قدمت الدراما الرمضانية هذا العام صدمة مجتمعية للمشاهد المصرى والعربى، حيث احتوى أكثر من 30 عملاً درامياً على قيم سلبية خطيرة تهدد كيان الأسرة المصرية والعربية، كما تهدد الثوابت الدينية والأخلاقية والقيمية التى عاشت متأصلة فى المجتمع المصرى والعربى منذ نشأتيهما حتى الآن، واختفت فى المقابل الأعمال الدينية والتاريخية التى كانت تقدم وجبة من الأخلاق والقيم والثوابت الدينية والوطنية، التى تساهم بقوة فى تثبيت روح الانتماء وتعليم الأجيال الجديدة حب الوطن وفداءه بكل نفيس وغال. وبرزت أهم القيم السلبية التى شكلت الوجبة الأساسية فى الأعمال الفنية سواء دراما أو إعلانات تجارية كالآتى: «جحود الأبناء وعدم الطاعة أو تحمل المسئولية، الخيانة الزوجية التى تضمنتها معظم الأعمال وأكثر من حالة فى العمل الواحد، مشاهد الكباريهات والقوادين بما فيها الإعلانات ومسلسلات الراقصات على كل شكل ولون التى يصل الأمر بزواج الأبناء، تكرس مبدأ الغاية تبرر الوسيلة بغض النظر عن شرعيتها، الاستجابة لوساوس الشيطان والتنازل المتدرج عن كل الثوابت حتى إن كانت تتعلق بالشرف والعرض والأم والأب والأخوات، تمجيد وتعظيم صورة البلطجى وتقديمه فى صورة إيجابية محببة مغايرة للواقع، فى محاولة لتغيير النظرة العامة للخارجين عن القانون، وغيرها من المشاهد والقيم السلبية الخطيرة». حيث عبرت الدكتورة آمنة نصير، أستاذ الفلسفة والعقيدة بجامعة الأزهر، عن أسفها على هذا العرض السلبى لقيمنا وثقافتنا وشبابنا وحتى كهولنا، الذى يبعد كل البعد عن صورتنا الحقيقية.. وأوضحت الدكتورة آمنة نصير أنه كان يتعين على مؤلفى هذه الأعمال الدرامية ومنتجيها أن يقدموا القيم الإيجابية والتقية السليمة، ليس من منظور المدينة الفاضلة ولكن بما يتحتم علينا تقديمه خلال شهر رمضان.. كما تعتبر «نصير» أن الإلحاح على تقديم الصورة الإيجابية يؤصلها فى نفوس البشر، وتستشهد بالآية الكريمة «ونفس وما سواها فألهمها فجورها وتقواها»، وهو ما يعنى وجود الخير والشر معاً فى نفس كل إنسان، ينميهما أو يهدرهما ما يتعلمه ويشاهده ويسمعه. ولذلك ترى الدكتورة "آمنة" أنه يجب علينا ألا نعرى المجتمع ونقدم كل القيم السلبية وتصوير الشباب والأسر المصرية فى صورة قبيحة للعالم الخارجى والداخلى، بما يؤكد على القيم السلبية والعنف وتدمير صورة الأسرة ومبدأ الاحترام المتبادل الذى كان علاقة أفرادها ببعضهم البعض.. ومن ثم تطالب «نصير» بعودة الرقابة الممزوجة بالحرية المسئولة، طالما أن غياب الرقابة أدى إلى ميل الكفة إلى الانفلات الذى نعيشه بلا توجيه أو إرشاد سليم. وعن دور الإعلاميين والمتخصصين فى هذه القضية أكد الدكتور محمود علم الدين، أستاذ الصحافة فى كلية الإعلام جامعة القاهرة، خطورة الدور الذى تلعبه الدراما فى المجتمع، حيث إنها تشكل الاتجاهات المعرفية ثم الوجدانية ثم السلوكية لدى أفراد المجتمع.. ويضرب «علم الدين» مثلاً بمسلسل «الأسطورة» الذى انتهج بعض الناس نفس ما فعله بطل المسلسل فى إحدى قرى محافظة الفيوم، ما يعد إنذاراً عالي الصوت لجميع المسئولين عن التأثير المدمر والسريع للدراما التليفزيونية هذا العام فى رمضان أو غيره. وأبرز الدكتور محمود علم الدين استياءه من تقديم الدراما الرمضانية للخارجين على القانون فى شكل إيجابى ومحبوب، فى مقابل إغفال النماذج الإيجابية الحقيقية والموجودة فى المجتمع، فعلى سبيل المثال تم التركيز على شخصية ضابط الشرطة فى صورته السلبية المرفوضة مجتمعياً، وتم إغفال صورة الضابط الشهيد الذى يدفع حياته فداء للوطن والشعب فى سيناء.. واستنكر «علم الدين» أنه تم إعادة إنتاج الألفاظ السوقية التى يتم ترديدها فى الشوارع، بما فى ذلك تأثير خطير على الأطفال والشباب. ووجه الدكتور محمود علم الدين رسالة إلى الدكتور خالد عبدالجليل رئيس جهاز الرقابة على المصنفات الفنية، بضرورة العودة لتوجيه المؤلفين إلى التركيز على إيجابيات المجتمع والدور التنويرى والإصلاحى الذى يقوم به الفن، وليس نسف القيم الأساسية، فلا يمكن على سبيل مناسبة الشهر الكريم أن تحتوى معظم مشاهد وموضوعات المسلسلات الرمضانية على الدعارة والكباريهات. ومن هنا يؤكد الدكتور محمود علم الدين ضرورة عودة إنتاج الدولة للأعمال الدرامية أمثال «المال والبنون» وغيرها من الأعمال التى حملت القيم الإيجابية والسليمة للشباب والنشء، فضلاً عن إعادة نظر المجلس الأعلى للإعلام عندما يتم الانتهاء من تشكيله فى الفواصل الإعلانية التى تقدمت على المحتوى الدرامى، سواء فى الوقت أو التكرار. وعن مسئولية القنوات الفضائية كمنتج وعارض لهذه الأعمال، يوضح الدكتور محمود علم الدين أنه للأسف لا يوجد اتفاق لأخلاقيات للعمل والمحتوى الإعلامى فى الفضائيات حتى الآن، حيث يوجد فراغ تشريعى يتعلق بمبدأ المحاسبة، من حيث الدور المنوط به شرطة البلد التى تبث من خلالها القناة، وإن كان البث من الخارج فعندئذ من يكون المسئول؟.. وهو ما يفسره «علم الدين» بأنه واقع فضائى خارج عن سيطرة وسلطة الدول، وهو ما يتعين الإسراع بتشريعه عبر قانون تنظيم الإعلام وميثاق للشرف ومدونة سلوك للإعلام متفق عليها.