رغم أن الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة أعلن في إبريل الماضي عن حزمة إصلاحات سياسية لمنع اقتراب الربيع العربي من بلاده , إلا أن قانون الأحزاب الجديد جاء فيما يبدو ليشكل انتكاسة في هذا الصدد . ففي 6 ديسمبر , أقر البرلمان الجزائري قانون الأحزاب الجديد الذي أغلق الباب نهائيا أمام عودة حزب الجبهة الإسلامية للإنقاذ المحظور إلى العمل السياسي . وكانت المادة الرابعة في هذا القانون نصت على منع تأسيس حزب سياسي على كل شخص مسئول عن استغلال الدين الذي أفضى إلى المأساة الوطنية , وذلك في إشارة إلى الأحداث الدموية التي شهدتها الجزائر خلال تسعينيات القرن الماضي بعد إلغاء نتائج انتخابات 1991 التي فازت بها الجبهة الإسلامية للإنقاذ . وأعلن وزير الداخلية والجماعات المحلية دحو ولد قابلية خلال عرضه المشروع على اللجنة القانونية للبرلمان أن أحكامه تسعى لضمان حرية إنشاء الأحزاب السياسية في إطار القانون والتعبير الحر عن آرائها ومشروعها وحرية نشاطاتها , شريطة ألا تستغل هذه الحرية في إنشاء حزب قد تم حله"، في تلميح إلى جبهة الإنقاذ المنحلة. وعلى الفور , أكد رئيس جبهة الإنقاذ المنحلة عباسي مدني المقيم بالعاصمة القطرية الدوحة أن النظام يصر مرة أخرى على استفزاز مشاعر الجزائريين بسن قوانين وتشريعات جائرة ظالمة، يجدد من خلالها اعتداءه الصارخ على الإرادة الشعبية، بمحاولة ترسيم إقصاء الجبهة الإسلامية للإنقاذ وحرمان إطاراتها من ممارسة حقهم الطبيعي والمشروع في الممارسة السياسية، واغتصاب حقوقهم السياسية والمدنية , مهددا باللجوء إلى المحاكم الدولية المختصة لمقاضاة النظام الجزائري. ورغم أن السلطات الجزائرية تحمل حزب الجبهة الإسلامية للإنقاذ مسئولية أحداث التسعينيات , إلا أن هناك من حمل السلطة أيضا المسئولية وأكد أن عودة جبهة الإنقاذ للعمل السياسي كان من شأنه إرساء المصالحة الحقيقية في البلاد , ولعل ردود الأفعال على قانون الأحزاب تدعم ما سبق . فقد قاطع نواب حركة مجتمع السلم "حمس" المشاركة في التحالف الرئاسي التصويت على مشروع القانون وأكدوا أن المنع كان يجب أن يصدر عن القضاء وليس بقانون . وفي السياق ذاته , أكد حزب النهضة المعارض أن المادة الرابعة "مقيدة للحريات"، وقال رئيس كتلتها البرلمانية علي حفظ الله :" إن قانون الأحزاب في مجمله مقيد للحريات، خاصة هذه المادة الرابعة". وانتقد حفظ الله تخصيص مسألة استغلال الدين، وغض الطرف عمن يستغل العرق واللغة في ممارساته السياسية. ومن جانبه، قال الأمين العام لحركة الإصلاح الوطني حملاوي عكوشي :" إنه لا توجد أحزاب دينية بل هناك أحزاب مدنية , رأينا في مجلس الوزراء من دافع عن عودة جبهة الإنقاذ لإرساء المصالحة الحقيقية وليس الشكلية، فتمنينا أن نجد في البرلمان من يدافع عن ذلك، ونحن دافعنا بخروج نوابنا أثناء التصويت". وكان تسرب من اجتماع مجلس الوزراء منتصف شهر سبتمبر الماضي أن خلافا وقع بين الوزراء بشأن المادة الرابعة ، ففي الوقت الذي عارض يزيد زرهوني نائب الوزير الأول ووزيرة الثقافة خليدة تومي عودة الحزب المحظور، دافع وزير العلاقات بالبرلمان محمود خوذري عن السماح لجبهة الإنقاذ بالممارسة السياسية . ومن جانبها , نقلت قناة "الجزيرة" عن الكاتب والمحلل السياسي الجزئراي مراد أوعباس قوله إن القانون "يخرق الدستور ويمس بالحريات العامة والفردية" , موضحا أن التعميم الذي جاء في المادة الرابعة يعتبر عقابا جماعيا. وأضاف " إن كان هناك من إجراء تتوافق عليه المجموعة الوطنية فلا بد أن يصدر من العدالة ولمدة زمنية محددة، كما على السلطة أن تنشر أسماء من استغلوا الدين، دون تعميم حرمان مناضلي هذا الحزب أو ذاك من العمل السياسي". وتابع "لاحظنا أن هناك شخصيات سياسية ونقابية معروفة كان لها دور بارز في تأجيج الأزمة خلال المأساة الوطنية، لكنها لم تُمنع". ومن جانبه , قال الباحث الجزئراي في شئون الحركات الإسلامية مصطفى فرحات إن المأساة الوطنية التي ذهب ضحيتها جزائريون يتحمل مسئوليتها أطراف كثيرة، وليس فقط من "استغل الدين" لأغراض سياسية. وأضاف "المأساة يتحملها الحزب المحظور كما تتحملها السلطة، وبالتالي تخصيص جهة دون أخرى