أمن الناس يبدأ من الشارع.. فإذا أحسن المواطن أنه غير آمن علي نفسه في الشارع.. قرأ الفاتحة علي روحه.. وعندما يغيب الامن عن الشارع يتحول إلي غابة البلطجي هو السيد رقم واحد والبائع المتجول هو السيد الثاني.. وعندما طال غياب الأمن وقع الصدام بين الاثنين: البلطجي والمتجول من ناحية.. والمتظاهرون في ميدان التحرير والمعتصمون فيه!! والمواطن الذي تعود أن يري شوارع معينة في مناطق معينة وقد استولي عليها البلطجية من ناحية.. والباعة الجائلون من ناحية اخري.. هنا ينكمش المواطن المسالم.. ويطلب السلامة فيلزم بيته.. أو يري ولا يفعل شيئاً.. وعليه ان يقنع بالسلامة، مهما كان من أصحاب الدم الحامي!! وكنت أمشي في شارع طلعت حرب، سليمان باشا الفرنساوي سابقاً كنت أتعجب .. اذ كيف قدم الأمن هذا الشارع علي طبق من ذهب للطرفين.. وعلي المعترض أن يضرب رأسه في.. قاعدة التمثال الذي أقيم محل تمثال سليمان باشا، أبو العسكرية المصرية الحديثة وهو الجنرال الفرنسي: كولونيل اوكتاف جوزيف انتلم سيف المولود عام 1787 في مدينة ليون، وجاء إلي مصر عام 1819 فولاه محمد علي مهمة انشاء جيش عصري وسلمه 1000 أبناء المماليك وأرسله إلي اسوان في العام التالي لتكوين هذا الجيش فكانت بذلك أول كلية حربية في مصر.. المهم أن هذا الشارع وهذا الميدان اللذين كنا نتنزه فيما بعد ان نلبس ما علي الحبل تحولا إلي سوق عشوائية للملابس درجة رابعة أو المستعملة.. ومن أراد ان يأكل طبق كشري عليه ان ينزل إلي عرض الشارع.. وكذلك من يريد أن يأكل كوباً من الحلبسة أي حمص الشام.. وكله موجود في الشارع.. وليس شارع سليمان باشا وحده.. بل ميدان رمسيس وميدان العتبة وميدان الخازندار وشارع 26 يوليو من أمام جامع السلطان أبو العلا وحتي مستشفي الولادة.. وأيضاً أمام الشهر العقاري ونقابة المحامين.. وبلاش نكمل حتي لا نذكر كل شوارع القاهرة التي تحول كل واحد منها إلي سويقة يعجز الامن ورجاله عن اختراقه.. فالباعة مسلحون.. حتي بالآلي!! سويقات وراء سويقات.. فماذا تركنا لمناطق شعبية مثل باب الخلق والموسكي والسيدة زينب.. المهم أخذ الناس يبتعدون عن هذه المناطق التي ضرب الفساد تجارها.. وجلسوا علي أبواب محلاتهم يعبون الشمس في زجاجات ويندبون حظهم.. إلي أن جاءت حكومة الإنقاذ .. واهتم الدكتور الجنزوري بالامن وأخذ يتابع أموره، كل ساعة.. وكان لابد من تحرك سريع.. ونزل اللواء محمد إبراهيم يوسف وزير الداخلية الجديد إلي ميدان رمسيس ومعه رجاله و.. «نظفوا» الميدان.. وكمشوا من كمشوه.. ونزل اللواء محسن مراد مدير أمن القاهرة ليكمل المهمة علي رأس 48 حملة خلال 3 أيام ومعه عدد من اللواءات أحدهم اللواء أسامة بدير مدير إدارة شرطة المرافق، التي سبق أن اختفت وسط الاحداث السابقة.. ونزل اللواء عابدين يوسف مدير أمن الجيزة.. وهكذا في ميداني الجيزة والمنيب وتم رفع الباعة الجائلين ورفعوا الاشغالات .. وأوقفوا الموتوسيكلات بدون لوحات والعديد من التوك توك، التي رأيت بعضها - والله العظيم - يمشي فوق كوبري 6 أكتوبر.. وتمت هذه العمليات.. وكنت أتمني أن يقوم الاعلام بتغطية هذه العمليات بتوسع كبير حتي يعرف من لا يقرأ أن الدولة مُصرة علي اعادة الامن للشوارع.. لانه وسط هذا الانفلات يقع كل شيء .. للصغار والكبار معاً.. وهذه الاشغالات تعوق حركة المرور بشكل كبير.. لان الباعة بعد أن احتلوا الارصفة نزلوا ببضاعتهم إلي نهر الشارع يفعلون ما يريدون.. ولا أحد يستطيع أن يردعهم.. لانهم مسلحون.. علي الاقل بالشوم والسنج.. والعضلات.. وأمن الدولة - يا سادة - يبدأ من الشارع.. وينتهي في الشارع فإذا لم يحس المواطن بالامان في الشارع علي الحكومة ان تحمل عصاها وترحل.. قبل أن يحمل المواطن - وكل مواطن - عصاه يدافع بها عن نفسه وعن ماله وعن عرضه، ومن يمت دون أي واحدة من هذه.. فهو شهيد.. والشارع المنفلت عياره يعني السرقة وهتك العرض والخطف وليس سراً أن تجارة الكوالين والاقفال وصناعة الابواب الحديد قد راجت في الشهور الاخيرة.. وان تجار الاسلحة يبيعونها علانية في الشوارع وفي الطرق الخارجية.. حتي عصي الشرطة المكهربة.. وكله موجود.. وهذا معناه انفلات خطير نحتاج للقضاء عليه سنوات طويلة.. إن مدة بقاء حكومة الانقاذ في الحكم مرهونة بإعادة الامن إلي الشارع.. ولهذا بدأ الدكتور الجنزوري بالعمل في الشارع. وهي مهمة جد صعبة للغاية.