكتبات، لكن الفرق أنهم كانوا جوعى بسبب وجود حالة الجفاف في جنوب شرق آسيا، لكن اليوم المجمع حُرق على يد مصريين!!". وقال عاشور: إن المجمع العلمي بمثابة مكان مقدس منع القائمين عليه في الفترة الأخيرة الإستعارة الخارجية أو التصوير، وأحيانا ممنوع لمس المجلدات، لأنها كنوز لاتوجد في أي مكتبة أخرى في مصر أو خارجها، فبماذا سيعتز الجيل القادم حينما يحرق تاريخه أو يسمح بحرقه. واضاف:" أسوأ ليلة قضيتها بعد نكسة 67 هي ليلة احتراق المجمع، وأؤكد أن من أحرق المبنى غير مدرك أساسا لقيمته أو ما يحويه من كنوز، وهذا نتيجة للتجهيل الذي أصاب أبناءنا بأيدي العهد البائد الذي قلل من قيمة البحث العلمي والعلماء، حتى سبقتنا دول كانت تتلقى العلم على أيدي أساتذه من مصر". كما أكد عاشور أن جريمة حرق المجمع العلمي مشترك فيها طرفان هما المتواجدان أسفل المبنى أو أعلاه فقد كان هدفهم تدمير تاريخ ومستقبل مصر. حدود مصر تحترق من جانبه قال خالد عبد الكريم أستاذ الآثار الإسلامية جامعة عين شمس : "الدهماء فقط متهمون بانتهاك حق الحفاظ على أصالتنا، سواء كانوا من المتظاهرين أو من القوات المسلحة، فالشيء الوحيد الثابت هو حدوث فعل ورد فعل، وهنا لابد من وجود قنوات إعلامية محايدة لا تتحيز لطرف ضد الآخر؛ فالمجمع العلمي له قيمة علمية وأثرية لأنه يعود للقرن 18، حيث أنشأه الخديوي إسماعيل الذي أنشأ دار القضاء العالي ومجلس الشعب، كما جمع المجمع العلمي بين فن النهضة الإيطالية ثم الفرنسية وبين الفن الإسلامي في آخر مراحله، وهذا ما تميز به الفن في هذه المرحلة التاريخية، فاليوم إما أن نجد فنا أوروبيا أو تقليدا للفن الإسلامي؛ فضلا عن المخطوطات المؤكِدة لحدود مصر كالتي عرضها الدكتور يونان لبيب وحينما أحضر الدكتور الديب كنزا أثريا عرف بوثيقة من إستانبول الخاصة بطابا، علما بأن هناك وثائق تؤكد ملكيتنا لبعض الحدود التي تم ضمها لدول عربية شقيقة أثناء الاستعمار لكن هذه الوثائق تثبت ملكية مصر لها كما هو الحال مع حلايب وشلاتين". وأضاف عبد الكريم أن المجمع العلمي يُعد صرحا يحوي بداخله أصول الأبحاث العلمية التي تعود لزمن علي باشا مبارك الذي نادى بحق المرأة في التعليم في عهد الخديوي إسماعيل. وتساءل:"بعد حرق تلك الكنوز المادية والمعنوية لن يتبقى سوى الفوضى، فقد دمروا تاريخنا المادي عن غير وعي وسيجني أحفادنا ثمار جهل الدهماء، فمثلا عمر أفندي الأغلبية العظمى تعتقد أن أصولها يهودية والحقيقة أن مالكها كان تاجرا ألبانيا من العصر 17واجتمع عليه مجموعة من اليهود وأغرقوه في الديون حتى اشتروا منه عمر أفندي وظلوا محافظين على الاسم كعلامة مميزة، وهكذا الحال مع صيدناوي وشيكوريل، وبالتالي حل اليهود محل المسلمين والألبان!". الجيش المصري والليبي والسوري ويضيف خالد عبد الكريم :"من يقارنون بين الجيش المصري والليبي والسوري ويطالبوننا بشكره لأنه لم يتعامل مع الشعب المصري بهذه الطريقة الدموية أوجه عنايتهم إلى أن الجيش الليبي مؤلف من المرتزقة لا ينتمون أساسا للشعب الليبي وبالتالي لا توجد أي رابطة تجمعهم، أما الجيش السوري فمن الدُروز والشيعة ويتصورون أنهم بذلك يدافعون عن أنفسهم ضد السنة؛ أما الجيش المصري فهو مسلم ومسيحي وسني وبالتالي فالجيش من الشعب والشعب من الجيش، فحتى وإن أخطأ بعض قياداته فمن المؤكد أن هناك قادة آخرون يعارضون الخطأ". ويرى عبد الكريم أن هناك ثلاث قوى يمكنها أن تقود العالم الإسلامي اثنتين من السنة هما مصر وتركيا والثالثة شيعية وهي إيران، ولا يمكن أن يتجاهل أحد أن مصر هي القلب فقد قادت الأمة ووحدتها عبر التاريخ، كما أن الهدف الرئيسي من ثورة25 يناير أن تستعيد مصر مكانتها لذا فلا بد من عدم التغاضي عن أفعال الدهماء الذين يفتقرون لأي مستوى فكري فيمكن أن يقتل في سبيل الحصول على ما يريد، وهو يختلف عن العامي فقد يكون غير مثقف لكن هناك مساحة من الحوار. فقدان خرائط نادرة وهامة وقال الأستاذ محمد جابر أستاذ التاريخ جامعة عين شمس: "من المخزي أن نرى المجمع العلمي الذي يحتوي على خرائط إثبات ملكية مصر لطابا، التي استعان بها الدكتور يونان لبيب رزق رحمه الله كأحد أعضاء اللجنة التي تدافع عن حقوق مصر في طابا أمام لجنة التحكيم الدولية، فضلا عن الخرائط النادرة لأعالي نهر النيل، وكتاب وصف مصر فهو أثر وقيمة علمية في نفس الوقت، وكتب لرحالة وعلماء". بينما أعرب الدكتور طه صقر استاذ الجغرافيا جامعة عين شمس، عن بالغ استيائه من إلصاق التهم بالثوار فهم أخطأوا لكن لا يمكن أن من يُضحى بنفسه في سبيل تحرير الوطن يقبل على هذا الفعل المشين، فبالتدقيق يُمكن أن ندرك جيدا المستفيد من تدمير تاريخ مصر، فحوالي 90% من الشعب المصري لا يعرف قيمة هذا الصرح العلمي الذي لا يقدر بأي ماديات. ;feature=mfu_in_order&list=UL\