فيه إجحاف وظلم". وأشار إلى أن الأزمة بالجزائر تتجاوز الآن بأبعادها الدولية بقايا مناضلي الجبهة كما تتجاوز الأحداث المأساوية التي وقعت في تلك الفترة، وتتطلب إرادة سياسية حقيقية لجعل المشهد السياسي أكثر حرية وديمقراطية واحتراما للإنسان . ورغم الانتقادات السابقة , إلا أن النظام الجزائري مازال يدافع عن المادة الرابعة , حيث نفى رئيس الهيئة الاستشارية لترقية وحماية حقوق الإنسان التابعة لرئاسة الجمهورية المستشار فاروق قسنطيني أن تكون هذه المادة غير قانونية، قائلا :" إن هذه التدابير الموجودة في المادة الرابعة من قانون الأحزاب قد أشار إليها ميثاق السلم والمصالحة الوطنية (الذي استفتي عليه يوم 29 سبتمبر 2005)". وأضاف قسنطيني "هذا الميثاق صار قانونا وضعيا بعدما وافق عليه الشعب، وبالتالي المادة الرابعة من هذا القانون صارت مبررة". تصريحات مدلسي ويبدو أن ثقة النظام الجزئراي في عدم انتقال عدوى الربيع إليه تدفعه للمضي قدما في تجاهل الانتقادات الموجهة لقانون الأحزاب الجديد , وهو الأمر الذي من شأنه أن يثير قلقا واسعا حول مدى استمرار الهدوء النسبي الذي شهدته الجزائر في السنوات الأخيرة . وكانت لجنة الشئون الخارجية في البرلمان الفرنسي استقبلت في 7 ديسمبر وزير الخارجية الجزائري مراد مدلسي لمناقشة مجموعة من القضايا المتعلقة بالربيع العربي وتداعياتها . وعندما سئل مدلسي عن سبب عدم انتقال "عدوى" الربيع العربي إلى الجزائر، قال :" إن الجزائر عرفت انتفاضتها في عام 1988، والتي جلبت الانفتاح السياسي، وحرية الصحافة"، مشيرا إلى أن الجزائريين لم يتوقفوا عن المطالبة بمزيد من الحريات طوال السنوات الماضية، وأنهم فعلوا ذلك قبل وأثناء وبطريقة أكثر إصرارا بعد الربيع العربي. وأوضح مدلسي أن العلاقة بين الجزائريين والسلطة لم تكن بذلك السوء الذي يؤدي إلى الصدام بين الطرفين مثلما حدث الأمر بالنسبة لدول أخرى، موضحا أن المواطن الجزائري ومنذ نهاية ثمانينات القرن الماضي أصبح يعبر عن رأيه بحرية وفي كل مكان دون أن يمسه ضرر. وأكد أنه خلال الأشهر الأولى من السنة الحالية , شهدت الجزائر مظاهرات وحركات احتجاجية، ولكن السلطات لم تلجأ إلى قمعها بالطريقة التي رأيناها في دول عربية أخرى، فحتى وإن كانت المظاهرات ممنوعة في العاصمة لأسباب أمنية بحتة، فإن المتظاهرين منعوا من السير عبر شوارع العاصمة، دون اللجوء إلى العنف والاعتقالات. ونقلت صحيفة "القدس العربي" اللندنية عن مدلسي القول أيضا إن الجزائر بذلت جهودا في مجال تحسين الأوضاع المعيشية للمواطنين، من خلال الزيادات المتكررة في الأجور، وإيلاء أهمية لأصحاب الدخل المحدود، من خلال سياسة دعم المواد الاستهلاكية الواسعة الانتشار، ودعم بناء السكنات الاجتماعية، والقضاء على السكنات الهشة والعشوائية. وأضاف أن الرئيس عبد العزيز بوتفليقة بادر بإصلاحات سياسية جاءت لتعزيز الممارسة الديمقراطية وتجذيرها، وأن حزمة القوانين الجديدة التي تمت المصادقة عليها، أو تلك التي لا تزال أمام البرلمان لمناقشتها، مثل قوانين الانتخابات والأحزاب والجمعيات وتوسيع مشاركة المرأة في المجالس المنتخبة جاءت كإجراءات استباقية واستجابة لتطلعات الشعب الجزائري لمزيد من الحرية والديمقراطية. وردا على سؤال يتعلق بإمكانية وصول الإسلاميين إلى السلطة في الجزائر، على غرار ما حدث في تونس والمغرب ومصر، قال مدلسي :" إن الجزائر كانت السباقة بفتح الباب أمام الإسلاميين للمشاركة في الحكم، من خلال دخولهم إلى البرلمان أو إلى الحكومة، التي تضم عددا من الوزراء المنتمين إلى أحزاب إسلامية"، مشيرا إلى أن قانون الأسرة مستلهم من الشريعة الإسلامية. واعتبر مراد مدلسي أن الهاجس الرئيسي هو احترام قواعد اللعبة السياسية وقوانين الجمهورية ومبدأ التداول على السلطة، مشددا على أن الجزائر لم تنتظر الربيع العربي من أجل الانفتاح على الإسلاميين والتعامل معهم بصفتهم مواطنين جزائريين يحق لهم الترشح والوصول إلى مناصب المسؤولية. وبالنظر إلى أن قانون الأحزاب الجديد تجاهل الفقرة الأخيرة من تصريحات مدلسي , فقد حذر البعض من احتمال عودة التوتر للمشهد الجزائري في حال عدم احتواء الجبهة الإسلامية للإنقاذ .