لى ملاحظات على التشكيل الوزارى الذى ولد بعد تعثر شديد، ثم جاء مخالفاً لبعض الآمال في استمرار أو إحياء الثورة. سأترك هذه الملاحظات الآن وألتفت إلى مهام الوزارة. كان لى شرف التعرف على شخص وفكر الدكتور الجنزورى في أكثر من مناسبة، وأستطيع القول بأنه يتمتع بقدر كبير من احترام الذات ويدرك جيداً جسامة المسئولية الملقاة على كاهله، وأظن أن باستطاعته قيادة فريق الوزراء بفاعلية نحو الأهداف المحددة.. المهم ما هذه الأهداف؟؟ أول الأهداف على قمة الأولويات هو إعطاء التعليم ما يستحقه من عناية وميزانية. ليس لدينا وقت طويل لنضيعه دون التصدى الفورى لقضية التعليم، فبدون هذا التصدى سنظل نحرث في البحر، وسنظل ندّعى أن لدينا مدارس، وندّعى أن لدينا تعليما. مطلوب فوراً تصحيح هذه الأوضاع لنستعيد مدارسنا لأبنائنا، ونستعيد معلمينا إلى الفصول، ونستعيد التعليم من أيدى العابثين به سواء داخل المدارس أو خارجها أو في مراكز التقويم أو في حلقات ما يسمى تطوير المناهج. المطلوب ثورة حقيقية تسقط الموروثات وتذبح البقرات المقدسة وتنطلق من خيال خصب وإبداع لا نفتقر اليه. لا نريد إصلاح التعليم ولا ترقيع المناهج ولا تعديل نظام التقويم... نريد ثورة في التعليم.. نعم ثورة. والسؤال هو: هل سنحدث الثورة مستخدمين نفس الأدوات الحالية ونفس الرجال الحاليين ونطبق نفس المفاهيم والسياسات؟؟ بالقطع لا. مطلوب ثورة في كل النواحى، ولدينا خطط شبه جاهزة لذلك. ثانى الاهتمامات الواجبة على حكومة الجنزورى هو إحداث نقلة نوعية في إدارة الدولة.. ويتطلب ذلك إعادة توزيع الصلاحيات بين الجهات المركزية والجهات الميدانية، وإعادة تنظيم العلاقات وتحديد المسئوليات، وإعادة تقسيم المحافظات لكى نوفر لكل منها مصادر دخل عادلة وكافية لتحقيق الرخاء، وإلغاء النظام الحالى للمحليات ليكون المحافظون والقيادات الرئيسية بالانتخاب، وتكون محاسبتهم في الميدان شريطة أن تتاح لهم الصلاحيات وتوضع تحت أيديهم الموارد الذاتية اللازمة للإنجاز. تكمن آفة أى أمة في سوء التنظيم، ونحن والشهادة لله نعانى من تنظيم سيئ لجهاز الحكم في مصر وللجهاز التنفيذى، ومطلوب من الجنزورى أن يتصدى لهذا العيب المعوق فوراً! أتذكر حين تم إخراج الجيش العراقى من الكويت بعد احتلال دام عدة شهور، وكان الشعب منكسراً والثكالى والأرامل كثر، والموارد مبددة، وكيان الدولة الكويتية مفكك.. أذكر أن سمو أمير الكويت شكّل فريق عمل من خبراء دوليين لإعادة هيكلة الجهاز التنفيذى لدولة الكويت، تشكل الفريق من خبراء مشهود لهم بالكفاءة والنزاهة من جنسيات أمريكية وأوروبية ولبنانية ومصرية، وكنتُ المصري الوحيد في الفريق وعملنا أياماً وأسابيع رائدنا هو الرغبة في إعادة البناء، وطموحنا إقامة النظام الادارى الذى يؤمن الحاضر والمستقبل ونجحنا في المهمة وتمت إعادة هيكلة الجهاز التنفيذى