تبهرنا البدايات ... وتزعجنا النهايات . بدأ الملك فاروق حكمه مبشرا ونقيا ومحبوبا من الشباب ،ومثلا أعلى لضباط الجيش ، وبعد 16 عاما خرج مطرودا يجر فضائحه ورذائله . وبدأت ثورة يوليو وطنية دافعة ورفعت شعار " ارفع رأسك يا أخى فقد مضى عهد الاستعباد " وقبل ان يرحل زعيمها احتلت سيناء وَوُئدت الحرية وشاع الظلم والارهاب وعُذّب مَن عُذّ ب وسجن مّن سجن ، وقُتّل مَن قُتّل . وبدأ الرئيس أنور السادات عهده بتحطيم اسوار المعتقلات ورفع الحراسة وتقطيع اشرطة التصنت على الناس ، وقبل رحيله بأيام جمع 1500 من خيرة عقول مصر وساستها واقلامها وتحفظ عليهم ، ونقل عدد كبير من الكتاب والصحفيين الى صيدناوى وعمر افندى . . وجاء الرئيس مبارك ليبشر بعهد جديد من الحرية والكرامة وأفرج عن المعتقلين السياسيين وسمح للصحف غير الحكومية بالصدور واستعان بكافة التيارات السياسية لعمل مؤتمر اقتصادى قومى ، ودعا لأول مرة الى تحديد فترة رئاسة الحكم بفترتين وتعهد شخصيا انه لن يزيد عن ذلك . وبعد 29 عاما تحول تراجع الرئيس عن فترتى الرئاسة تحت زعم ضغط الشعب ، وردد الرجل كثيرا رفضه التخلى عن الحكم حتى آخر نفس ، قاهرا بذلك طموح الساسة المشروع للوصول الى الحكم . لاشك ان ذلك يعنى إن المسئول اذا علم انه باق فى موقعه حتى آخر انفاسه يزداد طغيانه وتجبره ويلتف حوله اصحاب المصالح والهوى . وفى بلادنا المقهورة لا يمكن ان يتحرك شىء للأمام والحاكم قابع فى مكانه ، ولا يتطور البناء الاجتماعى والحاكم فى مقعده ، ولا يتحسن الاقتصاد والحاكم لا يسمح بفكر جديد وعقل جديد واسلوب جديد . لا شىء يتغير مادام الرأس كما هو ، ومن يتصور ان نظام الرئيس مبارك يمكنه وضع خطط اصلاح اقتصادى او سياسى او غير ذلك واهم لأنه كما يقول " هيجل " : " لو أن شيئا من الممكن ان يحدث لكان حدث .." إن الوجوه كما هى لم تتغير منذ ربع قرن ورموز النظام يبدلون مواقعهم وأدوارهم ، لكنهم باقون مفروضون علينا كأسمائنا بنفس العقول وذات الافكار . إن البداية الحقيقية لأى اصلاح فى هذا البلد الذى قتلتنا محبته تبدأ من القمة . لا يمكن لتجربة اصلاح ان تحقق اى نتائج مادامت بعيدة عنه تحديدا : موقع الرئيس ، لذا فإن تحديد فترة الرئاسة بفترتين أمرا لا يجب التراجع عنه وينبغى أن يصبح الخطاب الأول لقوى المعارضة فى مصر. هناك كثيرون يركزون فى حديثهم عن تعديل الدستور على المادة 76 ويتناسون أن البداية الحقيقية هى 77 لأن تحويل فترة الرئاسة لفترة مؤقتة يدفع الحاكم دفعا لتعبيد الطريق لمن يأتى بعده . والله أعلم . [email protected]