لافتة مدون عليها «مستشفى العباسية للصحة النفسية»، هذه أول لافتة وقعت عليها أعيننا، عندما انتقلت «الوفد» لزيارة الطفل «فارس» ضحية الإهمال بدار النصيرى للأيتام. دخلنا من البوابة الرئيسية، واستوقفنا الأمن للسؤال عن سبب الزيارة، فقلنا له فى زيارة ل«فارس» دون أن نفصح عن هويتنا الصحفية، فرحب بنا وسمح لنا بالدخول، وشعرنا بأن فارس شخصية مشهورة ومحبوبة منهم. وصعدنا للدور الثالث وعلى الحائط وجدنا لافتة مدونا عليها قسم الأطفال والمراهقين. طرقنا باب الغرفة، ووجدنا «فارس» يجلس على السرير ويلعب «بالمكعبات» مع «مصطفى الليثى» و«أحمد زكى» عضوا فريق قلب واحد والمتكفلان برعاية حالة فارس، ورأينا الحجرة مزينة ببوسترات وملصقات لشخصيات كرتونية يحبها الأطفال تبعث البهجة فى نفوسهم. استقبلنا «فارس» بخجل فى بادئ الأمر وألقى علينا السلام وعلى وجهه ضحكة بريئة، فحاولنا ان نلعب معه لكسر الحاجز ليتحدث معنا براحة واطمئنان. وأثناء الحديث مع فارس لمحنا انه يتمتع بشخصية فكاهية فهو لديه الموهبة فى تقليد بعض الممثلين، ولديه القدرة على التمثيل وظهر ذلك جليا عندما نزلنا للعب معه فى حديقة المستشفى، كما أنه يتمتع بصوت موسيقى ذى نغمة رنانة جميلة، ففى بعض الأحيان كان يحدثنا وهو يلحن كلامه. ولاحظنا انه يمتلك ذكاء فطريا يستطيع من خلاله أن يميز بين الكذب والصدق فى حديثنا معه، كما انه يعى جيدًا ما هو الصواب والخطأ ويقوم دائما بمراجعة نفسه ويعترف بأخطائه ويقومها. وخلال حديثنا مع «فارس» علمنا أنه تعرض للضرب بالخرطوم فى دار النصيرى للأيتام، وتم استخدام الشطة واطلاق الكلاب عليه لمعاقبته على «شقاوته» وعدم اطاعته الأوامر.. حاولنا خلال حديثنا معه الاجابة عن عدة أسئلة ومن بينها ماذا حدث له فى دار النصيرى والوقوف على الأسباب التى جعلته يصل إلى شخص عدوانى كما وصفه أصحاب الدار؟ وكيف هرب ووصل إلى المنيا؟ وهل هو طفل يحتاج إلى علاج نفسى أم انه يبحث عن حب ورعاية فقط؟ وإلى نص الحوار: احكيلى يا فارس ليه سيبت «تيتة عزة» فى دار النصيرى؟ لا هى اللى ودتنى دار أم كلثوم «الأحداث» وهى دار وحشة والعيال بيضربونى فيها.. وهى مشتنى من الدار عشان تبعدنى عن اخواتى عشان معملهمش إزعاج. هربت ازاى من دار أم كلثوم؟ هما كانوا سايبين الباب مفتوح وانا مشيت براحتى كدة وطلعت جرى وهربت.. لأنى كنت مضايق من العيال فى أم كلثوم لأنهم بيضربونى والمدرس كان بيمنعنى من اللعب معاهم. وبعد ما هربت من دار أم كلثوم رحت فين؟ لما شوفت القطر وقفته ونزلت ركبت القطر عشان أرجع عند اخواتى.. وكان فى ناس بتوزع أكل جوه القطر وأكلت معاهم. ايه حكاية الجرح اللى فى رأسك ده؟ لا ده من القطر حد زقنى ووقعت منه. لما وقعت من القطار ايه اللى حصلك؟ القطر خبطنى ورحت المستشفى وعمو مصطفى وعمو أحمد زكى جيهم ولاقونى..وفى المستشفى كنت باخد حقن وأنا مش بحبها وبعدين رحت القسم وبعدين جيت هنا فى المستشفى. هما بيضربوك انت بس ولا بيضربوا كل اخواتك؟ لا بيضربونا كلنا بالخرطوم لما بنعمل حاجة غلط. طيب تحب تقول إيه لاخواتك لو هما شافوا الفيديو ده؟ انا عايز اجيب شنطة حلويات مليانة على الآخر عشان لما أروحلهم أوزعها عليهم لأن اخواتى شاطرين وانا بحبهم. وتقول إيه للحاجة عزة؟ لا أنا مش عايز أكلمها خالص عشان هى السبب.. هى اللى عملت فيّ كدة.. الحاجة عزة والحاج عادل أنا عايز أحبسهم. لكن هما بيقولوا انهم بيحبوك وعرضوك على أطباء كتير؟ لا عمرهم ما ودونى لدكاترة خالص. كنت بتنام فين فى دار النصيرى؟ كنت بنام فى غرفة السواق ومفهاش لعب خالص. سمعت يا فارس انك كنت بتاكل من الزبالة؟! كانوا بيحطوا الشطة فى «بقى» عشان مش بسمع الكلام.. وانا كنت باكل فى الأول من الزبالة لكن انا دلوقتى بطلت أعمل كدة. إيه موضوع الكلاب اللى فى دار النصيرى؟ الحاجة عزة بتربطنى.. وتقول للبواب «عم على» اربطه ودخلوه حجرة السواق ويجيبوا الكلاب ويقفلوا عليّ الباب، وانا أعيط وخايف لحسن الكلاب يكلونى ويعضونى. لما تخرج من المستشفى ينفع تروح أى دار تانية؟ لا.. بس لو هتودونى أى دار تانية متكنش «أم كلثوم». فى نهاية زيارتنا تبين ل«الوفد» أن فارس يتلقى رعاية مناسبة من كل المحيطين به بالمستشفى، وأصبح شخصية محبوبة من جميع الأطباء والممرضين. وأنه فى انتظار أن تستقبله دار يجد فيها اخوات يحبونه ويلعبون معه. وقال «أحمد زكى» المتكفل بحالة فارس: «إن فارس حالته تغيرت كثيرًا للأفضل فى وقت قصير وذلك عندما شعر بالحب والحنان وتلقى الرعاية المناسبة»، مشيرًا ان فارس كان يشعر دائمًا فى دار النصيرى بأنه شخص غير مرغوب فيه والجميع كان يتحدث عنه بشكل سلبى ويقومون بضربه وإهانته، فكان من الطبيعى أن يصبح فارس شخصا عدوانيا ومتذمرا. وطالبت مجموعة قلب واحد بسرعة التحقيق فى تجاوزات دار النصيرى للأيتام، مؤكدين أنه بعد حملات النشر على مواقع التواصل الاجتماعى والصحف تحولت الدار إلى «جنة» من حيث الشكل، بينما مازالت الإدارة كما هى.