قضت محكمة القضاء الإدارى بالإسكندرية الدائرة الأولى بالبحيرة، برئاسة المستشار الدكتور محمد عبدالوهاب خفاجى، نائب رئيس مجلس الدولة، بوقف تنفيذ قرار رئيس الهيئة العامة للتأمين الصحى السلبى بالامتناع عن صرف الدواء المقرر لعلاج ثلاثة أطفال بالمرحلة الابتدائية بإيتاى البارود وكوم حمادة، والمصابون بمرض السكر المزمن، وبإلزام التأمين الصحي بصرف الأدوية اللازمة لهم بشكل منتظم ومستمر. كما ألزمت المحكمة بعرض الأطفال على الطبيب المختص دوريًا لتقرير مدى حالتهم الصحية فى ضوء ما يسفر عنه تناول ذلك الدواء وأمرت بتنفيذ الأحكام الثلاثة بمسودة كل منها من دون إعلان وألزمت الجهة الإدارية بالمصروفات. وأضافت المحكمة في حيثيات حكمها: إذا كان امتناع التأمين الصحى عن تقديم العلاج للمريض جريمة فإن الامتناع عن تقديم العلاج للأطفال هو أبشع ألوان الجرائم التي اقتُرفت على الإطلاق، لمساسها بينبوع الحياة بحسبان أن مرحلة الطفولة هي المرحلة التي تنمو فيها كل خلية من خلايا جسم الطفل، وكل حاسة من حواسه، وعلى هيئة التأمين الصحى أن تسعى إلى علاجهم فى الحال من دون تأجيلها للغد أو تقسيط أو تقطير فى علاجهم، فلن يستطيع الأطفال أن يلبسوا ثوب العافية إلا إذا قامت الدولة نحوهم بواجبها الدستورى والقانونى والإنسانى، وإذا جاء الأب يحمل طفلته والنّار فيه تحرق الكبد، والأم جاثية ومقلتها حانية ينهمل منها دمعًا، والطفلة تبكى وتصرخ ورجفت جوانحها، ويذوبان لآلامها كمدًا، ينتظران ممن ناط بهم الدستور والقانون علاجها فلم يجدا آذانًا للأطفال تسمع، من راحوا من الألم همدًا ورقدًا، وإلى السماء رفع الجميع نواظرهم، فبسطت العدالة يديها لهم سندًا وعضدًا، وبهذه المثابة يشكل امتناع التأمين الصحى عن صرف الأدوية المشار إليها آنفاً قرارًا سلبيًا مخالفًا لأحكام الدستور والقانون. وأضافت المحكمة أن الهيئة العامة للتأمين الصحى ملتزمة - بحكم القانون - بتقديم الخدمات العلاجية والتأهيلية لطلاب المدارس فى حالتى المرض والحوادث، أيا كانت المرحلة التعليمية وحددها تحديدًا فى أطفال رياض الأطفال ومراحل التعليم الأساسى والتعليم الثانوى العام والفنى والمدارس الفنية نظام الخمس السنوات والمدارس الثانوية التجريبية التحضيرية للمعلمين والمدارس الخاصة من مختلف المراحل والنوعيات وطلاب المعاهد الأزهرية. وألزم الدولة بأن يكون نظام التأمين على الطلاب إلزاميًا فى جميع المراحل التعليمية المذكورة وألزمها كذلك بتقديم الرعاية الصحية بنوعيها الخدمات الصحية الوقائية والخدمات العلاجية والتأهيلية بصورها كافة وعلى قمتها صرف الأدوية اللازمة للعلاج ويكون علاج الطالب ورعايته طبيًا طول مدة انتفاعه إلى أن يشفى أو تستقر حالته. وأشارت المحكمة إلى أن المشرع الدستورى أوجب على الدولة كفالة التأمين الصحى لجميع المواطنين وعلى قمتهم بها بما يستتبعه ذلك من توفير سبل العلاج حسبما تقتضيه حالة المريض، وقد نظم القانون كيفية أداء هذه الخدمة لطلاب المدارس، وهذا الالتزام لا مناص من تحقيقه ولا سبيل لفك يد الدولة منه، إذ إن تلبية طلب التلميذ المريض بالعلاج أمر يفرضه القانون ويبرره الواقع، والقول بغير ذلك يعرض حياة التلاميذ المرضى للخطر وهى جريمة مؤثمة مما يجب على الدولة وأجهزتها المختصة النأى عنه. وذكرت المحكمة أن البادى من الأوراق أن الأطفال الثلاثة بالمرحلة الابتدائية بإيتاى البارود وكوم حمادة وهم: ندى حصافى النشار وانتصار على الحوشى ويوسف سعيد علوانى ويعانون من مرض السكر المزمن وبعرضهم على التأمين المختص قرر احتياجهم إلى العلاج التالي: أنسولين مائى يوميًا، وعقار اللانتوس يوميًا، وجهاز لقياس السكر، وكذلك شرايط قياس السكر بالدم بواقع 8 مرات يوميًا، وشرايط قياس الاسيتون فى البول بواقع 3 مرات يوميًا، والأقلام الخاصة بكل نوع انسولين، ولما كان ما تقدم وكان هؤلاء الأطفال من الخاضعين لنظام التأمين الصحي على طلاب المدارس، فإنهم يستظلون بخدماته وتلتزم الهيئة المدعى عليها – من ثم – بتوفير الأودية اللازمة وبالجرعات المقررة لعلاجهم وبما يتناسب مع تطور حالتهم الصحية بصفة دائمة ومنتظمة دون تأخير حتى تمام شفاؤهم ويضحى امتناع الهيئة المدعى عليها عن صرف الأدوية المشار إليها آنفًا قرارًا سلبيًا مخالفًا للقانون ولا يجوز للهيئة العامة للتأمين الصحى الامتناع عن صرف ذلك الدواء، خصوصًا أن آباء الأطفال الثلاثة من غير القادرين على تحمل النفقات الباهظة لهذا العلاج ومن شأنه كذلك أن يُمكن هذا المرض اللعين سارق الصحة من أن يفتك بهؤلاء الأطفال الذين يتفتحون على الدنيا بظلام الظلم والمرض. واختتمت المحكمة أحكامها الثلاثة أن التأخير فى منح الأطفال الثلاثة جرعات العلاج يعرض حياتهم للخطر ويحرمهم من حقهم فى العلاج المجانى ويمس حقهم فى الحياة وهما حقان دستوريان يتوجب على الدولة ممثلة فى هيئة التأمين الصحى بذل العناية اللازمة لتخفيف معاناة الأطفال المرضى من آلام المرض العضال الذى ألم بهم، خصوصًا أن الأطفال الثلاثة بالمرحلة الابتدائية لم تتفتح فيها عيونهم إلا على الشوك بسبب المرض وهم لا يملكون إلا حق الصراخ والقدرة عليه إلا أن الجهة الإدارية تحجرت قلبها تجاههم وأصمت أذانها عن سماع صراخاتهم بامتناعها عن علاجهم فطرقوا باب العدالة الذى لا يوصد فى وجه طارقه.