"بكتة الحفاضات ب25جنيها...و"الفَرط" بجنيه للواحدة والسعر ده مش هتلاقيه بره" كلمات أطلقها بائع بأحد الأسواق الشعبية التقاطتها أذن محررة الوفد خلال مرورها في شارع تخصص فى بيع المنتجات الصحية كالحفاضات و المناديل الورقية مجهولة المصدر، فقد كان هذا طرف الخيط الذي جعلها تبدأ مهمة البحث عن أصل المنتجات ومكان تصنيعها وطريقة توريدها. "باسوس" أكبر وكر لمصانع "بير السلم" تلال من حفاضات الأطفال تُباع علي الأرصفة ينتقيها "الغلابة" لانخفاض سعرها دون النظر لكمية الأضرار التي قد تنتج عن استخدامها، وفي جولتي وسط الباعة "كتاجرة" تنتوي فتح محل منتجات صحية قمت بسؤالهم عن أماكن بيع البضاعة لعمل صفقة والتعاقد مع تلك المخازن فكانت الإجابة مصانع ومخارن"باسوس" حين سماعي لهذا الأسم أول مرة تداعي لذهني صور لمصانع "بير السلم"، لأن هذه القرية أكبر مُنتج لهذا النوعية من السلع وتحتوى على العشرات من المصانع و الورش، كان من الممكن أن يصبح ما يدور في رأسي خاطئ وأن تكون تلك المنتجات طبية ولكن تُباع بسعر أقل لسبب ما. ولحسم الشكوك الدائرة برأسي قررت الذهاب إلى قرية باسوس الواقعة بين القاهرةوالقليوبية، وتتبع القليوبية إداريًا، وصلت إلى المكان المراد، في البداية وقمت بتفقد المكان، وسألت أحد المارة للتأكد من سيري في الطريق الصحيح فسألته "هي دي باسوس؟" ليجيب "أه دي باسوس...عايزة مين هنا؟" أخبرته بأن أريد الوصول إلي محلات و مخازن الحفاضات لعمل صفقة من أجل مشروع جديد، فأشار إلي الوراء قائلًا "الشارع ده كله مليان محلات للحفاضات و المناديل". طريق طويل لا يتبين له آخر ملئ بالعديد من المحلات التجارية المخصصة لبيع المنتجات الصحية بالجملة وعربات نقل تُفرغ ما بها من حمولة أمام تلك المحلات، والغريب أن هذه المتاجر تحتوي علي بضائع تحمل أسماء ماركات معروفة. وبعد جولة لم تستمر طويلًا في المنطقة قررت البدء في مفاوضات مع أصحاب المحلات، فتحدثت مع إحدي السيدات التي تمتلك محل بيع بالجملة وأخبرتها بأني أريد طلبية من الحفاضات و المناديل الورقية لإفتتاح "محل منتجات صحية"، لترد " عندنا ماركات كتير من مصانع كبيرة و الشغل ده نضيف بيجي من برة و بيتعبى هنا". و عن أصل المنتجات و طريقة تصنيعها، أجابت، "معندناش مصانع ده كله شغل بره بس في شركات هنا بنتعامل معاها لكن مش كل الأنواع بنجيبها من هنا". ما لفت انتباهي من حديث هذه السيدة أن هناك شركات كبرى تقوم بالتعامل معهم إلى جانب مقولتها "إحنا بنعبي هنا!" لم أفهم مقصدها بتلك الجملة. وأستكملت جولتي بالمكان فأستوقفني محل به طفل يترواح عمره 12 عام تقريبا يعمل به كبائع و كررت نفس السؤال عن كيفية شراء بضاعة، ليجيب"احنا بنشتري من مكان بعيد مش عارفة ...و الشركة بتيجي تنزل الحاجة الي طلبناها بعد ما صاحب المحل بيطلب البضاعة ويدفع الفلوس". الصيادلة زبائن باسوس وفي منتصف رحلتي بعدما بدأ يطمأن قلبي و بدأت أقتنع أن الشركات الكبرى هي من تورد لهؤلاء التجار و أنها لاضرر فيها، لفت إنتباهي "تروسيكل" يخرج من ممر منحدر متفرع من الشارع الرئيسي محمل بعبوات تشبه التي وجدتها أثناء مروري بالسوق من قبل، وعلى الفور توجهت لهذا المكان ليكن أول ما آراه مخزن كبير يحتوي علي ما يشبه بالتلال من المنتجات الصحية. قدمت نفسي لصاحب المخزن على انى أنتوي فتح مشروع للمنتجات الورقية والصحية، وأريد معرفة أسعار المنتجات والشراء بسعر الجملة ليجيب " احنا منافذ بيع فقط ...مفيش مصانع أو ورش بنتعامل معاها في المنطقه أحنا متعاقدين معاهم و كل شئ ماشي قانوني " فسألته " إيه الماركات اللي بتتباع عندكم...حاجة نضيفة يعني زي اللي في الصيدليات؟" صدمني رده ليجيب بكل تلقائية " الصيدليات مش بتشتري غير من هنا.. كلها حاجات مضمونة" و عن الأسعار أوضح "مفيش سعر ثابت في السوق لأن الخامات بتيجي من بره و سعر الدولار بيزيد". فخرجت من الممر وبداخلي إقتناع كامل بأن هناك شئ غريب يحدث، وبعد خروجي بخطوات بسيطة وجدت رجلًا يجلس علي منضدة لم أكن أعلم حينها أن حديثي معه هو دليلي علي ما أبحث عنه، فسألته سؤالي المعتاد عن متجر يبيع بضاعة جيدة وبسعر مناسب، ليرد، "الشارع الي انتي خارجة منه مليان مخازن" و عن أنواع الحفاضات أكد أن هناك نوعان الشعبي و