عنف الزوجات ضد الأزواج، من المواضيع التى قد تدعو للسخرية والضحك فى بادئ الأمر، ولكن بالبحث نجده من الملفات المسكوت عنها فى المجتمع المصرى... وتتم الإشارة إليه على استحياء فى حوادث فردية، ولكن اليوم أخذت قضية العنف الأسرى منحى خطيرًا يتمثل فى تزايد حالات ضرب الزوجات لأزواجهن... بعد ما كان المجتمع يحاول مواجهة ظاهرة عنف الأزواج تجاه زوجاتهم وأبنائهم، فوجئ حاليًا بمتغير خطير كشفت عنه بعض وسائل الإعلام. فقد وضع مركز بحوث الجرائم التابع للأمم المتحدة المرأة المصرية فى صدارة القائمة العالمية للنساء اللاتى يضربن أزواجهن بنسبة 28%، كما جاءت إحصائية محكمة الأسرة لتؤكد تفشى هذه الظاهرة فى المجتمع المصرى حيث نسبة الزوجات اللاتى يضربن أزواجهن، ويلجأن للخلع أو الطلاق تصل إلى 66% من إجمالى دعاوى الخلع والطلاق، فى نفس الوقت هناك 6 آلاف زوج مصرى أكدوا تعرضهم للضرب على أيدى زوجاتهم وأثبتوا هذا بدعاوى نشوز الزوجات. الإحصائية ذاتها أكدتها دراسة ل«مركز الأقصر للدراسات والحوار والتنمية» حيث كشفت أن أكثر من نصف الرجال المتزوجين فى مصر معرضون للضرب من زوجاتهم، وأن العنف يزيد بين الزوجات الأميات بنسبة 87% بالمقارنة بالمتعلمات وأن 5.63% منهن يستخدمن آلات حادة، وأن ثلث النساء لا يشعرن بالندم لتصرفاتهن تجاه أزواجهن. أشكال العنف الذى تمارسه بعض الزوجات ضد الأزواج «متعددة». تبدأ بتوجيه العبارات الجارحة، وتنتهى فى بعض الأحيان بالقتل، مرورا بأشكال مختلفة من الضرب. تلك الأرقام والإحصاءات الصادمة، دفعتنا للبحث عن الأسباب المؤدية الى هذا الوضع، والتى نتج عنها تفشى هذه الظاهرة فى مجتمع شرقى يعلى من قيمة حقوق الزوج على حساب حقوق الزوجة... وكيفية علاجها. قالت الدكتورة سوسن فايد، أستاذ علم النفس بالمركز القومى للبحوث الجنائية والاجتماعية، إن الإحصائيات حول عنف الزوجات ناقصة، موضحة أن عنف الزوجة ناتج عن تعرضها لعنف مسبق على يد زوجها، فهو ليس سوى رد فعل، قائلة «العنف بيجيب عنف». وأوضحت أن عنف الزوجة يأتى فى الأغلب كنتيجة متراكمة لكبت لديها بسبب فرط القسوة وعنف زوجها معها، وبالتالى فقدت الزوجة كل المشاعر الايجابية، وتعلمت بشكل غير مباشر أساليب العنف فى التعامل مع زوجها. وأشارت «فايد» إلى أن الطبقات الأدنى والتى يتعاطى فيها الأزواج المخدرات والخمور هى الأكثر عرضة لتعرض الرجال فيها للعنف، وذلك بسبب استغلال زوجته ووجوده فى حالة سكر وضعف جسدى، فيسهل التطاول والاستقواء عليه فتنهال عليه بالضرب لتفريغ طاقتها السلبية التى تولدت لديها نتيجة عنفه معها أو اتكاله عليها. وأكدت فايد أن عنف المرأة ليس إلا رد فعل للعنف معها. وأوضحت أستاذة علم النفس أن العنف الأسرى يؤثر بشكل سلبى بنسبة كبيرة جداً على الأطفال، موضحة أن تأثير العنف على الأطفال قد يتخذ اتجاهين، حيث إنه قد يخلق طفلا عدوانيا.. ثقافة العنف تستقر فى وجدانه ويتخذه كنهج فى حياته العامة، والاتجاه الآخر قد يخلق جيلا من الأطفال مضطربين نفسيا ينتابهم