خوف وفزع شديدان.. منازل أبوابها مغلقة.. طرق خالية من المارة.. أطفال امتنعوا عن الذهاب إلى مدارسهم، وفضلوا البقاء داخل بيوتهم خوفاً على حياتهم.. همسات وأنين بين قاطنى المنطقة حول الواقعة وأسبابها.. صراخ وحسرة وعويل داخل منزل الضحية.. لا صوت يعلو فوق معاقبة ومحاكمة المتسبب.. ومناشدات الجهات المسئولة إنقاذهم فى التخلص من هذه المزارع المليئة بالحيوانات المفترسة، تلك الحالة والمشاهد المؤلمة هى المسيطرة على سكان منطقة كفر حميد بمركز العياط بعد وقوع حادثة هروب نمر من داخل مزرعة مملوكة لأحد رجال الأعمال، ومهاجمته الطفلة أمانى محمد فهمى، الطالبة بالصف الخامس الابتدائى، والتهام أجزاء من جسدها ورقبتها حتى تحولت إلى جثة هامدة فى الحال. انتقلت «الوفد» إلى مكان الواقعة بالعياط على بعد 59 كيلو من القاهرة، وعاشت خلال جولتها التى استمرت ما يقرب من ال4 ساعات الأجواء المفزعة الحزينة التى تعيشها المنطقة، وفور وصولنا التقينا عدداً من أهالى المنطقة رفضوا الحديث فى بداية الأمر، مرددين «احنا عاوزين نعيش.. وناكل عيش.. ونربى أولادنا.. مش عاوزين نتحبس»، نظراً لخوفهم الشديد من بطش وطغيان صاحب المزرعة التى هرب منها النمر بطل الواقعة، وبعد محاولات وافقوا، رافضين تصويرهم أو ذكر أسمائهم، وأكد أحدهم أنهم يعيشون فى حالة من الرعب والتوتر بعد وقوع تلك الكارثة التى جعلتهم لا يتمكنون من الذهاب إلى أعمالهم، ومنعوا أطفالهم من الذهاب إلى مدارسهم، خوفاً من أن يقعوا فريسة لتلك الحيوانات المفترسة التى يقوم الأسطورة أو الحوت «عمرو سعيد» كما يصفونه، بتربيتها بمزرعته، كما أفاد الأهالى بأن هناك أيضاً نمرين آخرين هاربين لا أحد يعلم مخبئهما، ما زاد من حدة خوفهم وحيرتهم. وأوضحوا أن تلك الكارثة لم تكن الأولى بل تكررت السنوات الماضية مرات عديدة بعدما هرب ذئب من داخل تلك المزرعة، وخلق لهم حالة من الفزع أيضاً، إضافة إلى هروب حية مفترسة، مؤكدين أن صاحب المزرعة شخص ذو نفوذ ومقرب من المسئولين فى الدولة، ويستغل نفوذه، ويقوم بجلب واستيراد مثل تلك الحيوانات المفترسة من دول الخارج، صغيرة ويقوم بتربيتها وبيعها وتصديرها بعد ذلك بأسعار باهظة. وأشار عدد من سكان المنطقة إلى أنهم تقدموا بالعديد من الشكاوى إلى الحى والجهات المسئولة ولكن دون جدوى، واستمر فى مشروعه رغم أنف الجميع، ولم يتخذ ضد مالك المزرعة أى إجراء، لارتباطه بمسئولين كبار بالدولة، الأمر الذى جعلهم يقبلون بالوضع عاجزين عن التصدى له. كما تساءل الأهالى: تحت أى قانون سمحت الدولة لصاحب المزرعة باستيراد مثل تلك الحيوانات المفترسة النادرة. وأشار «أحمد على» شاب فى الثلاثين من عمره إلى أنه عايش الواقعة، حيث إنه كان متواجداً يوم الاثنين الماضى، وتحديداً الساعة 3 عصراً، بجوار مسرح الجريمة، حيث إنه وأهليته سمعوا أصوات صراخ واستغاثات، وعندما توجه إلى مصدر الصوت وجد الطفلة «أمانى» الضحية ملقاة على الأرض غارقة فى دمائها بعدما نهش النمر جزءاً كبيراً من رقبتها. وأكد الشاب أن هذا النمر كان قد تمكن من الهرب من داخل المزرعة منذ يومين ماضيين، وعليها سادت حالة من الفزع بين أهالى المنطقة الذين تجمعوا وبذلوا قصارى جهودهم لمحاولة قتل النمر والتخلص منه، وبعد مغامرات بحث ومطاردات للنمر استمرت ما يقرب من الساعة، تمكن الأهالى من محاصرته وقتله بإطلاق