لدولة الكويت، وانطلقت الكويت بعد ذلك قوية وعفيّة بلا هواجس وبلا شكوك. لم يستغرق الأمر غير بضعة أسابيع(!) نعم بضعة أسابيع. وأنا هنا أطالب د. الجنزورى بأن يتصدى وبسرعة لهذه القضية فهى محورية وهو يعرف قبل غيره كيف يؤدى العجز الإدارى إلى كل صور العجز الأخرى (اقتصاديا وسياسيا واجتماعيا). الهدف الثالث لحكومة الجنزورى هو تأكيد وتطبيق سيادة القانون والنظام في كل مناحى الحياة، وأنا أتذكر أنه هو شخصياً سبق له التصدى لتفشى البناء على الأرض الزراعية وحمى هدم الفيلات وبناء الأبراج، وكان ذلك نموذجاً لكيف نفرض سيادة القانون والنظام.. نريد هذا الانضباط في كل المجالات وليس فقط في مجال البناء، فلا تعطيل لمرافق، ولا نهب لأراض، ولا فوضى في الشوارع، ولا مرتبات بغير حدود، ولا مهازل في المرور، ولا استثناءات لأعضاء البرلمان، ولا مظاريف سرية للمسئولين. القانون قانون. والنظام نظام، ولنطبق ذلك على الجميع في شفافية حقيقية وبعدالة وشجاعة نعلم أنها متوافرة لدى الجنزورى وحكومته. فلا يعقل مثلاً أن نمنع الدعاية الانتخابية في اليومين السابقين للاقتراع، ولا يحترم أحد هذا المنع، ولا يعقل أن نفرض غرامة على من لا يشترك في التصويت ثم يصرح المسئول بأن الغرامة لن تطبّق، ولا يعقل أن نتمسك بتمديد فترة الطوارئ ولا نطبق أيا من استحقاقاتها.. يا ناس يا هوه نريد الالتزام بالقانون والنظام. الهدف الرابع هو إطلاق الابداع في كل القطاعات، لا نريد خنق الأفكار الجديدة، ولا نريد أن نعيش سجناء للأساليب القديمة.. شجعوا من لديهم الخيال وقادرين على الابتكار. لا نريد أن نكرر السير في الطرق القديمة.. أطلقوا الطاقات الإبداعية للمصريين في كل مكان!.. لقد أقلقنى إعلان د. الجنزورى عن إحياء المشروعات القديمة في توشكى وشرق العوينات وغيرهما.. سيدى رئيس مجلس الوزراء، ربما كان هذا التوجه له ما يبرره، ولكنى أريدك متفتحاً على أفكار جديدة ومشروعات جديدة ورؤى جديدة. ومستقبل مصر ليس فقط توشكى وشرق العوينات. قم بدعوة أصحاب الخيال للمشاركة في رسم خارطة الطريق إلى النهضة نهضة مصر التى تستحق النهوض، وأعدك بأنك ستكتشف أشياء لم تدر بخلدك من قبل وإمكانيات لم تعرف عنها من قبل، وفرص هائلة لم يرها أحد من قبل. أنا أستطيع الاستطراد في بيان الأولويات، ولكنى لا أدعى امتلاك الحكمة كلها ولا أحتكر الفكر الإبداعى لنفسى فقط. و دعونى أذكر الدكتور الجنزورى وأذكر الآخرين بأن الوقت المتاح لنا ليس طويلاً، ونفسّر ذلك بالخوف من التحرك إلى الأمام، بالتالى لا أريد أن نستسلم لفكرة « «حكومة تسيير الأعمال» في «الفترة الانتقالية» وبالتالى لا نتخذ خطوات جريئة وحرجة في مسيرة نهضة مصر.. أنت تقود حكومة مصر.. ومصر تنتظر منك الحركة السريعة و الخيال الخصب والقرار الشجاع. آخر سطر الانشغال بهموم اللحظة.. لا يجب أن يشغلنا عن فرص صنع المستقبل.