اختلفت الآراء وتعددت الرؤى، فيما يتعلق بقوة وسائل الإعلام وقدراتها على التأثير، ورسم الصور الذهنية أو النمطية، أو تحديد أولويات القضايا، التي يتم وضعها على طاولة النقاش من خلال الدق المنتظم والملاحقة المستمرة، بين ما يراه حوله وبين مفرط في الثقة بقدراتها، التي قد تصل إلى حد إرجاع الكثير مما نراه حولنا من تغيرات وتأثيرات، سواء في المظاهر المجتمعية أو سلوكيات الناس، إلى سحر تأثير هذه الوسائل وقوتها، التي أكدت الكثير من مجريات الأحداث أنها أحيانا تصنع عالما خاصا بها، قد يختلف في كثير من ملامحه عن الواقع المعيش، وتسعى إلى تكريس هذا الواقع للدرجة التي يصعب على عامة المتابعين التفرقة بين ما تقدمه وسائل الإعلام، بما يتجاوز أحيانا الموضوعية والتوازن. وهذه قضية جدلية أعيت المهتمين وأصحاب الشأن الإعلامي، فضلا عن المتابعين وهم الشريحة الأكبر من جمهور الوسائل الإعلامية. ولأن المعارك بين الأمم تغيرت أسلحتها في القرن الحادي والعشرين، بدلا من استخدام الدانات والبارود والقنابل، صارت وسائل الإعلام هي البديل لكل تلك الأسلحة؛ والفارق أن السلاح الخشن - وهو القوة العسكرية - سلاح واضح وأهدافه محددة سلفاً، أما السلاح الناعم - وسائل الإعلام - فيتحور في أشكال مختلفة، سواء من خلال الكلمة، أو الصورة، أو الأغنية، أو العمل الدرامي، أو حتى الرسم «الكاريكاتيري»، ويتمكن من العقل والفكر دون أن يشعر به المتابع. ولأن الأمر بات على هذا النحو، فقد أصبح من يريد استكشاف حالة أمة ما، أو شعب من الشعوب، ومعرفة ما يشغل أبناءه، ليس عليه سوى متابعة المشهد الإعلامي لها، ليعرف مراكز القوة والأدوار الموزعة بين أبنائه، فضلا عن جوانب الخلل وأولويات القضايا، ونظرة المجتمع ذاته لأجزاء الصورة التي تكون في الأخير المناخ العام. ورغم حالة الحراك الشديدة التي يشهدها العالم العربي، والتطورات المتلاحقة للمشهد الحالي، إلا أن هناك أسئلة لم يتم الإجابة عنها بشكل كاف وواف حتى الآن؛ من أبرزها الإشكاليات المتعلقة بصورة المرأة، وقضاياها في العالم العربي. وهل حققت المرأة العربية حضورا إعلاميا يتوافق مع المكتسبات التي حصلت عليها والمكانة المحورية لها في مجتمعاتنا العربية ودورها في عملية التنمية بكافة صورها، إضافة إلى دورها السياسي الذي لا يمكن تجاهله؟ أم أن ما يقدم في وسائل الإعلام يخاصم إلى حد بعيد هذا الواقع؟ على الجانب الآخر، نوعية التحديات التي تواجهها المرأة في بعض المجتمعات العربية والتي تعوق حركتها للانطلاق، فضلا عن قضاياها التي استجدت بمستجدات العصر، أو تلك التي عانت منها على مدار عقود. هل تجد المساحة الإعلامية التي تتناسب وأهميتها؟ أم أن الأمر لا يتعدى السباحة في المناطق الآمنة درءا للمتاعب، أو تسطيحا متعمدا لواقع يحتاج تناوله لإرادة التغلب والتجاوز لكل تلك المصاعب؟ ومن خلال استقراء المشهد الإعلامي العربي أستطيع أن أضع بعض ملامح الصورة لواقع التعامل مع قضايا المرأة العربية، والتي لا تعكس بالضرورة نظرة المجتمع بمختلف شرائحه للمرأة. فحديث النخب وأهل الكلام أثبتت مجريات الأحداث أنه في كثير من الأحيان يكون في واد وما يراه الناس في واد آخر. أولا: إن إعلامنا العربي ما زال يدور في نفس الدائرة، وهي تقديم المرأة كأنثى وهذا لا ضير فيه، ولكن الإغراق في هذا الجانب يمثل ظلما بينا لأدوار مهمة تقوم بها المرأة وحققت فيها نجاحات عدة، كما يتجاهل اهتمامها بقضايا مجتمعها والشأن العام، وكأنها مخلوق أناني محبوس في قمقم عالمه الخاص. ثانيا: إن القضايا، التي تفرد لها الصحف صفحاتها، وتمتد بها ساعات البث، تدور في أغلبها حول أحدث صيحات الأزياء ومراكز التجميل، فضلا عن طرق التخسيس والحفاظ على الرشاقة وحماية البشرة ومستحضرات التجميل، لتظل المرأة موضع إعجاب الغير، وكأن هذا كل الذي يعنيها في الحياة، ومن أجله خلقت. ويوم يختلف التناول حول ما يواجهها من مشكلات تجدها لا تخرج عن الجانب الاجتماعي والعلاقات الأسرية الضيقة، غير عابئة بالشأن العام، رغم أن الواقع يقول عكس ذلك. ثالثا: لم تسلم المجلات أو البرامج الموجهة للمرأة من الداء نفسه، حيث تدور في معظمها حول أخبار النجوم والمشاهير، وحكايات الفنانين من ارتباط وانفصال وصلح وخصام لتأصيل نوع من صحافة النميمة، التي لا ترقي فكرا ولا تثقف عقلا. رابعا: وفي الرواية والأدب لا تجد المرأة غير جسد بلا عقل، منتهى غايتها الإيقاع بالرجال بعيدا، عاطفتها تسبق منطقها، وانفعالاتها تسوق سلوكها، وهذا مجاف لواقع معيش، يلجأ فيه الرجال إلى أمهاتهم وزوجاتهم وأخواتهم في كثير من الأحيان لأخذ النصيحة والمشورة، فالكل شركاء في رحلة الحياة. والله سبحانه وتعالى لما خاطبنا لم يفرق بين ذكر وأنثى (بعضكم من بعض). إن التحول الاجتماعي والقضاء على معوقات التنمية لن يكون إلا في ظل مناخ اجتماعي وثقافي وسياسي محفز، وإن الجناح الآخر لعملية التنمية - وهو المرأة لا بد أن يكون حاضرا بقوة، وتراثنا العربي والإسلامي زاخر بأدوار خلدها التاريخ لبطولات نسائية تصدرت المشهد. ألم تكن ذات النطاقين «أسماء بنت أبي بكر» هي التي تذهب للغار، غير آبهة بالليل والجبال والأماكن، وتزود الرسول صلى الله عليه وسلم وصاحبه بالطعام في غار حراء، وتمدهم بالخبر دون الرجال؟ ألم تسمى بذات النطاقين يوم أن شقت نطاقها وأعطته لأبيها كي يوثق به الرحال، وهو مهاجر إلى المدينة، وتركها تواجه أبا جهل ولم تخبره عن مكانه بعد أن لطمها لطمة قطعت أذنها وأوقعت قرطها، وهي من روت عن الرسول صلى الله عليه وسلم ما يقرب من خمسة وثمانين حديثا، وهي الشاعرة الأبية الشجاعة التي كانت تعمل مع الزبير زوجها يدا بيد وكتفاً بكتف؟ فضلا عن نماذج حاضرة تدعو للفخر والتقدير... على إعلامنا العربي، إذا أراد أن يكون منبرا حقيقيا للتعبير عن واقع أمته وبخاصة فيما يتعلق بقضايا المرأة، أن ينظر بعين الإنصاف للقضايا المتجاهلة أو المختزلة أو المسكوت عنها؛ تلك القضايا التي تسمو بقدر المرأة، وتضعها في المكانة التي تستحقها، سواء ما يتعلق بقدراتها على المساهمة بفاعلية في قضايا أمتها ونجاحاتها في المجال الاقتصادي وإدارة المشروعات وآليات التمكين السياسي في المجالس الوطنية، أو ما يتعلق بدورها كمربية ومسؤولة عن تنشئة أجيال صالحة لمجتمعاتها، وهي من أشرف وأجل وأصعب الأدوار