الخوف دائما وذوى شخصيات ضعيفة وانطوائية واشخاص غير فعالين فى المجتمع ويتهربون من مواجهة المشاكل. وقالت فايد إن المرأة المصرية قد تشعر بالاضطهاد ونتيجة لتكوينها النفسى، قد تصل لمرحلة الكبت فتنفجر فى زوجها، لكنها عندما تصل لمرحلة الاعتداء على الزوج فهذا يعنى أن الكبت والإحباط والضغوط النفسية لديها وصلت لأقصاها. مضيفةً أنه رغم ذلك فإنها تشكك فى تلك الإحصاءات وتؤكد أنها ليست عنوانا للمرأة المصرية. ولعلاج ظاهرة العنف الأسرى قالت: يجب العمل بشكل جماعى ومشترك بين مؤسسات الدولة والإعلام والمؤسسات الدينية، لبث ثقافة السلام الاجتماعى والتوعية بآداب المعاملة بداية من الالفاظ والتأكيد على حقوق الطرفين، لذلك يجب تنشئة الجيل القادم تنشئة سليمة يعى جيدا مفهوم الزواج وبناء أسرة سوية. بينما اشارت عضو الرابطة العالمية للطب النفسى دكتورة هبة العيسوى إلى أن ظاهرة ضرب الأزواج ليست حديثة على المجتمع المصرى، لكنها تفشت فى الآونة الأخيرة. مؤكدة أن طبيعة المرأة المصرية غير عنيفة ولا مؤذية، ولكن تعرض الزوجة للعنف والإيذاء البدنى واللفظى يعتبر شرارة اللهب التى تحول طبيعة المرأة للعنف. وعن أسباب عنف الزوجة اضافت العيسوى ان التقدير السلبى من الزوج للزوجة يعد سبباً رئيسياً. فكلما فعلت شيئا لإرضائه واجهها بالاستخفاف وعدم التقدير وإهانتها أمام ابنائها والغرباء، مما يخلق داخلها طاقة عنف كبيرة للثأر لكرامتها. كما ان الرغبة فى المساواة مع الرجل فى «العنف» تعد سبباً آخر، فترى الزوجة التى تتعرض للضرب أنها إنسان مثل زوجها الذى يضربها وقد تضاهيه فى القوة البدنية وتفكر لماذا أستسلم له ولا أرد العنف بعنف مثله؟، لكننا لا نقصد بذلك أن كل المطالبات بالمساواة يضربن أو يتخذن العنف منهجا لهن. وعن وسائل العنف قالت إن الزوجات يضعن الحبوب المنومة لأزواجهن ويعاقبنهم إما ضربا أو حرقا أو عن طريق استخدام الدبابيس والأدوات الحادة، وهذا ما رصدته بعض الدعاوى أمام محاكم الأسرة. تقول «منى»: أنا بطبيعتى رقيقة ومطيعة، ولم تكن شخصيتى فى بيت أهلى عصبية، بل كنت هادئة ومنطوية، ولكن بعد زواجى تغيرت تماماً، بسبب المشاكل المستمرة اضطررت إلى مد يدى على زوجى، وضربه. وتعترف بأن سبب عنفها مع زوجها قد يرجع إلى ما تعرضت له من إيذاء جسدى ومعنوى منه. دخل زوج للمستشفى للعلاج من إصابات خطيرة أصيب بها على يد زوجته، ورفض الاعتراف بأنها كانت وراء ما حدث له، وحين سأله الطبيب عن السبب فى إخفاء الحقيقة، أجاب بأنها إهانة له أن تعرف أسرته وأقاربه أن زوجته تعدت عليه، ويضيف أن سبب السيطرة التى تمارسها زوجته عليه هو ضعف شخصيته، كما أنها تتكبر عليه لأنها أحسن منه بسبب راتبها الذى يفوق راتبه. أما «سعاد» فقالت إنها قامت بتحريض إخوتها الذكور لضرب طليقها، وذلك لأنه حرمها من رؤية أولادها ولم يعطها حق الحضانة، وهذا ما جعلها تقدم على هذا الفعل، وتعترف بأنه كان يضربها باستمرار، لذا طلبت الطلاق، وانتقاماً منه جعلته يتعرض للضرب على يد أشقائها.