الأعيرة النارية بسبع طلقات، وحضرت بعد ذلك الشرطة، وصف أحمد ذلك الشأن بأنه لم يشاهده إلا فى الأفلام التمثيلية، ولكنه لمس ذلك فى هذه الواقعة بنفسه على أرض الواقع مطالباً الجهات الأمنية بالتدخل لإنقاذهم من خطر تلك المزرعة، خاصة أن هناك نمرين آخرين هاربين. وأثناء الحديث لاحظت «الوفد» تجمع عدد من الأطفال يهمسون بعضهم إلى البعض معبرين عن خوفهم وقلقهم الشديدين من أن يلقوا مصير زميلتهم «أمانى فهمى» التى انقض عليها النمر وأكلها، موضحين أن الضحية كانت طالبة متفوقة فى دراستها، وعلى بعد أمتار من هذا التجمع كانت تجلس طفلة بمفردها تذرف الدموع الغزيرة، وبعدما اقتربنا منها قالت: إنها ابنة خالة الضحية.. مش عارفة هروح المدرسة بعد «أمانى» ازاى تانى.. هى كانت صديقتى وأختى وحبيبتى وذهبنا مع بعض إلى المدرسة يوم وفاتها وبعد ما رجعنا عرفت انها ماتت.. أنا عاوزة صاحب النمر دا يموت زى ما بنت خالتى ماتت.. عشان هو السبب، كما أكدت سيدة من أقارب الضحية أن والد الطفلة وأمها منفصلان، وأن الضحية كانت تعيش مع أسرة والدها. وعبر الأهالى عن قلقهم الشديد بعدما تم القبض على صاحب المزرعة وعدم وجود خفير يتابع تلك الحيوانات ويضع لها الأكل، وهو ما يجعلها دائماً فى حالة جوع يكاد يتسبب فى هروبها، لتنقض وتهجم عليهم، وعلى أهالى المراكز والبلدان المجاورة. بينما رفض عمدة المنطقة التحدث أو الإدلاء بأى تصريحات حول تلك الكارثة. مفاجآت داخل مزرعة الحيوانات المفترسة سرنا فى مضيق جبلى ملىء بالأتربة ومحاط من الجهتين بمقابر وأراض صحراوية، إلى أن وصلنا إلى هذه المزرعة، وهنا انتابنا الخوف من خطورتها كما حكى لنا أهالى المنطقة، وفى مفاجأة من العيار الثقيل وجدناها عبارة عن مساحة من الأرض الخالية محاطة من الخارج بسور من الأشجار والبوص القديم، يتوسطها بالمنتصف مبنى منشأ بالطوب الأبيض المتراص ببعضه عشوئياً، علاوة على وجود الأسلاك المقطعة المهشمة غير الصالحة للاستخدام لمثل تلك الحيوانات، وكأنها حظيرة لتربية الحيوانات العادية وليس للحيوانات المفترسة المتواجدة بداخلها، منظر لا يصدقه بشر!! كيف لمثل هذه الغابات أن تكون محاطة بمثل هذا السور العبثى المنهك؟؟ دخلنا بعد محاولات مع قوات الشرطة إلى مكان تواجد الحيوانات المفترسة، تبين أن الأماكن المخصصة لتلك الحيوانات محاصرة بأسوار حديدية متهالكة دون أقفال يمكن لها الخروج منها بسهولة، أو يمكن لأى شخص فتح أبوابها دون عناء، فضلاً عن عدم علو أسوار المزرعة، حيث يبلغ ارتفاعها حوالى 2 متر، والتى يسهل على أى حيوان القفز منها. وجدنا بداخلها 8 نمور من جميع الأشكال ومختلف الأنواع ومن بينها النمور البيضاء النادرة وأيضاً النمور متسلقة الأشجار، إضافةً إلى أسدين و3 ضباع و4 قرود، وغرفة بها عدد من الحيات والثعابين، وعدد من حيوان القنفذ، والحمير والقطط، والماعز المستوردة، وفى مشهد مدهش اتخذت واحدة من النمور ركناً داخل احد الأقفاص بمفردها متعلقة فوق شجرة، وأكد أحد الأطباء البيطريين الذى تصادف تواجدهم معنا بالمكان أنها آنسة النمر الهارب. الغريب والخطير فى الأمر أن تلك المزرعة تعمل دون وجود خفير أو حارس متخصص يكلف بمتابعة الحيوانات، خاصة أنها يحيطها العديد من مصانع الطوب التى يعمل بها آلاف العمال، إلى جانب الأراضى الزراعية التى يتواجد بها أيضاً أصحابها والعاملون