المستورد قائلًا "الشعبي أرخص في السعر و كله شغال، والحفاضات بتيجي من الشركة و الكل بيتعبى هنا". فرز الحفاضات بمخازن باسوس قررت بعد سؤالي للبائع التعمق أكثر داخل الشوارع الداخلية للقرية، وخلال جولتى واستكشافي للشوارع الداخلية، أكتشفت مخازن هائلة يتم فيها فرز وتعبئة الحفاضات في أكياس مطبوع عليها ماركات مشهورة و أخرى فارغة وخالية من أي كتابة بها عاملين من جميع الفئات ومختلف الأعمار، كان المشهد الأبرز في هذا المكان هو جلوس العاملين في الأرض أمام تلال من الحفاضات يقومون بترتيبها وفرزها و تعبئتها، فالجميع يعمل بسرعة ودقة، وبعد فترة من التجول وسط المخازن لفت انتباهي مخزن مُنعزل عن باقي المخازن، دفعنى فضولى للإقتراب أكثر من المخزن. وبخطوات تملؤها الحذر توجهت صوب المخزن الذي يقع في مكان مهجور إلى حد ما ورأيت داخل المخزن، رجلًا يبدو أنه مالكه، و سيدتين يجلسون جميعًا وسط تلال من أكياس الحفاضات التي تشبه إلى حد كبير أكياس القمامة و طفل يقترب عمره من 10 سنوات، و شاب أخر بداية العشرينات، جميعهم يقومون بأعمال التعبئة و التغليف، وقمت بإجراء مفاوضات لعمل صفقة معه، فأوضح لي أن خامات المنتجات جيدة فهي تأتي من مصانع كبرى يقوموا ببيعها بسعر أقل من المحلات نظرًا لأنها "فرز ثانٍ وبواقي مصانع". وبعد مفاوضات لم تستمر دقائق محدودة بدأ الشك ينتابه و بدء يلُاحظ قيامي بتصوير المكان و بعد إقناعه بأني مجرد تاجرة ولن استفاد شيئًا بتصويره، غادرت المكان وقررت إنهاء التحقيق حتى لا اتعرض لخطر أكبر وذلك بعد التقاط الصور والفيديوهات التى تكشف عن مدى الفساد الموجودة بهذه المخازن. "الحفاضات الشعبي" تجلب الفيروسات قالت الدكتورة نهى أبو الوفا أستشاري طب الأطفال القصر العيني، إن طبيعة بشرة الطفل تختلف عن بشرة الكبار فهي أكثر عرضة للإصابة بالحساسية، متابعة أن حفاضات الدرجة الثانية أو بير السلم لها مضاعفات خطيرة للطفل أولها تهيج الجلد و حدوث بعض الإلتهابات. وأضافت "أبو الوفا" إذا كانت الحفاضات غير معقمة فسوف تصيب الطفل بعدوى الفطريات والبكتريا إلى جانب أنها من الممكن تصيبه بأنزيمة جلدية و إنتقال بعض الفيروسات لطفل. وأوضحت أستشاري طب الأطفال، أن من ضمن أعراض الحفاضة الغير صحية هو تغير سلوك الطفل وبكاءه بشكل مستمر لعدم شعوره بالراحة، إلى جانب ظهور إحمرار في هذه المنطقة. حماية المستهلك: المواطن السبب قال أحمد سمير المدير التنفيذي لجهاز حماية المستهلك، إن هناك جزءا من المسئولية يقع على المستهلك في دعم منتجات بير السلم لأنه دائمًا ما يلجأ إلى المنتجات الأقل سعرًا، متابعًا أن تلك المنتجات لها ضرر كبير على المواطن فقد يصل الحد إلى الإضرار بصحته و أصابته بأمراض و فيروسات عدة لحملها الكثير من البكتيريا و الجراثيم لبيعها علي الأرصفة و تحت الكباري . وأضاف "سمير" أن هناك أقتراح مطروح علي مجلس النواب بشأن نقل الباعة الجائلين إلى محلات تجارية و تسجيلهم لدي الجهاز وذلك لمعرفة مصدر المنتجات مما سيساهم ذلك في القضاء نهائيًا علي بضائع بير السلم، مضيفًا أن هذه التجربة نجحت في دول أكثر كثافة من مصر ومتقدمة كالصين. وأوضح المدير التنفيذي لجهاز حماية المستهلك، ان الجهاز، دائمًا ما يحذر المواطنين من تلك البضائع و من أضراراها، مشيرًا لقيامه بشن حملات مكثفة ضد جميع المخازن والمصانع الغير مرخصة وذلك بالتنسيق مع وزارة التموين والجهات المعنية، لضبط الأسواق، والقضاء على منتجات الدرجة الثانية، حفاظًا على صحة المواطنين. عضو بالصيادلة: يجب إصدار قوانين رادعة لفت أحمد فاروق شعبان رئيس لجنة الصيدليات بالنقابة، أنه منذ عام 1955 حتي الآن لم يتم تشريع قوانين رادعة لمعاقبة الصيادلة المخالفين للقواعد، والمتجارين بالأدوية أو المنتجات الغير المرخصة، متابعًا أن النقابة تبذل قصارى جهودها في مراقبة الصيدليات وتحريز منتجات بير السلم الموجودة بها. وزارة الصحة خارج نطاق الخدمة وحرصًا من بوابة الوفد لعرض كافة الآراء فقد قامت بإجراء أكثر من 10 إتصالات هاتفية بمسئولين بوزارة الصحة ولكن لم يتم الرد او تقديم أي إجابات للاستفسارات، أو أن الهاتف مغلق، أما أن يأتي الرد بأنه غير مسئول ويجب الذهاب للموظف المختص الغير معلوم الوجهة. شاهد الفيديو: