مع اقتراب الإسلاميين من اعتلاء سدة الحكم في مصر، وتلك البشائر التي ظهرت واضحة في المرحلة الأولى للانتخابات، والتي عبرت بصدق عن أصالة الشعب المصري، وقناعاته بمن يصلح لحكمه ومن لا يصلح، وأثبتت للجميع أنه شعب متدين يعشق دينه وعقيدته وينصر من ينصر دين الله ويريد تطبيق منهج الله وشريعته، ويلفظ كل التيارات المعادية والكارهة للإسلام.. علت فزاعة الخوف من الإسلام في الفضائيات وبعض الصحف، وبدأوا يخوفوننا من الدولة الدينية، وقطع يد السارق ورجم الزاني وقتل القاتل، وتحجيب نساء مصر، ومنع السياحة، وظهر من يدعي أن الإسلاميين لا يعترفون بالدولة المدنية. وهذا والله افتراء على الإسلام وعلى الإسلاميين.. فالدولة الدينية أكذوبة كبيرة، والإسلام لم يعرف هذا الشكل من الدولة منذ العهد النبوي والى اليوم، وأتحدى من يأتي لي بنموذج لدولة دينية ظهرت في أي عصر من عصور الإسلام. ومن يثيرون هذه القضايا سواء من المسلمين أو غير المسلمين، لا يفهمون الإسلام على حقيقته، ولا يعرفون فحوى النظام السياسي في الإسلام، ومفهوم الدولة في الإسلام، وعلاوة على ذلك لا يعرفون معنى المصطلحات التي يستخدمونها، مثل مصطلح «الدولة المدنية»، ومصطلح «الدولة الدينية». والدولة في الإسلام دولة مدنية، بكل معاني الكلمة، تحكم بقواعد الشريعة الإسلامية التي نظمت كل شئون الحياة، والدولة المدنية عكس الدولة العسكرية وليست الدولة الدينية، ولا يوجد في الإسلام ما يسمى بالدولة الدينية، فالإسلام دين ودولة لا ينفصل أحدهما عن الآخر، والحكم بما أنزل الله ركن من أركان العقيدة الإسلامية. وعندما نتحدث عن الإسلام كدين ومنهج حياة، يجب أن نقرر قاعدة ثابتة ثبوت الجبال الرواسي ، وهي أن الإسلام يؤخذ من القرآن والسنة، لا من واقع جماعة أو تنظيم، ولا تستطيع جماعة بعينها أو تنظيم الادعاء بأنها تمثل الإسلام ككل، فالإسلام أكبر وأشمل وأعظم من الجماعات والتنظيمات، وكل يعمل على شاكلته، وربكم أعلم بمن هو أهدى سبيلا. والمطالبة بالفصل بين الدين والسياسة فرية كاذبة وافتراء على الله سبحانه وعلى رسوله، صلى الله عليه وسلم، وعلى الدين الحنيف، ومخطط خبيث لاقتلاع الإسلام وحضارته، كدين شامل ومنهج حياة كامل، من جذوره لكي يخبو وتنطفئ أنواره وينعزل بمنهجه عن دنيا الناس وسياستهم، وهذا كلام ما قال به أحد في الأولين والآخرين، إلا أن يكون منافقا معلوم النفاق أو معاندا أو جاحدا للدين، محاربا لله ولرسوله.. وهذا دأب العلمانيين والماركسيين والمنافقين والمرجفين في مصر. ان الإسلام الذي يخوفون الناس منه اليوم، إنما نزل رحمة للعالمين، لم ينزل ليرجم الزاني ويقطع يد السارق، وإنما نزل ليحمي الأموال والأنفس والأعراض والممتلكات، ويحقق الأمن والأمان للجميع، وما تقطع اليد الخائنة إلا ليأمن الجميع على أمواله وممتلكاته، وما يرجم الزاني إلا ليأمن المجتمع بأكمله على عرضه وتسود العفة والطهارة، ولقد ذقنا جميعا مرارة البعد عن الإسلام ومنهجه، فانتشرت السرقات وحوادث الاغتصاب والاعتداء على الأعراض، والقتل لأتفه الأسباب. والإسلام منهج شامل وكامل وصالح للتطبيق في كل زمان ومكان، والله سبحانه وتعالى أراد لهذا الدين أن يسود وأن يقود ويحكم كل شئون الحياة ، بما فيها من سياسة واقتصاد واجتماع وثقافة وإعلام وترفيه إلى آخر ما تحتويه دنيا الناس. والإسلام لا يعرف الفصل بين الدين والسياسة، وهذا كلام قلته من قبل وسوف أقذف به في وجوه العلمانيين واليساريين والمنافقين، كلما اقتربوا من ديننا وإسلامنا وحاولوا الفصل بينه وبين دنيا الناس، فالإسلام لا يعرف مصطلح «الإسلام السياسي» الذي يروجون له ، بل إن سياسة المجتمع والناس جزء يسير من منهج الإسلام الشامل. والنبي، صلى الله عليه وسلم، أقام دولة مدنية في المدينةالمنورة، تحكم بشرع الله واقتدى به خلفاؤه من بعده، الذين حكموا دولة الإسلام الرشيدة، وفتحوا الفتوحات وعقدوا المعاهدات مع الدول المجاورة لهم، وأرسلوا السفراء وأنشأوا الدواوين التي صارت وزارات للحكم بعد ذلك..وهي دولة قوية سادت العالم كله، وخضعت لها رقاب الجبابرة والقياصرة من الفرس والروم.