بها يومياً، واضعين حياتهم بين أيديهم وسط تلك الغابة المليئة بالحيوانات المفترسة التى من السهل ان تنقض عليهم فى أى وقت، لإهمال صاحبها المتهم فى توفير عوامل الأمان، من حيث إحكامها بضوابط وأبواب ومبانٍ قوية مناسبة لخطورتها، ولكن نظراً لضرورة ذهابهم لتلك الأماكن حيث إنها مصدر رزقهم الوحيد بتلك الأماكن. وأكد أحد أصحاب المزارع المجاورة لتلك المزرعة، أن صاحبها «عمر سعيد» ذو نفوذ وجبروت، ويقوم بحبس، وتكدير من يعارضه أو يمانعه فى أى شىء، وسرد لنا أن «سعيد» تسبب فى حبس العديد من أبناء المنطقة، وكان آخرها حبس عامل كان يعمل معه، بحجة اعتراض هذا العامل على أمور بسيطة، تم إلقاؤه على أثرها فى السجن، ناهيك عن العديد من الأعمال الشريرة الأخرى، كما أشار إلى أن صاحب المزرعة بعد وقوع تلك الكارثة قام بتهريب العديد من الحيوانات المفترسة باهظة الثمن إلى أماكن بعيدة، كما أشار إلى أن صاحب المزرعة لدية ثعبان الكوند، وهو من أكبر وأخطر الثعابين فى العالم، مناشداً الجهات المختصة إزالة تلك المزرعة، وترحيل وإبعاد الحيوانات المفترسة المتواجدة بها إلى أماكن بعيدة عن المنطقة، ومعاقبة مالكها، علاوة على توقف وامتناع الدولة عن إصدار أى تراخيص لأحد بممارسة تلك المهنة التى تعرض حياة الناس للخطر. الوفد داخل منزل الضحية داخل منزل خرسانى مكون من 4 طوابق، يقبع أهالى وذوو الضحية داخل صالة طويلة بالطابق الأرضى يأخذون واجب العزاء، جلسنا وتحدثنا إليهم، كان والد الضحية منهكاً من شدة الكارثة وتسيطر عليه حالة إعياء قاسية، وأكد جد الضحية الحاج «فهمى حميد إبراهيم»، أن حفيدته الطفلة أمانى محمد فهمى صاحبة ال11 سنة طالبة بالصف الخامس الابتدائى، ذهبت يوم الاثنين الماضى بعد عودتها من المدرسة، قرب الساعة الثالثة عصراً برفقة والدها وعدد من أفراد الأسرة للفسحة والتنزه بإحدى المزارع المملوكة لهم التى تبعد فيما يقرب من ال500 متر عن مزرعة الحيوانات المفترسة، ذهبوا لقضاء يوم ممتع هناك خاصة أن والدها كان سوف يسافر بعدها بيومين إلى قطر حيث إن عمله هناك، وأشار الجد إلى أنه لم يكن معهم إلا أنه فوجئ باتصال تليفونى يبلغه ان أمانى أصيبت، وتم نقلها إلى مستشفى العياط، لم يخطر بباله أو يصدق أنه سوف يجدها جثة هامدة. وسرد تفاصيل الواقعة كيف انقض النمر على حفيدته؟، مشيراً إلى أن «أمانى» عندما كانت برفقة أسرتها داخل الجنينة المملوكة لهم، وبعدما قاموا بشوى أكواز الذرة، قامت الضحية بحمل طفل رضيع 9 أشهر كان معهم لمحاولة إسكاته عن البكاء وابتعدت مسافة مترين عن أهلها، ليسمعوا بعدها صراخ الطفل الرضيع، ليفاجأ الأهل بإصابة الطفلة بجرح قطعى برقبتها، والرضيع ملقى بجوارها، وتبين لهم من خلال اقوال شقيقتها الصغرى أن حيواناً منقطاً يشبه النمر انقض عليها فجأة، ونهش جزءاً من رقبتها وقامت برمى الطفل من بين أيديها، مشيراً إلى أن أهالى المنطقة قاموا بعد ذلك بمطاردة النمر لمحاولة قتله والتخلص منه. وردًا على الأحاديث التى يرددها سكان المنطقة ان أسرة الطفلة لم تتهم مالك المزرعة خوفًا من جبروته، وأنهم ذكروا فى المحضر أن الطفلة توفيت نتيجة عقر كلب مسعور وليس نمراً، أكد الحاج فهمى أنه فى بداية الأمر لم يكن متأكداً أن النمر هو الذى تسبب فى مقتل حفيدته، وعليه لم يتهم أحداً، ولكن بعدما ثبت له أن هذا النمر هو المتسبب وذلك بعدما أشارت تقارير الطب الشرعى لذلك اتهم مالك مزرعة الحيوانات المفترسة «عمر السعيد» بأنه السبب فى مقتل الطفلة. وبحركات مقهورة ونبرات يغلبها الحزن والحسرة قال والد الطفلة: «حسبنا الله ونعم الوكيل.. عاوز أشوف صاحب المزرعة معدوم زى ما تسبب فى موت بنتى.. ومش هعرف انام غير لما أحس انى جبتلها حقها»، وناشد جميع الجهات المسئولة التحرك والتصرف فى تلك المزارع خاصة أن هناك نمرين آخرين هاربين لا أحد يعلم مكان تواجدهما ومخبئهما حتى الآن، مما جعل الأهالى يعيشون فى رعب وخوف من هجوم أى منهما عليهم فى أى وقت. وأكد أن أهالى المنطقة حرروا العديد من المحاضر والشكاوى والاستغاثات للتخلص من تلك المزارع التى تهدد حياتهم ولكن نظرا لنفوذ صاحبها كان مصير تلك الشكاوى لدى المسئولين صناديق القمامة، وحصلت «الوفد» على نسخة من تلك الاستغاثات التى كانت موجهة إلى محافظة الجيزة والتى جاء بها «نحيطكم علما بأن السيد «عمر محمد سعد الدين» أقام مزرعة للحيوانات المفترسة مستغلا فى ذلك علاقاته بالسلطات وفى ذلك ضرر بالغ على أهالى القرية كما أنها غير مرخصة، وغير مؤهلة لإقامة مثل هذا المشروع، ولعلم سيادتكم وجود هذه الحيوانات المفترسة لا يوجد سوى سور من الاشجار حول المزرعة.. نناشد سيادتكم التدخل قبل وقوع أى حادث فى القرية»، ومدون اسفلها العديد من توقيعات اهالى المنطقة. حبس صاحب المزرعة أمرت النيابة العامة بحبس صاحب المزرعة المتهم 4 أيام على ذمة التحقيقات، وكشفت المعاينة التصويرية التى أجراها فريق من النيابة برئاسة المستشار أحمد خالد أبوالعلا، وبمعاونة كل من علاء عزت وإسلام منيب ومحمد رفعت وعمرو حجازى وكلاء أول نيابة العياط، أن المزرعة تقع بالمنطقة الجبلية بقرية كفر حميد على مساحة كبيرة تبلغ قرابة 4 أفدنة ومقسمة على أقسام أماكن مخصصة كبيوت للحيوانات المفترسة، كما أكدت التحريات ان الحادث وقع نتيجة إهمال صاحب المزرعة، حيث إن إهماله فى تعيين الحراسة اللازمة لها أدى لهروب النمر ومقتل الطفلة، كما تبين، أن مالك المزرعة مورد للحيوانات المفترسة إلى خارج البلاد ولحديقة «أفريكانو بارك» الموجودة على الطريق الصحراوى، مقابل مبالغ مالية طائلة. كما أمرت باستدعاء عدد من الشهود لمناقشتهم بشأن ملابسات الواقعة، وطلبت استعجال تحريات المباحث والأمن الوطنى، وأكدت التحريات أن الحادث وقع نتيجة إهمال صاحب المزرعة، فى تعيين الحراسة اللازمة للحيوانات، ما أدى إلى هروب النمر ومقتل الطفلة. وفى السياق ذاته، عاينت لجنة من الطب البيطرى النمر الذى قتله الأهالى بعد إصابته الطفلة وقررت ان طبيعته ليست جبلية وانه مستورد من خارج البلاد، وتم تشكيل لجنة ثلاثية من الطب البيطرى لفحص الحيوانات بالمزرعة وبيان أنواعها وفصائلها، كما كلفت مأمور مركز العياط بتعيين الحراسة اللازمة على المزرعة لحين انتهاء التحقيقات. تعود تفاصيل الواقعة عندما تلقى اللواء هشام العراقى، مدير أمن الجيزة، بلاغاً بمقتل طفلة إثر التهام حيوان مفترس لها، وعلى الفور انتقلت قوة أمنية وتبين أن نمراً هرب من مزرعة مرخصة من وزارة الزراعة لتربية الحيوانات المفترسة يمتلكها رجل أعمال وراء الواقعة، حيث توجد آثار أسنان ضخمة بجسد الطفلة، وبعدها اتصل الأهالى بالنجدة، والتى حضرت على الفور، وأطلق رجال الأمن الأعيرة النارية صوب النمر وسقط من أعلى شجرة.