كشفت نتائج المرحلة الأولى من أول انتخابات برلمانية مصرية تجري منذ ثورة 25 يناير عن "مشهد سياسي جديد" يختلف تماما عما عهدته مصر خلال العقود الخمسة الماضية حيث يمثل صعود التيارات السياسية الجديدة وتحديدا الإسلامية والليبرالية، ملمحا جوهريا في طريق مصر خلال ما بقي من المرحلة الانتقالية التي يفترض أن تنتهي في 30 يونيو القادم بانتخاب أول رئيس للبلاد منذ تنحي الرئيس المخلوع حسني مبارك، وذلك بعد أن يشكل البرلمان الجديد لجنة المائة التي سوف تضع الدستور الجديد ويستفتى عليه الشعب. وفي مقابل هذا الصعود اللافت للتيارات السياسية ذات المرجعية الدينية الإسلامية، فقد توارى عن المشهد السياسي بقايا النظام السابق، فيما لم يحصل شباب الثورة على نسبة معقولة من الأصوات في الجولة الأولى. كما أظهرت النتائج تراجع الأحزاب التقليدية، خاصة اليسارية والقومية، التي كان يتضاءل دورها في الحياة السياسية . غير أن هذا المشهد قد يطرأ عليه بعض التغييرات في ضوء نتائج المرحلتين المقبلتين من الانتخابات البرلمانية فضلا عن أن عملية تحديد الفائزين من القوائم الحزبية بشكل نهائي لن يتم إلا يعد إجراء المرحلة الثالثة والأخيرة وإعلان نتائجها الرسمية من جانب اللجنة العليا للانتخابات. ووفقا لما أعلنته اللجنة العليا للانتخابات حول الأصوات التي فازت به القوائم الحزبية في المرحلة الأولى من الانتخابات التي شملت تسع محافظات، فقد حازت كتلة التحالف الديمقراطي، وعلى رأسها حزب الحرية والعدالة على نسبة 9ر34% من أصوات الناخبين الصحيحة، أي ثلاثة ملايين و565 ألفا و92 صوتا، ويضم التحالف إلى جوار حزب الحرية والعدالة كلا من: حزب الكرامة وغد الثورة والحضارة. فيما حاز حزب النور المحسوب على التيار السلفي على نسبة 2ر23%، أي 2 مليون و371 ألفا و713 صوتا، بينما حلت الكتلة المصرية في المركز الثالث بنسبة 7ر12%، أى مليون و299 ألفا و819 وتضم الكتلة أحزاب: (المصريون الأحرار، والمصري الديمقراطي الاجتماعي، والتجمع)، وحصل حزب الوفد الليبرالي على المركز الرابع بنسبة 7ر6%، أى 690 ألفا و77 صوتا، وجاء حزب الوسط في المركز الخامس بنسبة 4%، ثم جاء تحالف الثورة مستمرة سادساً بنسبة 2ر3% من الأصوات، فيما توزعت النسبة الباقية على حوالي 20 حزبا آخري ربما لن يتمكن العديد منهم من التمثيل البرلماني وفق نظام القوائم الحزبية. وفيما يخص الدوائر الفردية، فقد تمكن عشرة من الأحزاب من أن يكون لها ممثلون في البرلمان، لكن حزب الحرية والعدالة استطاع أن يحصد 36 مقعدا من أصل 54 مقعدا فرديا جرى التنافس عليها في المرحلة الأولى باستثناء دائرة الساحل التي ستجري فيها الانتخابات في اليومين القادمين، بينما حل حزب النور أيضاً في المركز الثاني بحصوله على 6 مقاعد نيابية، وثمة 5 مقاعد للمستقلين، بينما حازت الأحزاب الأخرى وأبرزها: الوفد والحرية والمصريون الأحرار والتجمع والعدل ومصر القومي والمواطن المصري على مقعد واحد لكل منها. ووفقا لما يشير اليه خبراء في هذا المجال فإن هذه النتائج تشير الى حصول حزب الحرية والعدالة على نحو 80 مقعداً من أصل 168 هي مجموع مقاعد المرحلة الأولى، وحصد حزب النور حوالي 33 مقعدا، فيما تتوزع المقاعد المتبقية على الكتلة المصرية وشباب الثورة وحزبي الوفد والوسط وغيرها، أخذاً في الاعتبار أن اللجنة العليا للانتخابات لن تقدم النتائج النهائية للقوائم الحزبية إلا في أعقاب نهاية المراحل الانتخابية الثلاث. ومغزى ذلك أن حزب الحرية والعدالة قد حاز وفقاً للقوائم والفردي مجتمعين على نسبة تقريبية تصل نحو 6ر47% من مقاعد الجولة الأولى، وأن حزب النور السلفي قد استحوذ على نسبة 6ر19% من هذه المقاعد، ويعني ذلك في حال إضافة النسبة التي حصل عليها حزب الوسط، اقترب التيار الإسلامي من الاستحواذ على ما يقارب ال 70% من مقاعد المرحلة الأولى، في حين تمثل أحزاب التيار الليبرالي الجديدة والقديمة وبعض الأحزاب الصغيرة الأخرى على ما بين 30% إلى 33% من هذه المقاعد. ومن المتوقع سوف تفرز النتائج في مجملها وقوع القوى الإسلامية الأخرى، ممثلة بالكتلة السلفية والجماعة الإسلامية، على اليمين السياسي والديني لحزب الحرية والعدالة، بينما تقع بقية الأحزاب الأخرى، ومنها حزب الوسط الإسلامي والتيارات الليبرالية وغيرها، على يسار حزب الحرية والعدالة، الذي سيجب عليه في حالة انعقاد البرلمان أن يتحالف أو على الأقل ينسق مع إحدى القوتين من على يمينه أو يساره، أخذاً في الاعتبار أن القرارات الكبرى في البرلمان المصري تتطلب أغلبية الثلثين حتى يتم تمريرها، وربما سيسري ذات الأمر في الدستور الجديد.