لوحات رخامية رصت بجوار بعضها البعض كالجنود فى ساحات التدريب، محفور عليها أسماء الجنود ودياناتهم، ووحداتهم العسكرية، بشكل منظم.. ممرات ضيقة كأنها طوابير عرض أمام قائد حربى، اتخذوا من تراب مقابر الكومنولث بشارع نبيل الوقاد بمصر الجديدة مسقطاً لجثامينهم. مقابر تاريخية، ترجع إلى الحربين العالمية الأولى والثانية، تغلق بداخلها أسرارا وحكايات لجنود فقدوا أرواحهم فى الحروب، تساووا بالتراب بعد أن تركوا صراعات القوي الخارجية، الطامعين فى السيطرة على قناة السويس، وأسرار الحروب دفنت معهم، واحتياج أسرهم لهم. «هذه المقبرة منحة من شعب مصر لضحايا الحروب الأجانب».. دونت هذه العبارة باللغتين العربية والإنجليزية على مدخل المقابر، هى واحدة من ضمن 20 موقعاً لمقابر الكومنولث المنتشرة بمختلف المحافظات، كما أنها واحدة من بين 40 ألف موقع مقبرة منتشرة على مستوى العالم لجنسيات مختلفة، لذلك أصبح لمصر مقصد لأبناء وأحفاد الجنود الراحلين، الذين يحرصون على التردد على تلك المقابر لتذكر الراحلين. المقابر الكائنة بمصر الجديدة، يقبع داخلها ما يقارب 1500 مدفن لجنود، وتحتل بريطانيا أكبر عدد لجنود مدفون بها، ليصل عددهم إلى 1092، علاوة على جنسيات أخرى ممن شاركوا فى الحرب، أيضاً بمختلف الديانات، منهم القبطى، واليهودى، والمسلم. ساحات من الحدائق الخضراء، تفوح منها روائح الأزهار والورود، كأنها قطعة من أوروبا على الأراضى المصرية، عند دخولك لها، ستشعر أنك بمنتزه للعشاق، وليست مقابر، وحين تتوغل أكثر، تندهش من الأشكال الهندسية، وصممت بحيث تبدو كالريف البريطانى بوجود النباتات وبخاصة الأزهار، وكذلك مقاعد للزوار، ووفرت كتيبات لمساعدة الزوار فى التعرف على مقابر من يريدون. تظهر بوضوح العناية بالحشائش الخضراء التى تملأ المكان بالحيوية والنضارة فى أول وآخر المكان، بالإضافة لصفوف الورود على شكل صفوف حول كل مقبرة، كما تحمل شواهد القبور اسم الجندى وأوسمته ورتبته ورقمه العسكرى وعمره والوحدة والسلاح الذى خدم فيه وتاريخ وفاته، ويضاف سطران كحد أقصى من كلمات من أقرب أهله، وتوجد بعض هذه المعلومات على اللوحات الرخامية. أنشأت هيئة الكومنولث لمقابر الحرب بموجب الميثاق الملكى الذى أصدر عام 1917 لتخليد ذكرى ضحايا الحروب والذين بلغ عددهم نحو مليون و700 ألف رجل وامرأة ينتمون لقوات الكومنولث والذين قتلوا خلال الحربين العالميتين الأولى والثانية. طقوس وشواهد الهيئة عبارة عن منظمة لا تهدف إلى الربح وقام بإنشائها سير «فابيان وار» ومنذ وجودها قامت الهيئة بإنشاء 2500 مقبرة وكذلك إنشاء شواهد أضرحة لكثير من المقابر ونصب تذكارية لوضع أسماء بعض الأشخاص المفقودين خلال هذه الحروب. الموتى فى هذه المقابر كانوا يخضعون لطقوس خاصة، تبدأ بوصول السيارة التى تحمل جثمان الفقيد، وفور وصولها ونزول الصندوق من السيارة، يحمله 6 من الجنود الأجانب، وتطلق 36 طلقة من الذخيرة الحية فى الهواء، كتشريفة لوصول الجثمان. يتقدم الجنازة التى تدخل من البوابة الرئيسية، قس وضابط برتبة صول، وقبل وضع الجثمان فى القبر، يقرأ القس ترتيلاً وكلمات، ثم يقود الجنود برفع الصندوق وهو مربوط بثلاثة حبال لوضعه فى القبر، ثم يتم الردم عليه، وتوضع على المقبرة باقات من الورد والزهور.